فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      موقف الدين والعقل والواقع من قضية الدعم والتحالف

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وبعد

      (1)

      كائنتان تضربان العمق الجهاديّ في الساحة الشامية، أولهما التنظيم الحروري العوادي التكفيريّ في مقابل كافة الفصائل المجاهدة الأخرى بكافة ألوانها وأطيافها، وثانيهما الانشقاق الحديث الحادث في صفوف السنة[1] ، من الفصائل المجاهدة.

      أمّا عن كائنة كلاب أهل النار فقد توسعنا في شرحها عقديا وسياسياً، وقلنا "اختلفت آراء العلماء في الحرورية عموماً، وفي العوادية خصوصا، بين القول بتبديعهم كما قال جمهور السلف عن الخوارج الأول، أو بكفرهم كما قال البخاري وعدد كبير من علماء السلف، وهذا الأخير هو الرأي الذي نميل اليه في طائفة العوادية. بينما شذّ شيخ أو اثنين على الأكثر من منتسبي مشايخ السنة، منهم الشيخ أبو محمد المقدسي، في عدم القول بحرورية هؤلاء، وهو رأي شاذ لا اعتبار به، حيث لم يقدّم عليه أصحابه دليلاً أصلاً، إلا محض الرأي"[2]. وهذا الرأي، فيما نرى، على شذوذه، قد أحدث بلبلة ما في الصف السني، من جهة أتباع الشيخ المقدسي ممن يستمعون لقوله دون تردد في قبوله أيّا كان، وبين بعض المجاهدين في الفصائل ممن تورع ورعا بارداً، بناء على هذا الرأي، أو لسبب غيره، أو من تردد في قتالهم ابتداء متابعة لشيخه المقدسيّ.

      والكائنة الثانية، وأعدها الأخطر اليوم، من حيث إن كائنة العوادية قد انكشفت كلّ جوانبها، وعلم كلّ أناس موقفهم منهم، سواء بالحق أو الباطل لكنّ هذه الكائنة قد قسمت للمرة الثانية، الصف السنيّ بقوة، وهي كائنة تلقى الدعم المادي من دول خليجية أو التحالف العسكري مع الغرب الأمريكي تحت عنوان "قتال الحرورية" في حالة التحالف الأمريكيّ، أو "قتال الحرورية" في حالة الدعم المادي الخليجيّ.

      والنظر في هذا الأمر يستلزم تدقيق وتمحيص للأدلة الشرعية من ناحية، وللمناطات المعلق بها تلك الأحكام في هذه الحال بذاتها.

      وقد ذكرت في مقال سابق، يعتبر مكملاً لهذا المقال، تحت عنوان "سلامة المنهج بين التصلب والتسيب"، ما نصه "مثل آخر، يتعلق بالولاء والبراء. و"المنهج" في هذا هو عدم موالاة الكفار والبراءة منهم، ورفض التعامل معهم "تعاونا"، بما فيه إيذاء للمسلمين مباشراً أو غير مباشر، حالا أو آجلاً، أو تلقى أي "دعم" منهم، مشروطاً أوغير مشروط، بنفس الغاية، فإن في هذا خرق لجناب التوحيد.

      مرة أخرى، فإن هذا الأمر، أمر الولاء والبراء في مفهومه العام المجمل، أمر "منهج" بلا شك. لكنّ الخلاف على هذه الصورة من "التعاون" أو "الدعم" أو "التحالف" ليست من المنهج بحال من الأحوال. فإنه من الضروري اللازم أن يتم تحديد تفاصيل شكل "التعاون" ومجاله، وحدّه، ورايته الأعلى، ومدته، وأطرافه.

      والأهم، هو تحديد ضرورة هذا "التحالف" أو "الدعم" أو "التعاون"، ثم تحديد ما منه يقع تحت حدّ الضرورة فيكون كأكل الخنزير، أو للحاجة، بدرجاتها، وعلى هذا ينبني فقه كبير جداً. ولا شك أنّ الأصل هو تحريم هذا "التعاون" أو "الدعم" أو "التحالف" إلا بثبوت ضرورة أو حاجة حسب ما يحددها الفقيه الناظر....

      وحين نتحدث عن "التحالف" لا نقصد القتال جنيا إلى جنب بين أي من الفصائل سواء الجيش الحر أو الجبهة الإسلامية أو الأحرار أو النصرة، في مواجهة مقاتلي داعش أو النظام، فالتنسيق هنا أمر لا يُختلف عليه إلا عند من فقد الحسّ الأمنيّ كلية. إنما نتحدث عن التحالفات الخارجية.

      والأمر الدائر على الساحة الشامية، الفكرية والجهادية المبنية عليها، هو من قبيل تلك الأمثلة، بل هو غالبا تلك الأمثلة بالذات. فعلى تلك الساحة من يأخذ دعماً مفتوحاً و"يتعاون" برحابة صدرٍ مع من عُرف موقفهم من الإسلام، ومن المسلمين، ومن قيام دولة إسلامية سنيةّ حقاً، لا متأمركة. ولعل في هؤلاء من يتأول هذا التصرف، بعدم تحقق الشرط الذي ذكرنا وهو " إيذاء للمسلمين مباشراً أو غير مباشر، حالا أو آجلاً". وهنا يقع الخلاف، ويرجع البعض إلى أنّ النية لا محل لها في اعمال الولاء والبراء، والبعض إلى اختلاف المناط كلية، إذ هذا "التعاون والدعم" فيه مصلحة المسلمين لا إيذائهم."[3]. وسنبنى قولنا هنا على هذا التصور العقدي.

      كما إننا نشير إلى إننا استثنينا الفصائل العلمانية أصلاً مثل الإئتلاف السوري وقيادة الأركان، فتواصل هؤلاء مع الغرب الأمريكيّ من باب محض العمالة والموالاة.

      (2)

      ومن ثمّّ، سننطلق من حيثية إنه طالما أن الأصل في تلقى الدعم والتحالف مع أعداء الدين من حكام خونة أو مع الغرب هو المنع، فيكون عبئ استحضار الدليل وبيان الضرورة أو الحاجة الملحّة للعدول عنه، واقعٌ على الطائفة المؤيدة.

      لا شك أن هناك طائفتان من المسؤولين في الجماعات "السنية" المؤيدة لتقبل الدعم  والتحالف التركيّ الأمريكيّ:

      طائفة ارتبطت بهذا الفكر المواطئ للتعاون مع الغرب الأمريكيّ خاصة، و"غير المعادي" لحكام الخليج، إن لم نستخدم لفظ "الموالي"، إما بالمنشأ أو باختراق من قياديين مسؤولين لفصيله.

      وطائفة التقت أفكارها عن الحلّ الأمثل للأزمة السورية مع الوسائل السرورية الإخوانية، على الأقل في جوانب معينة ربطوها بالسياسة الشرعية، واجتهدوا في النظر في المناطات الديموقراطية، وفظهروا كأنهم ينتمون للإخوان أو السرورية، وهم ليسوا منهم.

      ولسنا بصدد حوار مع الطائفة الأولى، فهؤلاء لا حلّ معهم إذ هم قد وقعوا في مناطات بدعية بشكلٍ أو بآخر، من حيث الأصل العقديّ، وذلك بأثر الاتصال بأصحاب البدع الإخوانية والسرورية. وهم غالب قيادات لفصال التي أعلنت التبني للدعم والرضا بالتحالف، ووقفوا ضد وجود القاعدة في الساحة السورية. ولكن ما سنبيّن هنا بعون الله، قد يكن فيه ما يفيد هذه الطائفة، إن أراد الله بهم خيراً.

      أمّا الطائفة الثانية، فالحديث معها هنا حول المناطات التي دار حولها الخلاف، لا على أساسها العقديّ، فهو مما لا خلاف عليه، لكن حول مصلحتها وجدواها، ما يجعلها مخصصة لعموم المنع من التحالفات مع العدو.

      يقصد الجهاد السوري أساساً، وفي نظر الفصائل السنية إلى أمرين:

      1. إقامة دولة سنية مركزية تملك قرارها، وتمتنع على النفوذ الغربي والخارجي.
      2. رفع المعاناة البشعة عن الشعب السوريّ الذي أصبح ضحية لصراع الغرب الأمريكي لإعادة تشكيل المنطقة، والخليج العربيّ المرتعدة فرائصه من الغزو الصفويّ والثورات العربية، والتغلغل الرافضي لدعم النظام النصيري والإبقاء عليه.

      نظران متباينان بشأن هذين الهدفين، أحدهما يرى أحدهما أصلا وألآخر تابعا له.

      • فالبعض يرى أن القصد الذي يجب أن تهدف اليه الجهود هو إقامة الدولة السنية، من حيث أن الفرصة مواتية في ذلك المكان والزمان والظروف، ومن حيث أنّه هدف أعلى في أيّ زمان ومكان وظروف. ورفع المعاناة التي وقع فيها الشعب السوري، هي تابعٌ يأتي بعد إقامة الدولة المسلمة، والقضاء على أعداء السنة من نصيرية وحرورية وعلمانية، وهو نتيجة تابعة حتمية.
      • والبعض يرى العكس، أنه لابد من رفع المعاناة عن الشعب السوريّ، من حيث إن الضرر حالٌ واقعٌ، يقع على أفراد معينين، بمئات الآلاف، بل الملايين، وواجب رفع الضرر مقدّم على جلب مصلحة إقامة لدولة باتفاق. ثم يكون دور إقامة الدولة المسلمة السنية تابعٌ في خطوات لاحقة.

      هذا التوصيف للمشكلة، هو فيما نرى، الفارق الأهم والأساسيّ بين موقف المشايخ وأصحاب العلم ممن تبنوا النظر الأول، وبين من اجتهد في المسألة، وتبنى النظر الثاني، سواء علموا بذلك أم جهلوا.

      (3)

      والنظر الأوّل يدل على أنّ الأصل هنا هو رفع المعاناة عن الشعب السوريّ، من حيث إن رفع الضرر مقدم على جلب المصلحة كما أشرنا، وإيقاف قتل المزيد من مئات الألوف من المسلمين وتهجير الملايين منهم، هو واقعٌ لا يجب تعديه إلى أي واجب آخر، أيّأ كان.

      لكن الأمر ليس بهذه البساطة والمباشرة. ودعنا نتفق على أنّ رفع المعاناة لن يكون إلا بإزالة النظام النصيري، أو بالدخول في عملية سياسية معه، توقف الاقتتال.

      الأسئلة التي يجب أن يعتبرها أصحاب هذا النظر هي هل التحالف مع الأتراك والغرب الأمريكيّ سيأتي بنتيجته في رفع تلك المعاناة، بمعنى أنّ هل الأجندة التركية تشمل قتال النظام النصيري؟ وهل الغرب الأمريكي يريد إزاحة النظام النصيريّ؟ والإجابة هي إنه على الأقل في هذه المرحلة، لن يعين التحالف التركي الأمريكي في إزاحة بشار حتى يتأكد من أن الساحة خلت من "الإرهابيين" أي النصرة بالذات، بعد أن سارت أحرار الشام في مسار الظافة الأولى في ميثاق الشرف المشهور وبياناتها الأخيرة.

      ومن الواضح أن الأتراك لن يقيموا مناطق آمنة، ولن يقاتلوا لا النظام ولا الحرورية. بل همّهم الأول هو منع النفوذ الكردي من التمدد، لا غير. ولا يمنع ذلك، على المستوى الفردي والاجتماعي، أن يعينوا اللاجئين السوريين بقدر استطاعتهم. هذا أمر، والسياسة الخارجية التركية أمر آخر. هذا ما لا نفهمه، نحن العرب، لا على المستوى الشخصي ولا السياسي. أمّا الغارات التركية، فمثلها مثل غارات التحالف الأمريكيّ، لا أثر حقيقيّ لها على معادلة القوى على الأرض.

      ويجب أن نعتبر أنّ دعاية التحالف التركيّ الأمريكيّ دعاية معلنة، ودعاية على مستوى الاتصالات الشخصية، التي تهدف إلى إشاعة توقعات معينة، بين طوائف معينة، لتكسب أرضية تبني عليها بعد.

      كما يجب أن نعلم أن الخليج برمته، كما عرفنا في القرن الماضي منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود، لن يكون معينا لأي شكلٍ أو صورة ضد المصالح الغربية، وإنما هي تكتيكات، لا استراتيجيات، قد تقع أحيانا بين الحلفاء الاستراتيجيين، ضمن المصالح الخاصة. وهو ما حدث، ويحدث اليوم بن الخليج والغرب الأمريكي، من صراع يستخدم فيه الأمريكان الطموح الرافضيّ للتحكم في الهامش الرفيع الحر الذي تدور فيه السياسة الخليجية. ومن الخطل إعتبار أي مبادرات خليجية تحت المائدة يمكن أن تصل إلى إية إعانة حقيقية، خاصة في اتجاه الهدف (1) أعلاه، ومن ثم تابعه بالضرورة.

      فالواقع الذي يعول عليه أصحاب هذا النظر، الذي هو على وجه القطع مقدّم نظريا لرفع الضرر، يحيل بينه وبين تطبيقه الواقع المرجّح هنا، فهذا الطريق لن يؤدى إلى رفع المعاناة عن الشعب السوريّ بيقين، إلا بضمان منع الواجب الأصلي الشرعي بإقامة دولة سنية حرة الإرادة، كما أشرنا، مع العلم بالخلفية السياسية للاعبين على الساحة الشاميّة. كما إنه لا يضمن رفع المعاناة ولا إيقاف الحرب عليهم، إلا مرحلياً.

      وحين نعتبر ذلك شرعاً، مع ما ذكرنا في بنديّ 1 و 2 أعلاه، نجد أن الأصل لا يُعدل عنه إلا بيقين أو ظنٍ راجح، وهو ما لا تحوزه هنا اجتهادات الطائفة الثانية. ويجعل خيار النظر الأول هو الأقوى شرعاً، وهو السير قدماً في سبيل الخلاص من النظام النصيريّ، بالقدرات الذاتية، مادياً وعسكرياً، مع عدم الاعتماد على أية معونة خارجية، يحاول الغرب الأمريكي أو الخليجيون، أن يلوحوا بها للفصائل.

      أمّا عن بقية الاجتهادات التي تخرج بها الطائفة الثانية، من تعليلات للعملية الانتخابية أو البرلمانية، أو مثل ذلك، فهي لا تتجاوز محاولات فردية في مجال الوسائل، يجعل اجتهاد التحرك في اتجاه التحالفات وقبول الدعم أكثر قبولاً، وإن لم تكن مبنية على انحراف بدعي عقدي بحال.

      هذه هي الرؤية التي أجدها أقرب للحق والصواب، والله سبحانه الموفق.

      د طارق عبد الحليم

      4 سبتمبر 2015 – 21 ذي العقدة 1436

       [1]  كنت قد غردت بما أقصد بأهل السنة تحت عنوان ، "من هم أهل السنة؟... حتى تتضح المصطلحات" ما سأنقله هنا لتمام الفائدة 

      حتى نزيل الإبهام والغموض عما نستخدم من مصطلحات، فحين نتحدث عن أهل السنة، نقصد، بالتعبير السلبي، كلّ من عدا:

      • خفافيش الظلام التكفيرية الحرورية العوادية، فهؤلاء يدور أمرهم بين الكفر والبدعة عقدياً، ويلزم استئصالهم إفتاء في هذا الزمان، قولاً واحداً.
      • كلّ من حارب ليقيم دولة ديموقراطية على النموذج الغربي، تقبل التعدد العقائدي في نظام الحكم، وتقوم على المواطنة الخارجة عن مساواة الشرع، وترضى بالحزبية القائمة على دعوات الكفر كالعلمانية على أرضها، سواء حاربت وحدها أو والت أو نسقت أو تلقت دعما بهذا الغرض من أي جهة.

      ما عدا هذان الفريقان، فهم بين محق ومخطئ وعاص ومبتدع، ولا يخدعن أحد نفسه بغير ذلك. يتراوح على درجات سلم الحق ما تقيد بالشرع، نصا وروحاً واستقراءً، وما بعد عن الهوى وحب السلطة والرياسة ما استطاع لذلك سبيلاً. حسب درجة "تنسيقه" و"تلقيه الدعم" "وتأويله وتبريره"، وما يتوقع أن يؤول اليه خلافه مع بقية المجاهدين، من قتال شبه مؤكد.

      أما من هم السنة، وصفا إيجابياً ... فهم من راعى الأحكام الشرعية واستدل بالقواعد الفقهية والأصولية الصحيحة، ثم أنزلها منازلها، دون خلط بينها، ثم درس الواقع الحال، وعبر التاريخ القريب والبعيد، وقدّر قوة العدو وإمكاناته. ثم رفض، أولا وأخيرا أن يُعطى الدنية في دينه. وفرّق بين تفاوض وتعاون وتنسيق، قصداً ووسيلة، وبين دعم ودعم. وانتبه للحيل ولم ير نفسه أذكي ممن حوله! فالسنة لا ترفض كل تفاوض، ولا كل تنسيق، لكن بأي قصد، وإلى أية نتيجة، وبأية شروط؟ فمن ظن أن أهل السنة لا يعون السياسة الشرعية فقد خلط، لكن التوسع في "مفهوم" السياسة الشرعية، وإدخال الحرام فيها بدعوى المصلحة، والاستدلالات المركبة على النتائج، هو ما ليس من منهجها، ولن يكون.

      وهؤلاء الذين يراعون هذا لن يكونوا من القادة العسكريين الذين تدور أسماؤهم على الساحة، فهم ليسوا أهل علم بل اهل قتال. كما أن من سموهم بالشرعيين من حولهم مع كامل الاحترام، هواة علم شداة معرفة، سيأتون بنيان الجهاد من القواعد.

      مرة أخرى .. الحذر الحذر، فلا يعرف الكارثة وهي مقبلة إلا عالم، فإذا أدبرت عرفها العالم والجاهل.

       [2]  مقال " أهل الأهواء والبدع في عصرنا الحاضر" http://tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72904

       [3]  http://tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72902