فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الجامع في مسائل الخلاف والاختلاف في الساحة الشامية الجزء الأول

      الحمد لله الذي لا يحمد سواه، المحمود على كل حال، وبكل لسان ومقال، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      مضى عام بالتمام والكمال علي يوم أصدرنا، مع أخي الشيخ الفاضل د هاني السباعي بيان البراءة والمفاصلة. ومنذ ذلك الوقت حدثت أمور كثيرة في الساحة الشامية من تنازع كثير وتواصل قليل، بين الفصائل. كما انكمشت دولة السامرائي وتوقف "تمددها". وأصبحت حركتها أقرب لمحاولة البقاء والاستمرار منها إلى أي شئ آخر، خلاف ما وعدت به حوارييها واباعها. كذلك أصبح الغزو المجوسي للعراق أمراً مشهوداً، وأصبح قتل أهل السنة هناك خبراً يومياً يصحو عليه والناس وينامون على مثله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كما بدأ الغرب حملته على ضرب أهل رؤوس أهل السنة، وتقليم أظافر العوادية السامرائية. كما كثفت الدول الصليبية من عنفوان ضربها لقيادات أهل السنة في اليمن، مع بدء ما أسموه عاصفة الحزم. والحق إن هذا العمل العسكري عمل موجه للتمدد الحوثي في اليمن خاصة، لا غير ذلك، ولا أثر له على الساحة الشامية كما يظن بعض أهل السذاجة ممن لم يتعلم دروس التاريخ وعبره، ويتحقق من سياسة حكام العرب ومقاصدهم. بل قد صرّحت السعودية بأنها ليست في حرب مع إيران، بل مع الارهاب في اليمن!

      الخلاف مصدره "خالف" أي باين وفارق ونازع وخاصم، والاختلاف مصدره "اختلف" وهو المباينة والمفارقة كذلك. والفارق بينهما هو أنّ الاختلاف يقع في المذاهب والآراء، بينما الخلاف يقع بين من يقول بالمذاهب والآراء، فالأول موضوعي والثاني شخصي. قال تعالى "لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" أي في مذاهبه وآرائه، ولا يصح أن يكون "خلافاً كثيرا" لغة. كذلك قال تعالى " فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ".

      وعلى كل حال، فقد رأينا من الخلاف والاختلاف الواقع في الساحة ما يجب توثيقه لغرضين، أولهما، غرض مستقبلي تأريخيّ لضمان شهادة التاريخ. والثاني، غرض حاضر آن، وهو بسط المسائل أمام الأطراف المتنازعة ليمكن حصرها وترتيب أولوياتها ومن ثم التعامل العاقل المتدرج معها.

      وسننحو في هذا المقال إلى النظر في المسائل "الخلافية" من الناحية العقدية، والشرعية التطبيقية، كما في النظر السياسي والاجتماعي. ثم نتبع ذلك بما نراه ضروري في هذا الصدد.

      الخلاف العقدي:

      بدأت الفصائل كلها في الساحة الشامية، وقبلها العراقية، من منطلق سني، بشكلٍ أو بآخر، وإن شابه بعض الإرجاء، وبعض الغلو كذلك. إلا أن الاتجاه العام كان هو المنحى السنيّ الذي يحارب الرافضة والمصيرية.

      إلا أن هذا المنحى لم يستمر على ذلك، فبدأت تظهر خلافات عقدية عميقة الأثر، سيئة النتيجة، أدت إلى ظهور جماعات منفصلة تحمل عقيدة خربة، سواءً في ناحية الارجاء أو الحرورية.

      تنظيم "الدولة":

      ولسنا معنيين هنا بمناقشة الفكر الحروري ذاته، واختلافه مع الفكر السنيّ، فقد ناقشنا ذلك من قبل في مقالات عديدة، كما أوجزناه في بيان البراءة والمفاصلة، وبيان عقيدة دولة البغدادي. لكن يكفي هنا أن بثبت ما قلناه سابقاً من أن "من كفّر ولم يقاتل فهو غالٍ، ومن قاتل ولم يكفّر فهو باغٍ، ومن كفّر وقاتل فهو حروري". وفي هذا المبدأ كفية وغناء عن كثير من الشروح.

      والحق أنّ توثيق انحراف هذا التنظيم ووقوعه في المنحى الحروري، فكراً وتطبيقاً، ليس معروفاً بشكلٍ محدد. بل يمكن أن يقال أنه قد تسرب تدسّساً منذ أيام أبو عمر البغدادي رحمه الله، من كواليس تنظيم "دولة الإسلامية في العراق"، وعلى يد الأنباريّ والبغدادي. منا ليس معروفاً إن كان ذلك باتفاق مسبقٍ مع قيادات بعثية منذ وقتها. إلا إن القيادات البعثية التي التحقت بالتنظيم بعدها، وقادته عسكرياً، قد استفادت من هذا التوجه تمام الاستفادة.

      وهذا الخلاف، يكمن في تكفير المخالف، وإلباس بعض التصرفات، إما تصرفات طاعة أو معصية، لباس الكفر والردة، ثم استحلال الدم الحرام بناء على ما ذهب اليه الحرورية العوادية. وقد أدى هذا إلى قتل الكثير من رؤوس الجهاد في الشام، وتشريد آلاف العائلات، وشق صف الحركة الجهادية ضد النصيرية، ومن ثم أدى إلى عكس المقصود. فإن القصد من دعوة "الدولة" و"الخلافة" هو توحد الكلمة وجمع الصف. لذلك فإنه لا يجب أن يدّعيها مُدعٍ قبل أن يأخذ رأي أهل الحلّ والعقد الحقيقيين الذين يمثلون الناس في المناطق التي يدّعي التمكن فيها، لتجنب حدوث ما حدث. فقد أخذ السامرائي مبايعة "أهل حل وعقد" في قرى عراقية، لا يعرفهم أحد، ولا يحلون ولا يعقدون خارج دائرة قراهم، ثم انطلق يقتل من يقف في وجه "بيعته" ويرميهم بالردة والكفر والولاء للكفار ومعاداة الإسلام، وكأنه هو الإسلام! وما للشام ولمصر ولغيرهما في ذلك أهل حلّ أوعقد. فما كان من جرّاء مخالفة مقصد الشارع من قواعد البيعة والإمامة إلا الهرْج والقتل وانشقاق الجهد، واندحار القوى.

      والضروري اليوم هو كشف عوار المذهب الحروري، وخطورة مآلاته، التي شهد بها الواقع بالفعل. فهذه العصبة مكتوب عليها الفناء، إنما الأمر أمر وقت لا غير. وقد استدرجت الساحة في الشامم بالفعل إلى مستنقع خلافٍ وصراع يكاد يحسم صراعها مع بشارٍ لصالح النصيرية. ولا نرى أنّ أيّ حوار مع هؤلاء يجدى ولا وزن قطمير. فهذا كما لو حاورت الرافضة في الأئمة الإثني عشر، أو الصهاينة في قدسية أرض المعاد في فلسطين. فهؤلاء الحرورية قد انطلقت سفنهم من مرفأ الخوارج مولية شطر أعماق الشقاق والقتل تعاكس رياح السنة، وتضاد السنن الإلهية في النصر، بقصر النظر في رؤية النتائج السريعة الطارئة. ولعل الغرض من نشأة ذلك التنظيم قد تحول عقيب مقتل أبو عمر البغدادي، بفعل البعثية إلى فرض سيطرة في الشام، لتكون موظئا احتياطيا إن فُرض عليهم مغادرة العراق. لذلك فقد استحر القتل على أيديهم في الشام أكثر بكثير من العراق، رغبة في تطويعها واستسلامها لغزوهم لها. ولا يغرنك مقولة حدود سايكس بيكو، فوالله قد كانت العراق عراقا والشام شاماً قبل أن يولد سايكس أو بيكو بعشرات القرون! هي شعار للمغفلين ليس إلا.

      ولن نجزم هنا بكفر أو ببدعة في الشأن العواديّ، لكننا نؤكد أن كلا الرأيين له أدلته الفقهية والواقعية. ونؤكد أن هذا الأمر يبت فيه العلماء الربانيون دون العامة، حتى لا نقع فيما خالفناهم اليه. وأدلة استحلالهم للكذب وغيره من المفسقات أصبحت معلومة بالضرورة من حالهم. وعلى الحاين، الكفر أو البدعة، يجب قتال تلك المجموعة وأهلاك أفرادها، فمن أصابه ذلك الداء، لا أمل في علاجه إلا ما شاء الله.

      الفصائل العلمانية:

      كذلك ظهر على الساحة فصائل اتخذت مذهباً علمانيا صرفاً، وإن رفعت اسم الاسلام علماً، فقررت أنّ الديموقراطية الغربية هي طريقها إلى الحكم، وعرضت نفسها على الغرب كبديل لبشار، ينفذ مخططهم دون اعتراض. وهؤلاء هم من وقعوا في موالاة حقيقية وانخرمت عقيدتهم وسقط توحيدهم، قصداً ووسيلة، وأصبحوا مطية للتدخل الصليبي بحجة محاربة قوم داعشٍ. ومن هنا استحلوا تلقى الدعم مشروطاً من الغرب، وإن لم يصرحوا بذلك. وعلى رأس هؤلاء قوم جنيف، وهدد من التكتلات العسكرية على الساحة.

      ويجب التمييز عقديا في هذا المقام بين من انعقد قلبه ولسانه على مبدأ الديموقراطية، وبين من تحدث بالديموقراطية كوسيلة للوصول إلى الحكم بشرع الله، مكيدة بالغرب، سذاجة وسخفاً! وهؤلاء الأخر ليسوا علمانيين بل هم متأولون مبتدعون في الوسائل دون المقاصد، وإن كان لهم خطرٌ على الحركة في الشام، من ناحية "إن الله لا يصلح عمل المفسدين".

      وعلى هذا التمييز، رغم دقته، يجب أن ينبني الموقف العمليّ من الفصائل المختلفة وطرق التعامل والتعاون معها. فلا يصح التعاون ولا التعامل مع الصنف الأول، ويصح التعاون والتعامل مع الفريق الثاني بحذر، دون أن يسلم لهم القياد، حتى لا ينحرفوا بالمسيرة. لكن لا يصح قتالهم كما في حالة الحرورية العوادية.

      الفصائل السنية:

      وهي التي بدأت الجهاد في الشام، ولم تتبع القوى العلمانية أو التنظيم الحروري. وهؤلاء لا يرون الكفر والردة بالشبهة، إلا أن يثبت يقيناً ولا يقتلون إلا قصاصاً من قاتل، ولا يرون كفر العوام بجهلهم كما هو مذهب العوادية الحازمية. وهؤلاء قد تجد بينهم غلاة متنطعون، وقد تجد بينهم أصحاب ورعٍ بارد و"أخوة منهج" مع الدواعش. وهذا أمرٌ وإن كان طبيعيّا في الحياة السنية، أعنى تنوع الآراء واختلافها دون تكفير، إلا إنه لا يجب أن يترك ليشيع في مركز إمارة أو إدارة، فإن في هذا تسليم لدفة الحركة لمن هو مصاب بمرض الرعاش! ينحرف بمساره دون أن يدرى.

      الخلاف التشريعي التطبيقي:

      وقد وقع اختلاف كثير في الساحة الشامية، من حيث التأصيل الشرعي والفتاوى والأحكام في أبواب عديدة. وسبب ذلك يرجع إلى جدّة التجربة، وقلة الحصيلة العلمية والعملية، ودور التوجيه العقدي في توجيه الأحكام، ثم البعد الشخصي الذي لا يخلو منه تطبيق في حياة البشر.

      وسنحاول أن نمس المسائل التي دار فيها الاختلاف على الساحة، مساً خفيفاً لإثباتها أولا، ثم يأتي إثبات قولنا فيها والإجابة التفصيلية على هذا المسائل بعد، في الحلقات التالية لهذا المقال إن شاء الله.

      • مسألة نوعية البيعة ونقضها:

      وبالطبع، فإن هذه المسألة كانت الأولى على سطح الخلافات في الساحة، وذلك لما جرى بين السامرائي ابن عواد وبين الشيخ الجولاني أولاً، ثم ما ظهر بعد ذلك حين كشف الشيخ المبجل د أيمن الظواهري حقيقة نقض ابن عواد لبيعته. ثم لحق ذلك واستتبعه ما حدث من تحركات في الصفوف الجهادية بين فصيل وفصيل، فتحرج البعض عن الانخلاع عن بيعته لفريق، رغم ظهور خطله وانحرافه، وخلع فريق بيعته كما يخلع المرء قفازه!

      والحكم العام في خلع أي بيعة هو استواء الطرفين، فلا يقال فيه بحلّ ولا حرمة قبل أن يُعرف نوع البيعة أولاً، ثم يكون حكماً عاماً بالطلب أو الإباحة أو المنع. ويعتمد هذا على ما يصاحب البيعة من شروط في ثناياها. والقاعدة هي كلّ شرطٍ ليس في كتاب الله فليس بشرط. والبعة التي لا يحل، بل يكفر خالعها هي البيعة على الإسلام لا غيرها مهما كانت.

      .

      • مسألة التعاون مع القوى الخارجية العربية أو الغربية:

      من أهم المسائل التي اجتاحت الساحة الشامية هي: هل يصح التعاون مع القوى الخارجية سواء غربية أو عربية علمانية في سبيل تحقيق الإطاحة ببشار؟

      وقد قامت الدنيا ولم تقعد بسبب تعدد الاجابة على هذا التساءل. فبدأ لون من التكفير بالموالاة، وبدأ لون من التصحيح والموافقة للمصلحة. وقاتل صاحب هذا الرأي صاحب ذاك، منهم قتال بغي ومنهم قتال ردة وكفر.

      والحق أنّ الإجابة على أي سؤال شرعيّ يعتمد على الواقع الذي يأتي منه، وعلى الواقع الذي سيطبق عليه. وقد رددنا على هذا الأمر في عدة مقالات من قبل.

      والإجابة العامة المجملة بطبيعة الحال هي الحُرمة. لكن ليس من عاقل يعتمد على إجابة عامة مجملة إلا رويبضة تافه لا علم له. فإن التخصيص هنا هو الأصل لا العموم. فيعتمد الأمر على معنى التعاون أولاً، وشروطه، ومجالاته، ففي هذا تحقيق للمناط العام. ثم إذا تحدد هذا بتفاصيله، وجب النظر في كلّ حالة على حدة، لتحقيق مناطها الخاص. وهذا الأخير يستلزم معلومات دقيقة عن تطبيق المتهم بمثل هذه التهمة لما هو خارج عن الحدود المرسومة في المناط العام، فإن كان، فيجب أن يتحدد هل ذلك لاستثناء محدد يختص به[1]، أم لانحراف في عقيدته، بجهل أم بتأويلٍ أم ببدعة، ولكلٍ حكم.

      ولست بصدد تحديد حكم كل مناط، عام أو خاص، لكنى أريد أن أثبت هنا أن الأمر قد أُطلقت فيه يد من قصرت يده، وعقل من اضمحل عقله، فكان أن تباينت الآراء، وأخذت منحى التكفير تارة، فكانت الحرورية ثَمّ هناك، فقتلت وذبحت، وكان التحليل والاسترسال فيه، فكانت العلمانية المرقعة بأسماء إسلامية في الكفة الأخرى تبيح وتغترف.

      • مسألة التعاون بين الفصائل:

      وتبع هذه المسألة، وتبع التفرق والتمزق الذي عانته الساحة الشامية منذ غزو الحَرورية لها، مسألة أخرى. وهذه المسألة تتعلق بوجود بدائل على الساحة تتيح التعاون بين الفصائل المختلفة "أيديولوجيا" أو "عقدياً" خاصة تحت وطأة الضغط النصيري من ناحية، والضغط العواديّ من ناحية أخرى. ومرة أخرى، فإن التعاون بين الفصائل المناوئة للنصيرية أو للحرورية، حكمه الأصليّ الحلّ. لكن عند التفصيل يحتاج إلى نفس الشروك التي ذكرناها من قبل، أو قريب منها، لينظر المفتي في حلّه أو حرمته.

      • مسألة القتال مع فرقة العوادية ضد الروافض والنصيرية

      وهي مسألة تتفرع على ما قبلها إذ إنه قد اختلك أمرُ الصراع، وأمر الحق والباطل، باختلاط الحرورية بمعسكر أهل السنة. وهذا تساؤل طبيعي يأتي من أمرين، إن الحرورية على مرّ التاريخ، مثلهم مثل كافة الفرق البدعية الأخرى، سواء منها السياسية أو الفكرية، كالمعتزلة والجهمية والمرجئة والصوفية، يروجون لأنفسهم وأتباعهم إنهم هم أهل السنة وإن عداهم أهل البدعة. والآخر هو عدم تحقق أبناء الساحة الجهادية بعلم يجعلهم يفرقون بين المناهج، حتى كثير من الشرعيين منهم. فاحتار الناس في هذه المسألة.

      والأصل هنا هو أن قتال الروافض والنصيرية واجب محتم عينيّ. ثم الأصل كذلك هو أن حفظ النفس أمرٌ شرعته الملل كلها ووافق فيه صحيح المنقول صريح المعقول، سواء كان الصائل مسلماً أو غير مسلم، وسواء كان المصال عليه مسلميا أو غير مسلم. ثم يتشعب الموقف إلى تفاصيل تتعلق بالمواقف المختلفة، ونوعية الصائل، ونوعية الغير، كما سنبين بعد إن شاء الله.

      مسألة التعامل مع النصيرية في أسواقهم وبيعهم:

      مرة أخرى، مسألة نشأت بحكم الواقع الذي فرض نفسه على الساحة بعد انقسامها إلى مناطق "محررة" ومناطق "حرورية" ومناطق "نصيرية". فوجب أن يعلم المسلم كيف يتعامل يوميا مع هؤلاء المخالفين عقدياً. والحكم الأصلي هو إباحة التعاملات التجارية مع ايّا كان إلا ما كان فيه شبهة إضعاف للمسلمين أو تقوية للمخالفين، مثل السلاح أو النفط. وسنـتي على تفاصيل ذلك إن شاء الله.

      مسألة "أخوة المنهج":

      ثم تشعبت مسألة أخرى، وهي، مرة أخرى، نتيجة الغيبوبة العلمية التي يعيشها الواقع الشاميّ، رغم جهود عديد من الإخوة هناك لتوضيح الأمور وشرحها، إلا أنّ الخرق في غاية الاتساع، كما نراه في مصر، بعد حملات الدعاية السيسية، وتغفيل الخلق. ولا فرق بين دعاية سيسية مضللة، وبين دعاية حرورية مضللة، فكلاهما يستهدف تسخير العقل وإلجائه إلى أحادية النظر، التي هي ملجأ العاجز ومغارة العاميّ عادة.

      وقد تولدت فرقة تقف بين البينين، اعتقدت إنها بذلك تبتعد عن الفتن وتتورع، وهي في الحقيقة تشجع الفتن وتتنطع. والمناهج التي يمكن أن يتآخى عليها المسلمون لا تكون في أمور عقدية مقاصدية، بل في أمور عملية وسائلية. وسنرى إن شاء الله موقف هذه الفرقة التي شبهناها بأهل الأعراف، وأثرها على انتكاس الحركة كلها.

      • مسألة "الغنائم" والتخميس:

      وهي مسألة تطبيقية شرعية نشأت من خلال توفر غنائم من النظام أولاً، ثم أصبحت غنائم من "الكفار" ثانيا، وهم مجاهدوا الفصائل عند العوادية الحرورية، ثم غنائم من "البغاة" في القتال بين الفصائل أخيراً. فتن كقطع الليل المظلم.

      والأصل في تقسيم الغنائم أو السلب معروف، لكن الأمر هنا له وجهان، ممن حصلت الغنائم، وما قول أمير الكتيبة أو الفصيل فيها، بناءً على المصالح العامة المرعية.

      • مسألة استدراج نساء ثيبات وأبكارا للساحة الجهادية دون محارمهن:

      وهي كذلك مسألة تطبيقية شرعية تولى كبرها شاب مصري أخرق غرٌ أراد الزواج بامرأة "جهادية"، فكان أن أخرج صفحات خلط فيها خلطاً شاذاً، وأجيب عنه وقتها، رغم عدم استحقاقه لإجابة. لكنّ المسألة خرجت عن كونها شخصية، وغذا بها "تتمدد" لتصبح فتوى عامة، من عاميّ، يستحل بها شباب أن تترك نساء بيوت أهلهن دون إذن وليهن، بناء على "وجوب النفير إلى "دار الإسلام" و "كفر المتخلف القاعد" عن "بيعة الخليفة الكرار". ثمّ أصبح التنبيه في هذا الأمر، وتحذير الغافلات أن يقعن في مصائد الشيطان، وتوصيف مآلهن إن فعلن، قذف للعفيفات المحصنات المهاجرات! وقد كتبنا مقالاً في هذا الأمر، لكننا سنعيد تقييمه في هذه السلسلة إتماما للفائدة إن شاء الله.

       

      • مسألة ديات القتلى والقصاص

      وهي مسألة شرعية أتى بها إلى الساحة ما يحدث من قتل عشوائي أو قتل خطإ أو عمد في صفوف السنة. وقد كانت هناك تساؤلات بشأن الواجب في هذا الأمر، وعلام المعول فيه. وسنجيب عن هذا في محله إن شاء الله.

      يتبع الجزء الثاني إن شاء الله

      والله وليّ التوفيق

      د طارق عبد الحليم

      19 أبريل 2015 – 01 رجب 1436


      [1]  راجع بحثنا المفصل "الاستثناءات من القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية" http://www.alukah.net/sharia/0/85060/