فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تأسيس النظر فيما في طرق العوادية من خطل وضرر

      نظرة أصولية في طرق قوم عاد العوادية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد

      فقد كتبت، كما كتب العديد من الفضلاء، في تسفيه رأي الحرورية البعثية الجدد، الملقبون "بتنظيم الدولة"، وبيان انحرافهم وزيغهم عن الصراط المستقيم، ومن ثمّ فظاعة تصرفاهم وأثرها المدمر على الإسلام والمسلمين في هذا العصر الذي تكالبت عليهم فيه كلّ قوى الكفر، شرقاً وغرباً، بما لا نعرف له سابقة مماثلة إلا في غزو الحلفاء لألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية، مع الفارق الهائل في أنّ ألمانيا الهتلرية قد غزت أوروبا كلها، فدفعوا صائلها، ثم غزوها، بينما الشام والعراق واليمن وليبيا لم يخرج منها جندي واحدٌ لأرض العدو! فكان هذا دليل على صليبية العدوان الشامل وعدائه للإسلام، ليس إلا!

      ومع كل ما كتب في هذا الصدد، فإننا نرى أنّ تأصيل تلك الردود، وبيان طرق الزيغ بمرجعية شرعية أصولية سنية هو واجب يجب على القادر، من حيث إقامة الحجة التامة أولاً، وبيان أصل الزيغ للموافق والمخالف ثانياً، وحفظاً للحق وتأسيساً للنظر فيه لله والتاريخ ثالثاً، والله المستعان.

      ومشكلة أهل البدعة هي أساسا في فهم النصوص، ثم فهم الغرض منها. واللغة العربية التي هي لغة القرآن ومورد إعجازه، هي المصدر اللازم لهذا الفهم المستقيم، مع قدر من الذكاء العادي، يرتفع به الانسان عن البهيمة العجماء.

      وقد بين الشاطبي رحمه الله طرق الزائغين ليكشف عن طرق الصالحين، إلا أن المهلك الأصلي الأكبر الذي وقع فيه كافة الفرق، وعلى راسها الحرورية، يقع في مسألتين أساسيتين:

      1. طريقة النظر إلى الأدلة في صيغها العامة والمطلقة.
      2. عدم الجمع بين أطراف الأدلة ليتحقق تصورا عاما شاملا لا يهمل جزئية لحساب أخرى.

      وسنكتفي ببيان أصوليّ لهذين المسألتين ليكون طالب العلم على بينة منهما.

      المسألة الأولى: طريقة النظر إلى الأدلة في صيغها العامة والمطلقة.

      المعلوم لطالب الشريعة، سواء في علوم القرآن، أو أصول الفقه، أو فن التفسير، أو علوم اللغة العربية، أن صيغ الكلام قد تأتي عامة او مطلقة، بمعنى إنها تشمل أفرادا عديدة تقع تحت حدها، سواء شمولاً لها كما في العام، أو بطريق البدل إن كان في المطلق.

      والنظر في الأدلة القرآنية خاصة، والحديثية بشكل تابع، يرى أن أكثر ما جاء في القرآن من صيغ الطلب ورد في صيغة عامة أو مطلقة. والطلب إما طلب أمر أو طلب كفٍّ. وطلب الأمر إما جازما بالوجوب، أو غير جازم بالندب، كذلك طلب الكفّ إما جازما بالتحربم، أوغير جازم بالكراهة.

      فإذا استقرينا الأوامر أو النواهي القرآنية وجدناها أتت في صورة عام أو مطلق. وقد عد الشاطبي منها ما يقرب من الثمانين طلبا نسردها هنا للأهمية القصوى: ففي باب الأمر " كالعدل والإحسان والوفاء بالعهد وأخذ العفو من الأخلاق والإعراض عن الجاهل والصبر والشكر ومواساة ذي القربى والمساكين والفقراء والاقتصاد في الإنفاق والإمساك والدفع بالتي هي أحسن والخوف والرجاء والانقطاع إلى الله والتوفية في الكيل والميزان واتباع الصراط المستقيم والذكر لله وعمل الصالحات والاستقامة والاستجابة لله والخشية والصفح وخفض الجناح للمؤمنين والدعاء إلى سبيل الله والدعاء للمؤمنين والإخلاص والتفويض والإعراض عن اللغو وحفظ الأمانة وقيام الليل والدعاء والتضرع والتوكل والزهد في الدنيا وابتغاء الآخرة والإنابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتقوى والتواضع والافتقار إلى الله والتزكية والحكم بالحق واتباع الأحسن والتوبة والإشفاق والقيام بالشهادة والاستعاذة عند نزغ الشيطان والتبتل وهجر الجاهلين وتعظيم الله والتذكر والتحدث بالنعم وتلاوة القرآن والتعاون على الحق والرهبة والرغبة وكذلك الصدق والمراقبة وقول المعروف والمسارعة إلى الخيرات وكظم الغيظ وصلة الرحم والرجوع إلى الله ورسوله عند التنازع والتسليم لأمر الله والتثبت في الأمور والصمت والاعتصام بالله وإصلاح ذات البين والإخبات والمحبة لله والشدة على الكفار والرحمة للمؤمنين والصدقة"

      أما في النواهي "فالظلم والفحش وأكل مال اليتيم واتباع السبل المضلة والإسراف والإقتار والإثم والغفلة والاستكبار والرضى بالدنيا من الآخرة والأمن من مكر الله والتفرق في الأهواء شيعا والبغي واليأس من روح الله وكفر النعمة والفرح بالدنيا والفخر بها والحب لها ونقص المكيال والميزان والإفساد في الأرض واتباع الآباء من غير نظر والطغيان والركون للظالمين والإعراض عن الذكر ونقض العهد والمنكر وعقوق الوالدين والتبذير واتباع الظنون والمشي في الأرض مرحا وطاعة من من اتبع هواه والإشراك في العبادة واتباع الشهوات والصد عن سبيل الله والإجرام ولهو القلب والعدوان وشهادة الزور والكذب والغلو في الدين والقنوط والخيلاء والاغترار بالدنيا واتباع الهوى والتكلف والاستهزاء بآيات الله والاستعجال وتزكية النفس والنميمة والشح والهلع والدّجَر والمن والبخل والهمز واللمز والسهو عن الصلاة والرياء ومنع المرافق وكذلك اشتراء الثمن القليل بآيات الله ولبس الحق بالباطل وكتم العلم وقسوة القلب واتباع خطوات الشيطان والإلقاء باليد إلى التهلكة وإتباع الصدقة بالمن والأذى واتباع المتشابه واتخاذ الكافرين أولياء وحب الحمد بما لم يفعل والحسد والترفع عن حكم الله والرضى بحكم الطاغوت والوهن للأعداء والخيانة ورمي البريء بالذنب وهو البهتان ومشاقة الله والرسول واتباع غير سبيل المؤمنين والميل عن الصراط المستقيم والجهر بالسوء من القول والتعاون على الإثم والعدوان والحكم بغير ما أنزل الله والارتشاء على إبطال الأحكام والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ونسيان الله والنفاق وعبادة الله على حرف والظن والتجسس والغيبة والحلف الكاذبة"[1].

      والنكتة في هذا الأمر أن تلك المطلوبات لم تأت على تقدير معين، أو حد موزون، ولذلك فإن ليس فيها على العموم حدودا مقررة. فهي بهذا المعنى تجرى على طول طرفي العمل، وجوبا وندبا في المأمور، وتحريما وكراهة في المنهي عنه. فمثلا لا يمكن لأحد أن يضع حدا للبخل، يكون من يتجاوزه معاقباً، أو الانفاق، إنما يرتبط بالقدرة والكفاية، كذلك العدل اإحسان، ليسا على وزان واحد في كل أمر، فتقديرهما متروك للمكلف القادر (المجتهد) أن يقدرهما في كلّ حالة، منها ما يكون وجوبا ومنها ما يكون ندبا، مثل التعدد، وهكذا.

      ولكن هذه العمومات قد وردت في القرآن على شكلين،

      أولهما: عموم وإطلاق يشملان ابتداء في الوضع الاستعمالي القرآني كل منظومة الواجب والمندوب أمراً، والحرام والمكروه نهياً، فيحتملا في ذاتهما أي درجة من درجات التكليف الأربعة، كما ضربنا المثل بالعدل واتباع الشهوات ..

      وثانيهما: ما وضْعُه في النص القرآني دالٌ على الغاية منه، تنصيصا عليها، كما عبر الشاطبيّ، أي على أعلى درجاته، في الوجوب أو التحريم. وهذا مثل العموم الذي في "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، ففي هذه الآية لا يحتمل النص في موضعه أن يفسّر بأي نوع من الكفر الأصغر، بل هي في مناط الكفر الأكبر لا غيره. لكنّ المجتهد قد يوقعها على مناط كفر أصغر بدليل خارجٍ عن ذات النص المنزّل في الآية. وقد وجدنا أن غالب ما أتى من أمر ونهي في هذا الشكل من العموم إنما يأتي بصيغ شرطية، لا بصيغ مفردة، مثل "من في سياق النهي النكرة" كما ورد[2].  

      ونضرب مثالاً على انحراف فكر العوادية، ومن يقف وراءهم من مدعى العلم، بما جاء في موالاة أعداء الله، إذ لم يأت ما يحددها، أو كيفيتها أو تقديرها بشكلٍ محدد، إنما جاءت في الشكل الثاني من العموم، بصيغة مطلق النهي "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، فجاء بصيغة "من" الدالة على العموم وعلى الشرط. وما جاء بصيغة شرطيه، فقد جاء في سياق الاثبات لا النفي "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" فلا تدل على حصر، إذ رأينا في آية "ومن لم يحكم" أن أمر كونه كافرا لا يحتاج إلى أمرٍ خارج عن المحصور فيه، وهو عدم الحكم، ويثبت بعدم الفعل. فصيغة الآية تدل على الغاية. بينما في آية "ومن يتولهم منكم" تحتاج إلى تعريف خارج عن الآية بما يدل على الكفر. وهو ما يدل على دخول نصها أصلاً تحت الشكل الأول من أشكال العموم النصيّ القرآني، اللذين ذكرناهما.

      من هذا النظر الاستدلالي، نرى أنّ من يأت بآيات الولاء، يستدل بها على الشكل الغائيّ من أشكال الولاء فقد أبعد النجعة وخرج عن الفهم القرآنيّ، إلا أن يثبت بدليل من الخارج مناط الولاء الذي وصفه، وأنه ولاء مكفر، بغير الآية القرآنية.

      المسألة الثانية: عدم الجمع بين أطراف الأدلة ليتحقق تصور عام شامل لا يهمل جزئية لحساب أخرى:

      وهذا الأمر عام في كلّ أصحاب البدع، من حيث إهمال جزئيات في الشريعة، آيات أو أحاديث، واستخدام آيات أخرى دون محاولة جمعها وفهمها فهما شاملا مستقيماُ. وهذا، مع اجتماعه بالمسألة الأولى، ينتج عنه كافة أشكال الانحراف، سواء في فهم النصّ المفرد، أو مجموع النصوص متكاملة.

      فالمرجئة استخدمت أحاديث "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" دون اعتبار رواياتها الأخرى "من عبد الله وكفر بما دونه دخل الجنة"، والمعتزلة أخذوا بقول الله تعالى "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وأعرضوا عن قوله تعالى "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين". أمّا الخوارج فقد أخذوا بجزئيات وضربوا بها الكليات، فتركوها وأعرضوا عنها، وأخذوا كلياتٍ ضربوا بها جزئيات ولم يعتبروها، فلم يجمعوا بين الأدلة، كأسوأ مما فعل المرجئة والمعتزلة. فالإعراض عن جزئيات أو كليات في معرض الحاجة اليها هو عدم جمع لأطراف الأدلة. فتراهم مثلاً، يستشهدون بجزئية غير ثابتة عرضت في السيرة مثل حرق أبي بكر الصديق للفجاءة السلميّ، ويعرضون عن كليات الشريعة التي توجب الإحسان في كل شئ حتى في القتل. كما اعتبروا كليات عامة في الولاء دون البحث عن مقيداتها، ولا اعتبار وضعها النصيذ في الرقرآن كما بيّنا.

      وينتقل بنا هذا إلى مناقشة نواقض الإسلام التي راحت العوادية، عواما وعلماء فلا فرق، تجري بها بين الناس، تشيع القتل والفزع والكفر بلا علم ولا عدل.

      فإلى البحث التالي إن شاء الله

      د طارق عبد الحليم

      27 أكتوبر 2015 – 15 محرم 1437


      [1]  الموافقات للشاطبي ج3 المسألة السادسة ص135 وبعدها.

      [2]  وهذه النقطة الأخيرة خارجة عما ذكره الشاطبي في كتابه رحمه الله