فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السنة ... بين الحرورية العوادية والإرجائية الإخوانية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وبعد

      لا يظنن أحد إنني أسوى، عمليا، بين مجرمي العوادية القتلة، وبين منبطحي الإخوان، فالفرق واسع بين النفسيتين، والموقفين. لكن الأمر هو أن كليهما يتسبب في قتل المسلمين، إذ العوادية يقتلون المسلمين بأنفسهم كمرتدين، والإخوان يقتلون أنفسهم فيتسببون في قتل المسلمين على يد المرتدين. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.

      البدعة، كل أشكالها وأطيافها، مصدرها واحد على الدوام. وهو أنّ صاحبهما يتبنى موقفا عمليا يراه بعقله حلاً موائما لما يريد مواجهته من مشكلات. ثم يرجع بعدها للنصوص الشرعية، فيجبرها على المعنى الذي يريده، فيأخذها على عمومها تارة، وعلى خصوصها أخرى، ويحور ويؤول تارة ثالثة، وقد يعرض عنها ابتداءً، ويلجأ إلى مبدأٍ واحد منها، كما فعلت الإخوان في دليل المصلحة، ويترك عامة الشريعة، جزئيِّها وكليِّها جانباً، بعد أن يئسوا من الاستدلال بأي دليل معقول من الصحيح المنقول. وكما فعلت الحرورية العوادية في آيات الولاء والتحاكم، فلم تعتبر مناطات النكفير فيها من المعصية، ولم تنظر إلى الاستثناءات من قواعدها الكلية، فخبطت خبط عشواء وانزلقت في التكفير ومن ثمّ القتل.

      هذا أمرٌ .. والأمر الآخر هو ذلك التشابه بينهما في شدة التمسك بما هم عليه من خلل شرعيّ. كما تر في حال العوادية الحرورية، والإرجائية الإخوانية. وهذا أمرٌ نفسيّ مفهومٌ مفسر. إذ النفس قد فُكرت على الحق. فلما أهذ بها العقل بعيدا عن السنة، اضطرت إلى إيجاد قوة عزم مضاد هائلة لتبقيها بعيداً عن السنة، وهو ما نسميه عادة "التطرف"، إذ يأخذ هذا العزم القوي الضال بالمرء إلى الطرف البعيد عن السنة، أي طرفٍ منهما. ولكن يبقى على قوته ليضمن بقائه حيا في نفس المبتدع. فهو يتمسك بما هو عليه كالغريق بالعود، لكي لا يفقد سبب بقائه.

      فالأولون، يبررون قتل المسلمين والمجاهدين بالردة، وبأنهم أقوياء في دين الله، وأنّ هذا القتل عزم وتصميم على المضي قدماً، وأنه بدون هذا القتل، يتحولون كأصحاب النظام وأوليائه. ولا يمكن أن تثنيهم عن فكرهم هذا مهما حاولت. فالقتل عندهم مبررٌ شرعاً وهم لا يرون فيه إلا التقربإلى الله. بل دى بهم هذا العزم الضال إلى التلذذ بقتل المسلمين والتفنن في وسائل ذلك، فتحولوا إلى مرضى بداء مصاصي الدماء، حرفيا لا كناية!

      والآخرون، يبررون سلميتهم، ورفضهم التام، الآن وإلى أبد الآبدين أن يحملوا سلاحاً أو يبرروا جهاداً ضد طغاة الحكام في بلادهم، وإن قتلوهم وشردوهم واغتصبوا نساءهم وسرقوا مالهم، فهم لديهم "إخوانهم بغوا عليهم"! ويرون أنّ اي انحراف عن هذا الخط، إلى جانب إنه دخول في منطق الحرورية، هو خروج عن طريق حسن البنا الذي يرونه الصراط المستقيم، ويعتبرونه نقطة البدء في تاريخ الإسلام، ولا معنى للتاريخ من قبله، ولو كان الأمر اليهم لغيروا السنة الهجرية، لتبدأ عامها الأول من تاريخ إعلان الجماعة! حرفيا لا كناية.

      فالقتل سمة الحرورية، والاستسلام للقتل سمة المرجئة. والسنة بينهما هي الضحية.

      فإذا نظرت إلى دعاوى المرجئة اإخوانية، وجدتها تشبه دعاوى مناقضيهم من العوادية الحرورية، تمام الشبه. فكلاهما يريد أن يحمى شعبه، وأن ينقذ أبناء ملته من الخطر المحدق فيحيا في وئام وسلام. وكلاهما يرى أن التضحية بالقليل من المسلمين أولى لحفظ الجماعة.

      فالحرورية العوادية يقتلون "بعض" أفراد المرتدين من "الصحوات" من مخالفيهم، ليحيا البقية في وئام وسلام تحت ظل شريعتهم، ولا عليهم ممن قُتل.

      والمرجئة الإخوانية يتركون أنفسهم، يفتلهم النظام، كي لا يعرضوا بقية الشعب "لفتنة" فيحيا البقية في وئام وسلام، ولا يدخلوه في دوامة "حرب" ضد النظام، ولا عليهم ممن قُتل.

      وفي الحالتين، الظفر للأنظمة الغاشمة العميلة. فقد رأينا أن إنقاذ حكومة بشار لم يأت إلا بعد ظهور تلك الفرقة العوادية الحرورية الضالة، حيث حشدوا بجهلهم وغبائهم السياسي كلّ قوى العالم من ورائه، ثم راحوا يندبون حين يشتد عليهم القصف!

      وفي مصر، لم تفشل حركة 25 يناير إلا بعد أن تمكن المرجئة من قيادات الإخوان الحكم، وأعملوا نظرياتهم في "المشاركة لا المغالبة" و"سلميتنا أقوى من الرصاص"، وهذا الهَراء البدعيّ، فظفر السيسي وصحبه. وإن كان ثمة مقاومة، فهم ضدها على خط مستقيم، يتبرؤون منها بأسرع من سرعة الضوء!

      كذلك تجد الضحية في الحالين رؤوس الجماعات. الحرورية يغتالون رؤوي مخالفيهم، والمرجئة يقتل النظام رؤوسهم.

      أوجه التشابة بين الفرقتين عديدة، لكن في نفس الوقت تجد أوجه التضاد والخلاف في النتائج عديدة أيضا.

      فالفكر الحروري يتبنى القتل العشوائي، والفكر الإرجائي يتبنى السلم المخزي. وكلاهما عورة وعيب وخروج عن السنة.

      الحرورية يواجهون المجاهدين المسلمين بمفخخات واستبسال في قتلهم، والمرجئة يقفون كالشاة أمام الطواغيت يقتلونهم!

      صورتان قبيحتان، بينهما تنافر وتداخل، وكلاهما عدو للسُنة الغراء.

      د طارق عبد الحليم

      17 رمضان 1436 – 3 يوليو 2015