فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نظرات في الوثيقة التاريخية المسربة المرسلة

      من د أيمن الظواهري إلى المنشق المارق البغدادي

       الحمد لله الذي جعل الحق محفوظا، وتكفل به مكنونا، ليراه الناس بعد أن يُذْهلهم الباطل، فتعود الثقة في قوة الحق "وقل جاء الحق وزهق الباطل".

      فالحمد لله ثم الحمد لله الذي أخرج هذه الوثيقة للنور، لتكون شاهداً على إجرام تلك الجماعة المارقة ورأسها المارق البغدادي، ثم دليلاً على خلق النبلاء وتصرف الأمراء الذي تنطق به كلّ كلمة في رسالة الدكتور أيمن الظواهري، في مقابل لغة الحوارى وجلساء الجوارى الذي يتنطع بها البغدادي وتابعه الذميم ذو العقل الرجيم، العدناني. كذلك أن نُحدّث بنعمة ربنا علينا في حفظ الحق، فهذه الوثائق، لا تنبع أهميتها مما يمكن أن تغير في واقع اليوم، قدر ما يكمن فيها من حكمة الأمس، التي يرعاها ويعرف قدرها أهل الخبرة والتنور.

      كذلك فقد وجدت حقا عليّ أن أتخذ من هذه الوثيقة التاريخية[1]، التي منّ الله بحفظها وإذاعتها، لأن أبيّن لجيل لم يعرف من هو أيمن الظواهري، جزءاً من تلك العلاقة التي تبين بذاتها الفرق الهائل بين أهل السنة وبين أهل الهوى والبدعة والكفر من منتسبي الإسلام، فهي شاهد حيّ على ذلك.

      وحتى لا يزايد علينا أحدٌ، فنحن لا نرى د الظواهري، ولا غيره معصوماً، بل لكلٍّ أخطاء أو تجاوزات، تمليها الفطرة البشرية المحدودة القدرة تارة، وعدم العلم بالغيب المستور تارة. فمن هذا إنني كنت أود أن يكون هذا الحديث علناً ليعرف الخلق، وخاصة أهل الشام خداع هؤلاء المارقين، خاصة وقد كانوا في مرحلة متأخرة بالفعل. لكن رؤية الشيخ د الظواهري آثرت أن تمهلهم أكبر فرصة "قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون". وهو ما يليق بإمام يريد تجنب الفتنة ما استطاع، فله أجر في اجتهاده.

      وسننظر في الوثيقة من وجهتين، وجهة أسلوب الكاتب وأدبياته، ووجهة السياسة الشرعية التي رأيناها مراعاة في الوثيقة.

      أولا: أسلوب الكاتب وأدبياته:

      نرى في هذه الوثيقة الترتيب والتقسيم الذي يعين القارئ على الفهم المنطقي للأحداث، خاصة وقد بناها على تفصيل وتفصيص كلمات أساسية وردت في حديث أبي صهيب هذا، وهذا أسلوب محبب في هذا الوضع إذ يفتح ذهن القارئ لما أراد أن يغلقه عليه المراسل عمداً.

      ثم الحظ الأدب الجمّ في الحديث (فأنا قد تشرفت بالثناء على إخواننا في العراق، وقد كان جوابكم -أكرمكم الله...)، وهو أدب الإسلام أولاً وأدب البيئة التي ربيّ فيها د الظاهري في أكناف أسرة في مصر من أعرق أسرها، لا ما نسمعه من لهجة كشاش الحمام طه، أو ذلك المارق البغدادي الذي لا نعرف أي بيئة وبيت نشأ فيه، ولا أشك في إنه كان مليئا بالمشكلات الاجتماعية والعقد الأسرية وانحطاط المستوى العام. فهذه كلها عوامل تشكّل النفسية والخلفية التي تقوم عليها الشخصية بعد نضجها.

      ولايحتجن أحد بأن هؤلاء المناكيد المارقين لا يستأهلون حديثاً أديبا، بل التحقير والغض من القدر، فإن لهذا جوابان، أولهما أنّ د الظواهري أديب مؤدب بطبعه، هكذا نشأ كما قلنا، والثاني إنه لم يكن قد قرر وقتها فضّ يده كلية من هؤلاء، مع إنه لم يدع شاردة ولا واردة في باطل هؤلاء إلا بينها.

      كذلك، يجب ألا يفوتنا أن أسلوب التغريدات التي نتداولها مع داعش لا يصلح في مثل هذه الوثائق، وشاهد على ذلك الخطاب الذي أرسلته في 11 أبريل 2014 إلى شرعيّ الحرورية البنعليّ[2]، بناء على طلبه، ثم نشرته علنا في 19 ابريل بعدما تبين كذبهم، وبيّنت له فيه ما أراه انحرافاً في مسارهم، قبل أن نصدر بيان البراءة والمفاصلة، مع الشيخ د هاني السباعي.

      كم أود أن أضيف إلى ذلك أنّ اسلوب الدكتور من السهل الممتنع، الذي يفهمه العاميّ ولا ينبو عن ذوق العالم، خلاف بعض من مشايخ اليوم، يتعمدون الإغلاق في اللفظ، إفراداً أو تركيباً، فيتوهم القارئ أنّ وراء الأكمة ما وراءها!

      ثانياً: السياسة الشرعية في الوثيقة:

      ولا شكّ أن د الظواهري قد راعى آداب وضوابط السياسة الشرعية في هذه الوثيقة، مع الاحتفاظ بتماسك أعصابه وحفظ التوازن بين النصح والبيان والهجوم.

      فتراه في الفقرة (5) قد ردّ على شكلياتٍ سخيفة أثارها المرسل لكن لم يُرد د الظواهري أن يتعداها حتى لا تكون شاهدا عليه، أو فيه معنى صحتها.

      أما الفقرة (6)، فهي في غاية الأهمية من حيث دلّس المرسل بقوله (فيها حكم قضائي)، فأوهم بما ليس هو في الحقيقة حكما أو قضائيا بالمعنى المتوارد على الذهن، وقد أوضج الشيخ د الظواهري له، وللقارئ وإن لم يقصد ذلك، حقيقة معنى الحكم في هذا السياق، ومعنى القضاء الذي مارسه كأمير وقائد، بأدلته الشرعية. وهكذا يكون جواب الأمراء، تفصيل وتفصيص وإقامة حجة.

      ففي الفقرة (أ) توالت أسئلة دامغة، واحد تلو الآخر، أربعة عشر سؤالاً دامغاً، بيّن فيها عوارهم وفضح خرابهم. والأهم فيها إنه يؤكد بما لا يدع مجالا للشك إنهم خانوا أميرهم وشقوا عصا الطاعة، وأنهم قوم لا أيْمان لهم، ولا عهد ولا ذمة، بل لا علاقة لهم بهدف إسلاميّ اصلاً، كما ظهر للكلّ، الدكتور الظواهري وكاتب هذه السطور وغيرهما، لفترة من الفترات "وما شهدنا إلا بما علمنا".

      ولله درّ د الظواهري في قوله "هل نحن نريد أن نقيم خلافة على منهاج النبوة، أم دولة يعلنها أفراد في مخبأ، ثم يعتبرون من خرج عليها خارجاً على جماعة المسلمين وإمامهم؟" وهو ما اعترض عليهم به كل من له علم.

      وقد استهزأ د الظواهري بهؤلاء بما يجهلهم بقٍ مفقوع أمام أميرهم، إذ جهلهم وردودهم لا تدل إلا على جهل وعنجهية واغترار بلا أساس، وأنهم ما التحقوا بالقاعدة إلا لحين يشتد ساعدهم فيخونوا أمانتهم بلا حياء، ويكفيك هذا المثل من الحوار :

      "وقولكم أيها الأخ الكريم: "إننا لم نرفع إليكم النّزاع في القضية لتحكموا فيها، ورسائلنا التي أرسلناها إنّما هي رسائل ُتبَيِّن حال من أراد أن يشقّ صفّ الجماعة.
      إذن فما هو دوري في نظركم: مدير مركز أبحاث، أو مؤرخ، أو أمين لأرشيفكم، أو صحفي يجري معكم حديثًا؟ تتكرمون عليه بتبيين الوضع، دون أن يكون له أية صلاحية للتدخل في شؤونكم إلا إذا أذنتم له!!
      هل هذا هو دور أميركم في نظركم؟ تستدعونه عند الحاجة، وعليه الصمت إذا لم تأذنوا له، هذه من المضحكات المبكيات أخي الكريم، وتدل على نظرتكم لأنفسكم أنكم فوق الجميع."

      والله إنه لمن المضحكات المبكيات حقاً.

      ثم ما أثاره د الظواهري من مسائل شرعية كرأي أهل السنة في عوام الرافضة، وفي السياسة الشرعية من عدم وجود أية فائدة عسكرية، بل العكس، وجود مفاسد جمة من مهاجمة مساجدهم وحسينياتهم، لا لأنها تستحق الوجود، ولا لإقرارها، بل لأنه لا مصلحة في ذلك، بل فيها مفسدة عظيمة باستدعاء العداء دون الحاجة الآنية. وهو ما يدل على سعة النظر وحسن السياسة، لا الغباء الظاهري الحروري الذي هدم جهاد الشام كما ذكر السيخ الحكيم في غير موضع من الوثيقة.

      ثم ما أكده الشيخ الدكتور أيمن على وجوب مراعاة الأمة والرفق بها وهدايتها، على ما فيه غالبها من جاهلية صنعتها قرون من العمل الشيطاني ضدها. لكنها أمتنا، أمة محمد، وبدونها، نحن شرذة من الخارجين عن الحياة الاجتماعية البشرية.

      وأخيرا، وليس آخراً، ذلك القول الحكيم، الذي لا يعى معناه من هم على شاكلة المارق البغدادي وعصابته البعثية، الذين همهم السلطة والمال والنساء، لا دين الله ولا شرعه "قولكم إننا متمسكون بالدولة ما دام فينا عرق ينبض، ليس صحيحًا، فإن هذه الدول والتنظيمات لا يقاتل من أجلها، وإنما هي وسائل، ودولتكم في الشام والعراق أخي الحبيب هي عصابات تكر وتفر. وإنما القتال والموت يكون في سبيل إعلاء كلمة الله مع أي دولة وجماعة تنصره، ونتنازل لبعضنا من أجل الوحدة والجماعة".

      ثم لا بد من قراءة الوثيقة بطريقة متأنية، فهي ترسم خطوطاً واضحة لسياسة القاعدة في أمور هامة تتعلق بالأمة وبموقفها من أعدائها، شرعا وسياسة.

      وحفظ الله الشيخ د أيمن الظواهري، خير خلف لخير سلف، الإمام المجدد أسامة تقبله الله في الشهداء.

      د طارق عبد الحليم        23 أغسطي 2015 – 9 ذو الحجة 1436                                        


      [1]  وتناولي للوثيقة هو بصفتي من المهتمين بالشأن الإسلامي من جهة الواقعة التاريخية والتحليل الحدثي، وإلا فلست من المنتمين إلى القاعدة أو غيرها كما هو معلوم.

      [2]  "الإنصاف فيما يجرى على أرض الشام من اختلاف"   http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72582