فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      قول في مناظرة د عصام العويد ومحمد رزق

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      أشار أحد المتابعين على تويتر إلى أن مناظرة محمد رزق وعصام عويد قد أثارت بلبلة في أوساط بعض الشباب لما اعتقدوه فوزاً للأول على خصمه. فرجعت إلى التفريغ المتاح على النت، فما وجدت إلا هزلا متلبسا في لباس علم.

      فإن الرجل قد دعا إلى مناظرة من "يراه هو مؤهلا" لمناظرته، في إثبات أنّ تنظيم الحرورية، الذي وصفهم به جمهور علماء اليوم، لا يتصف بالحرورية. ثم خالف بعدها كلّ أصول المناظرات، واحتج بما هو خلاف الأصل، ولم يتم له دليل واحدٌ في المسألة، اللهم إلا ترويج خرائط واحصاءات موهومة للتنظيم، تدل على ضعف تصوره وفهمه كمناظر.

      وقد رأيت أن أعلق على ما قرأت بالأمس، حتى أرفع الغرر عن بعض العقول التي قد تقبل الحق، أو تفهمه على أقل تقدير.

      وقد رأيت أن المناظرة، إن أسميناها مناظرة، قد احتوت على نقاط ثلاث رئيسة، يمكن من خلالها بيان عجز محمد رزق فيها عن إثبات أي دعوى ادعاها، مما يترك الأصل على أصله الذي اتفق عليه جمهور العلماء، من أن هذا التنظيم حروريّ شحما ولحماً. وسنعرض لهذه النقاط فيما يلي إن شاء الله.

      القول في سير المناظرة:

      أولاً:  الأصل أن الأسئلة توجّه عبر مدير المناظرة، لا أحد طرفيها. وهو ما خالفه محمد رزق في كلّ خطوة.

      ثانياً: الأصل أن الداعي للمناظرة على مسألة هو من يقع عليه عبء الدليل، لا على خصمه. فالدعوى هنا أن هذه التنظيم ليس حرورياً، ومن هنا جاءت دعوة محمد رزق، من إنه يريد مناظرة من يراها حرورية. والقول بالبراءة الإصلية هنا لا يغنى، إذ هو مخالف للفرضية التي قامت عليها المناظرة. ولو طلب د العويد المناظرة على أن هذا التنظيم حروريّ لكان الأصل أن يبدأ بتقديم ما يخالف أصل البراءة. لكن الحال هنا معكوسة.

      ثالثاً: الأصل أن يبدأ محمد رزق ببيان ما عنده من دليل على دعواه التي قامت عليها المناظرة، وقد طلب الشيخ الفاضل د هانى السباعي مناظرة من يوثّق تنظيم الحرورية، على مبدأ حرورية الدولة، كما طلبت شخصيا نفس الطلب، لكن التنظيم ليس عنده من يؤهل لمثل هذا ممن يثق بقدرتهم. ولو تم، لكان على الشيخ السباعي وعليّ أن نبدأ بتقرير الحرورية حسب منهج نضعه، لا يتجاوز موضوع المناظرة.

      القول في المقدمات:

      وقد فرض محمد رزق عددا من الثوابت، كما أسماها، وأراد أن يبني عليها المخالف أقواله، ويا لله العجب، يريد أن يحكم على المخالف بقواعد معينة أرادها هو! كيف وهناك أولاً كثير غيرها مما قد يحتاج اليه المخالف ويرجع اليه، ثم ثانياً، وهو الأهم، من قال إن هذه القواعد متفق عليها؟ قد يكون هناك اتفاق على عمومها، لكن، الأمر هنا أمر تطبيق، فإن أجزناها، وهي لا خصوصية لها ابتداءً، فسنقف عند كل تطبيق مناط نوقعه عليها لنحررها، فما فائدة الإقرار بها، إلا تصوير المخالف بأنه لا يريد أصولاً متفقا عليها! وهو من الدجل العلميّ والبلطجة الفكرية التي لا يميز فيها العوام حق من باطل.

      مثال ذلك قاعدة أنّ "القاضي الشرعي أو الحاكم أو المجتهد مطلقا قد يجتهد فيخطئ في اجتهاده فله في ذلك أجر وإن أزهقت بسبب ذلك أرواح وأكلت أموال". وهي قضية ثابتة بالحديث الصحيح، لكن طرحها هنا هو تقدمة يريد بها قطع الطريق على المخاصم حين يأتي أمر بشاعات الحرورية. فمن قرر إننا نوافق على أنّ لديهم علماء أصلاً، أو قضاءً يصحح اجتهادهم، وهو ما طرحه د العويّد محقّاً فيه؟ فكيف يوافق على قاعدة ويعلم إنها لا علاقة لها بموضوع الدعوى، وإنها لا تنطبق على حالة التنظيم بالقطع؟

      فهذا التحكم في اختيار قواعد محددة، هو قطع طريق، لا علم شرعي.

      القول في "ماهية الدولة":

      ثم تشنج الرجل في موضوع إثبات ماهية "الدولة"، ليثبت ماهية معينة، ثم يقرر إنها منطبقة على هذا التنظيم الإجراميّ.

      وإلى جانب أنّ هذا خارج بالكليّة عن موضوع الدعوى التي أقامها هو بنفسه، فإنه أمرّ كبير في نفسه يحتاج إلى مناظرة خاصة به. فالدعوى هي أنّ "الدولة الإسلامية غير حرورية". والمقطع المراد هو "غير حرورية"، أمّا إنها دولة أم لا فهو موضوع مستقلٌ لا يعتمد عليه إقرار أصل الدعوى وهو حرورية "الكيان"، دولة أو غير دولة. ولم يقر أحدٌ بأنها "دولة"، وإن أقر المخاصم بما يوهم ذلك فلأنه لا يريد أن يتهرب محمد رزق من أصل الدعوى، وهو مع الأسف ما فعل، التهرب.

      ثم فرض الرجل التعريف بالماهية، والماهية ذاتها تحتاج لتعريف فيصح التعريف بالحال والوصف والحدّ، وقد قيل إن الحدّ هو الماهية، وقيل غير ذلك. والماهية "هي كلّ ما يصلح أن يكون جوابا لسؤال "ماهو؟"[1]. وقد يكون من الأوصاف ما في الماهية لكنه لا يؤثر عليها فمن الصفات ما يتبدل الجواب عن الماهية بتبدلها وإلى ما لا يتبدل. ويظهر من هذا أن الدخول في هذا الأمر ينتمى إلى علم الكلام والمنطق، لا دخل له بموضع المناظرة. وهذا موضوعه مناظرة عن "الدولة".

      فلم إذن يفرض محمد رزق على خصمه شكلا من التعريف يسميه الماهية وهو وصف بذاته؟ ولم يختار هذا الوصف على التعريف الذي سنأتي به بعد؟

      وهذا التعريف هو أن "الدولة" كيان يتحقق حين تتحقق شروطه بشكل طبعيّ، تاريخيا وجغرافيا واقتصاديا واجتماعيا. وهذه الشروط التي وضعها محمد رزق، وهي الحكومة والشعب والإقليم،  ليست ملزمة إلا له. فهناك أبعاد تسبق ذلك، أشار هو نفسه، بلا وعى منه، إلى واحد منها، وهو إنها أمور "لا تسقط من السماء" فإذا يجب ضم التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد، ثم الأهم هو العرف العام الدال على دولة، لا على عصابة تتشبه بدولة!

      ولو نظرنا إلى النقاط الخمس التي عرضها، يثبت بها تعريفه للدولة، لوجدنا إنه يذكر أوضاعاً لاحقة لقيام دولة معتبرة حقا، لا إلى ما يجعلها "دولة" وهو ما أراد إثباته بالماهية، فتناقض في قوله. وهذا أمرٌ كما قلنا ليس مجال الحديث فيه هنا، وبالأولى في المناظرة.

      وهذا القدر هو ما وجدناه على النت، لا نعرف غيره.

      وخلاصة هذا أن محمد رزق قد فشل في مناظرته التي طلبها، وانحرف بها انحرافا لا يليق بعالم شرع، وخرج عن موضوع الدعوى، فهو الخاسر فيها من كلّ وجهة. وأحسن د العويد في مناظرته.

      د طارق عبد الحليم

      6 نوفمبر 2015 – 24 محرم 1437


      [1]  المستصفى للغزالي ج1