فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نظرة في موقف القاعدة من 'تنظيم الدولة'

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد

      لاشك أنّ الكثير من الناظرين في أمر الشام والعراق اليوم، على طرفيّ المواجهة، ينظرون إلى موقف تنظيم القاعدة من هذا التنظيم الذي ظهر فجأة بلا جذور أصيلة، بل اقتطع نفسه من أصله، فرعاً مفرداً، وراح يترصد للقاعدة أولاً، بقتال فرعها في الشام، جبهة النصرة، ثم تتبعتها في كافة أماكن الصراع الإسلامي مع العدو الخارجي، صليبيين وصهاينة، تحاربها وتحاول أن تبني لها وجودا عالمياً، أسموه "الدولة" ثم "الخلافة"، على أنقاض تنظيم القاعدة، بعد قتل رؤوسها، وترويع المسلمين العاملين في مجال الجهاد والدعوة، في كافة الدنيا، بالطلقة الفالقة والسكين الحاذقة! بعد أن تركوا جهاد العدو ووجهوا سلاحهم للمسلمين، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان.

      وقد بيّن رؤوسهم، قولاً وفعلاً وإقراراً، ما يقوم عليه تنظيمهم الحروري، المتلبس بالبعثية العراقية، من تكفير للمخالف، ومن قتله ردة، لا بغياً. وقد أثبتنا شرعا وواقعا، أنّ هذا تنظيم حروري بعثيّ، بُنِيَ على مصالح شخصية واتفاقات سوداء، بين رأسه البغدادي وأتباعه، وبين رؤوس حزب البعث المنحل، إعادة بناء هيكل يتيح لهم السلطة والمال، الذي فقده البعثيون من ناحية، والذي افتقده البغدادي ورَبْعه من ناحية أخرى.

      فالمسألة هنا ليست في موقف التنظيم الحروري من القاعدة وغيرها، فه ثابتُ معروف بالاعتراف، وهو سيد الأدلة. لكن السؤال هنا ما هو موقف القاعدة من هذا التنظيم؟ وهو سؤال حيّر الكثير من أتباع الحركات الجهادية السنية، فراح كثيرهم يضرب أخماسا في أسداس، خاصة وقد تجنب أمير مجاهدي السنة وشيخهم د أيمن الظواهري، حفظه الله، قد أضاف اليهم كلّ الصفات التي يتخرّج عليها وصف الحرورية، لكنّه توقف عن إطلاق التوصيف، بل دعا إلى الهدنة معهم!

      وقد رأينا موقف فروع القاعدة في المغرب العربيّ وفي اليمن، وفي الشام، قد تحدّثوا بشدة ضد ذلك التنظيم، وزيفوا الخلافة الهرائية، وحذروا من أتباعها، لكننا رأينا كذلك أنهم، وإن حاموا حول المعنى، إلا أنهم لم يصبغوا الصفة التي تنطبق عليهم باعتبارهم فرقة ضالة منحرفة.

      ونحن هنا نود أن ننظر في سبب هذا الموقف، سواءً من رأس المجاهدين حكيم الأمة د الظواهري، أو من فروع تنظيمه، الذي يجافي ما نراه شخصياً، وغالب أهل السنة، فنقرر أننا لا نشك في أنّ الشيخ د الظواهريّ يعلم أنّ هؤلاء خوارج ضالين، لكن هناك منظوران يمكن التامل من خلالهما مع هذا التوصيف الواقعيّ.

      المنظور الأول، وهو الذي نعتقد أنه منطلق الشيخ الحكيم في موقفه من عدم التصريح بأن هؤلاء خوارج حرورية: وهذا المنظور يرى أن الهجمة العالمية من الشرق والغرب، روسيا، أمريكا، التحالف العربي الطاغوتي، إسرائيل، هو الأهم اليوم على الساحة، وهو الأخطر الذي لا يجب أن تضيع رصاصة واحدة إلا في صدّه. فإن أعلن شيخ القاعدة أنّ هذه الطائفة حرورية، لزمه أن يدعو إلى التعامل معها بما هو لازم من هذا التوصيف أولاً، ثم انقلاب الكثير من السلاح ضدهم بدلاّ من التصدي للعدوان العالمي على المسلمين في الشام، ثانياً.

      ولابد أن نسجل هنا أن الشيخ الحكيم في موقف لا يسعه فيه ما يسع شيوخ الدعوة غيره[1]، فهو قائد وأمير جماعة كبيرة، لها فروعها الممتدة في كلّ أنحاء العالم الإسلامي، كلمته تحمل معها صدى لا تحمله كلمات غيره كائنا من كان. وهو لا يريد، بأي حال من الأحوال، أن تنقلب الحرب داخلية بين فصائل وإن كان منها حرورية ضالة، لهذا الظرف العصيب الذي تمر به الأمة، والذي لم تمر به من قبل من أيام سقوط الخلافة. فالأمة على وشك الانهيار أمام تلك الضربات العاتية، وقد تمّ تخريب الدهماء في كل البلدان الإسلامية، ولم يبق إلا تلك الشرذمة القليلون الغائظون للكافرين. وتجميعهم في الساحة الشامية، خاصة المهاجرين منهم، مصيدة كبرى تم التدبير لها بليل.

      وهذا المنظور ليس فيه أي تناقض داخليّ، فإن القائلين به لم يتفوهوا بكلمة تنقض كلمة أخرى، أو جملة تعارض أخرى، بل لم يتموا القول بالتوصيف. وعدم القول ليس قولاً بالعدم.

      والشيخ الحكيم ينظر، فيما يراه، إلى المصلحة الأكبر التي تعود على الأمة من أي لفظ يلفظ، لا كمجرمي العوادية، الذين لا يرون إلا مصالحهم، جهلا وعدواناً، فينطقون بكل خبث ودمار دون مسؤولية.

      المنظور الثاني، وهو الذي ننطلق منه شخصياً، وهو متفق مع المنظور الأول في كافة جزئياته، إلا ما اختص بالتقييم النهائي للموقف عامة، وهو أين تقع المصلحة الكبرى للأمة؟ فإننا، بعد أن اكتمل يقيننا بتوصيف التنظيم الحروري البعثي، ثم رأينا أفعالهم على الأرض، وعرفنا مدى أثرهم المدمر على الجهود القائمة من بقية المجاهدين، واقتنعنا اقتناعا كاملاً بأن لا هدنة تصلح مع هؤلاء، من حيث خيانتهم للعهد، وأصل عقيدتهم الحرورية المتطرفة، فقد خرجنا بنتيجة أنّ هؤلاء لا يصلح معهم إلا سيف عليّ رضى الله عنه، وحزم عمر رضى الله عنه، وشجاعة خالد رضي الله عنه. لن يقف هؤلاء المجرمون حتى يشتتوا شمل الحركة الجهادية أولاً بدعوى الجماعة الواحدة، أو لا جهاد.

      ونحن نعلم أنّ مواقف عدد من الجماعات الأخرى، على رأسها قيادات الجيش الحرّ، تعمل خارج إطار الشريعة بالكامل، وتتواصل مع القوى العالمية لتتولى الحكم بعد بشار، وينضح خطابها بهذا المعنى، جلياً بيّنا في قبول دولة علمانية ديموقراطية، وهو ما يدفع الكثير من الشباب إلى أحضان الغلو الحروري حين يرى خيانة الله ورسوله في الطرف الآخر. وهذا الأثر المدمر، يعين على بناء جبهة موازية معادية، مثلها مثل جبهة الحرورية، من حيث إنها علمانية على نهج قوميّ، سينتج عنه مذابح لاحقاً، خاصة للمهاجرين في ذلك البلد.

      لكننا، فيما نرى، أن خطر الحرورية أشدّ وأنكى، من حيث تعاونهم مع النظام النصيري في تدمير المكاسب على الأرض، من حيث يرون أن وجودها في يد النصيرية أهون عليهم من تحريرها بيد المجاهدين. فالمجاهدون هم عدوهم الأول كما قالوا وصرحوا في حديث متحدثهم الأخير بعنوان "قل للذين كفروا" وهم المجاهدون كما ظهر في تفصيل حديثه.

      من هنا فإن هناك الخطر الروسي النصيري الإيراني، يريد تقسيم سوريا، وإبقاء تنظيم الحرورية محدوداً مؤقتا، يخيف به من يهدد مصالحه، والخطر الأمريكي الذي يريد القضاء على السنة وعلى نظام بشار معا لحساب دولة علمانية ديموقراطية خاضعة للغرب، ولأذيالهم من العرب. الذين لا قول لهم في أي من الحالين. وذلك هلك من يعتمد على دعم من ليس له كلمة أو قرار.      

      فاجتهادنا الخاص في هذا المنظور، أنّ إعلان حرورية ذاك التنظيم الذي يمثل شوكة داخلية في جنب المجاهدين، ضرورة مقدمة، ما أمكن ذلك، وأن ينعكس الوضع مؤقتا، ليكون دفع الصائل هو الأصل في قتال النصيرية حاليا مؤقتا، والقضاء على الحرورية هو الأصل حاليا ومؤقتا حتى تنكسر شوكتهم. فإزالة هذه الشوكة التي توجد على الأرض أولى من التصدي لنظام هارٍ أصلا إلا بمعونة جوية روسية. والكل يعرف كيف أن الطيران الروسي يقصف المدنيين ويسفك دماء الأبرياء بينما لا يقصف تنظيم الحرورية إلا لعباً وتمويها.

      الأمر إذن أمر اجتهاد فيما يقع على الأرض، وقد اختارت القاعدة، فيما أحسب، المنظور الأول، حرصاً، من وجهة نظرها، على عدم بقاء نظام بشار بأي ثمن كان. ولعل شيخ المجاهدين د الظواهري يؤكد تحليلنا أو يرفضه، نحن أهل السنة والجماعة نختلف في اجتهاداتنا، لكن نحفظ الفضل لأصحابه توقيراً وتعزيزاً واحتراما.

      د طارق عبد الحليم

      4 نوفمبر 2015 – 22 محرم 1437


      [1]  ومن هنا لا نرى مبررا لامتناع الشيخ المقدسي عن التصريح بحرورية هؤلاء، خاصة والتبريرات التي ذكرها لا تنطلق من هذا المنظور!