فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أصول الإجرام عند الحرورية اللئام

      الحمد لله الذي لا يحمد سواه، المحمود على كل حال، وبكل لسان ومقال، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      لا شك أن العوامل النفسية والسيكلوجية تؤثر تأثيراً عميقاً في تصرفات البشر على المستوى الخاص، يستوى في هذا المسلم وغير المسلم. إذ إن هذا الأمر من مكنونات الفطر ومرجعيات النفوس. كما أنّ البيئة بمفهومها العام، تؤثر على تصرفاتهم على المستوى الجماعيّ العام. وإغفال ذلك فيه إغفال لجزء لا يتجزأ من الشخصية الإنسانية التي نراها تمشى على الأرض، ونرى تصرفاتها وأفعالها، فنحسن بها الظن أو نسيئ، دون تقدير تلك العوامل حق قدرها.

      والمسلمون ليسوا بدعاً في ذلك، فهم بشرٌ من البشر، خلقهم الله على الفطرة كما خلق غيرهم على الفطرة، وتأثر الكلّ بالبيئة عموماً، وبما رُكز في آحادهم من طبع غالب خصوصاً. فترى العنيف عنيفاً، مسلماً أو غير مسلم، وترى الحليم حليما، مسلماً أو غير مسلم، وترى الشقي المجرم شقياً مجرماً، مسلما كان أو غير مسلم. وإنما يَعرض الإسلام القصد الأصح والقول الأمثل والعمل الأعدل، فإمّا يأخذ به الفرد، فيكون مسلماً سوياً، أو لايأخذ به أصلاً، فيكون غير مسلم، أو يأخذ بأطراف منه مقطّعة مجزأة فيكون بدعياً أو ضالاً مجرماً.

      وقد رأينا في حياتنا، وقرأنا عمن قبلنا ما لا يحصيه إلا الله من شواهد صحة هذا المنظور، وعرفنا من كلّ طائفة من هؤلاء من عرفنا، اتصالاً وقراءة في التاريخ، فما تضاربت النتائج بحمد الله تعالى.

      وقد وجدنا الأسوأ في هذا، من تكالبت عليه كافة العوامل التي ذكرنا، من خسة طبع أصلية، مع عنف غالب لا يعرف رحمة، وتعاون معها سوء خلق، وبيئة عامة، سواء في المنزل أو خارجه، سمحت بمثل هذا التشوّه الطَبعيّ. ثم اقترن مع ذلك انحراف عقديّ، وجد فيه المرء ما يناسب فطرته المنكوسة المجرمة العنيفة، فتصيد من الشريعة ما يناسب تلك الفطرة، وغض الطرف عن بقية توجيهاتها وتوجهاتها، إما تأولاً أو إعراضاً.

      فإذا نظرنا في واقعنا المعاصر، وجدنا إنه يكوّن مرتعاً لكلّ خلل فطريّ، بإتاحة ما يقويه، وبمنع ما يعالجه، على المستوى الشخصي والبيئي. فالبيئة الإسلامية المعاصرة بيئة تتصارع فيها قيم الإسلام وتوجهاته وتوجيهاته، مع قيم الخراب العلمانيّ، والفوز إلى يومنا هذا هو للتوجه العلمانيّ، طبعاً وخلقاً، إلا ما شاء الله. فترى الشاب المسلم، له خلفية علمانية غربية تسربت منها كل آفات الضلال، وتصارعت في نفسه مع ما تفرضه عليه ديانته من عكس ذلك، وما يشاهده في بيئته من خسار وانحطاط وتميع وضعفٍ. ضع مع هذا مَنْ كانت فطرته الشخصية فطرة تميل إلى العنف وتجنح إلى المصادمة طبعا، ولا تتيح لصاحبها هامش من الطباع الإنسانية الأخرى. فما يكون من ذلك إلا اضطراب مزاج وسوء خلق وتمردٍ حتى على ما يظهر صحته من الإسلام، لعدم موافقته ذاك الطبع الشاذّ الغلاب.

      وعلى مثل هذا التشوه الخِلْقيّ والخُلقيّ تنشأ الحرورية المعاصرة. فما كانت الحرورية التاريخية بمصل هذا الانحطاط الخِلْقيّ والخُلقيّ أبداً، لاختلاف البيئة، من حيث لم يكن الواقع خاسراً ضعيفاً، ولم يكن الغرب موجوداً أساساً إلا في بعض دراسات الاعتزال البعيدة عن جمهور الناس. لكن الحرورية المعاصرين وإخوانهم من قبل، قد تشابها في الصفات الطبعية الشخصية المُعوجّة بلا شك، وإن لم يشتركوا في الصفات الخُلقيّة.

      وقد ولّد الصراع الذي استمر في بلاد الإسلام لقرون من التدهور، تسارعت خطاه بنفس معدل تسارع التقدم الغربيّ في مجال التقنية. بل كان ذلك من الآثار الجانبية لهذا التدهور من حيث التعجيل بهدم البيئة الحاضنة السويّة، نقول ولّد هذا الصراع ضغطاً نفسياً وخلقياً أدى إلتغلغل الإجرام في نفوس أولئك الذين اتصفوا به ابتداءً، وتجد غالبهم ممن هم من بيئات متدنية، وعائلات مغمورة، حيث يكثر الاختلاط في الشوارع وتعتمد التربية على البيئة أكثر من توجيه الوالدين.

      وهذا النظر يؤدى بنا إلى فهم تلك الدموية الضالعة في نفوس الحرورية المعاصرة، من حيث هي مظهر من مظاهر انعكاس الشخصية الأصلية المجرمة في تلك العناصر بذاتها، وانعكاس بيئتها التي امتصت منها تلك العناصر أسوأ ما فيها على الإطلاق، وانعكاس الهوان والاحساس بالضعف، وعدم إدراك عزة الإسلام في ذاته ولو تحت وطأة الهزيمة، لِما ارتكز في نفوسهم من إنه لابد من القوة الظاهرة التي تقطر شفراتها بالدم، ليكون الإسلام عزيزاً، مما قدمته لهذه العصبة من البشر مبادئ الحرورية، ودموية البعصية من خلفية أيديولوجية تعين على تغطية أي تسرب لصوت ضمير أو خلق أو بزوغ لأي أثرٍ من فطرة الله التي فطر الناس عليها أصلاً، قبل أن يمحقوها في ذواتهم.

      ومن هنا تراهم يقتلون المسلم الذي يرفع سبابته بالتوحيد، وينكرون على مسلمٍ أن يصلى قبل نحره، ويفخخون المسلمين بلا تورع عن قتل الأبرياء. كلها مظاهر إجرام عاتٍ لا يمت لدينٍ ولا إسلام. بل الدين والإسلام، بل والحرورية ذاتها، غطاء لنفوس تشوهت تشوّها وراء الإصلاح. ومن هنا جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم "فأينما وجدتموهم فاقتلوهم". فإن مثل هؤلاء ليست مشكلتهم مشكلة جدل أو مناظرة أو عقل، بل هي مشكلة نفس مريضة مجرمة إجراماً عاتياً لا علاج منه.

      وقد يقول قائل، لكن تكالب ما وصَفْتَ من بيئة وهوان وكدمات خِلقية وخُلقية وانحرافات فطرة متأخرة، هي كلها من دواعي عذرهم على فعالهم، فهم "مجبورون" على هذا بفعل تلك العوامل؟ قلنا لا "جبر في الإسلام" بل هو الاختيار الحرّ الطليق تحت مظلة المشيئة الكونية "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا". فانحراف الفطر من عمل بني آدم، وهؤلاء قد جاوز إجرامهم كلّ حدّ، حتى أصبحوا لا يمثلون إلا عصابة قتلة تطيح في الأرض باسم دين هو منهم براء. وصاروا عائقاً منيعاً ضد العامل الرئيس الذي وجه انحرافهم وهو القضاء على النظام، فأصبحوا يداً له لا عليه، ولم لا، وقد وافقت المشارب المشارب، في الإجرام وقتل الآنام.

      د طارق عبد الحليم

      5 رجب 1436 - 23 أبريل 2015