فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      انهيار المنظومة الإخلاقية بين السيسي والسامرائي

      الحمد لله الذي لا يحمد سواه، المحمود على كل حال، وبكل لسان ومقال، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      من العجب، بعد عقودٍ من مجهود دعوى قاده عدد كبير من الدعاة والكتاب، عن التوحيد والإسلام والإيمان والإحسان، وقراءة كتب ابن تيمية ورقائق ابن القيم  وروائع سيد قطب والمودودي، وغير أولئك من كبار الدعاة والأئمة على مرً التاريخ، أن نجدنا مضطرين لأن نعود إلى المبادئ الأولى لمعاني التربية، التي اعتبرها سلفنا القريب أولى من التعليم بالعناية والرعاية. نتحدث عن معنى "الخلق" أي الأدب والحياء والشرف والمروءة.

      حين أصدرنا كتابنا عن "أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم" في عام 1983، إثر كارثة حماة، وكنت وقتها بالأردن، قسمنا أسباب التفرق إلى داخلية وخارجية. الداخلية رأيناها نتيجة ثلاثة عناصر، الجهل والهوى والتعصب. ولم نبعد كثيراً في تلك الأسباب، فكلها أسباب في انهيار الأمة. وقد بلغت أسفل سافلها في أيامنا هذه.

      بعد كل تلك الكتب المنشورة، والنت المتاح، فالجهل الشديد المميت المقيت هو أكبر العوامل التي يصطدم بها صراع الأمة مع نفسها، قبل أعدائها. جيل اليوم، من متحمسي الإخوان أو الحرورية أو شعب السيسي، في كافة بلاد المسلمين، هم أجهل ما وصلت اليه تلك الشعوب في أي مرحلة من تاريخها.

      والهوى، تبعا للجهل، هو اليوم الحاكم الأعلى، وبالذات للحرورية كلاب أهل النار، فقد أعماهم حتى قتلوا المؤمنين المسلمين، ليس كالإخوان الذين اكتفوا بالانحراف والكلام دون القتل، أو شعب السيسي الذي اكتفى بالجهل والرقص!

      ثم التعصب، ومرة أخرى يأتي جند السامرائي وأتباعه على رأس المتعصبين، حتى إنهم قالوا "لو عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وسعه إلا اتباعهم!!!" أخزاهم الله فقد كفر من آمن بهذا كفراً أكبر ينقل عن الملة.

      وما أغفلناه الحديث عنه وقتها في كتابنا، ليس تجاوزا ولا نسيانا، هو الناحية الخلقية وأثرها في تدهور حالة الأمة. ذلك أنه المستوى الخلقي لم يكن قد تحدّر إلى هذه الدرجة التي فاجأت أبناء جيلي، ولم نكن نحسب إنها تصل إلى هذا الغور العميق من الجهل وسوء الخلق معا، وهما أشد عداوة للإنسان من الشيطان نفسه.

      قديما قال الشاعر، وما أصدق ما قال:

      إذا كان ربُّ البيت بالدفِ ضارباَ         فشيمةُ أهل البيتِ كلهم الرقصُ

      وقيل: الناس على دين ملوكهم، أي يسيرون على طريق كبرائهم وقادتهم.

      وقد رأينا كبراء داعش كيف يتصرفون. كذب عجيب تجلى في خطاب متحدثهم طه حمام الذي كذب على الشيخ الظواهري كذبا صراحاً، فيما هو منقوا وثابت عنه، فجمع بذلك بين الكذب وقلة الحياء. وكان هو الخطاب الذي قصم ظهر البعير، وأدى إلى فضحنا للعوادية وتبرأنا منها. لا لأنه كذب على الظواهري (المري) كما يحب غلمان داعش أن يتقولوا! بل لأنه كذب! لا غير. كما كذبوا على كثير من الدعاة الذين اتصلوا بهم لشأن أو لآخر، مثل د هاني السباعي والشيخ المقدسي، وعلى كاتب هذه السطور عدة مرات. وهؤلاء الكاذبون، قادة وقضاة وأمراء، قالوا!

      فإن كان هذا حال سادتهم وكبرائهم، فما بالك بعامتهم ورعاعهم، وكلهم رعاع؟ تجدهم يكذبون على الناس، ويصعون الكلام عليهم، ويزورون الحسابات، ويستخدمون أبشع الألفاظ السليطة الساقطة، التي تتعدى ما يتداوله الحشاشون في جلساتهم، الله لا أبالغ، وترى ذلك في مستوى شاعر الخنا الذي يكتب لهم متصيداً أقبح الألفاظ من قاموس العربية، يرى ذلك فخراً، وكأنّ غيره لا يمكنه أن يفعل ذلك، إلا حياء من الله والناس.

      انعكست قلة الأدب وسلاطة اللسان، على التصورات الأخلاقية الأخرى، فزادت حدة التشوف الجنسي، فخرجوا بفكرة "نفرة النساء" وهي فكرة شيطانية ما قال بها أحد قبلهم عنده ثمالة كرامة أو عفة أو خشية من الله أو غيرة على بنات المسلمين ونسائهم. أفتى لهم غرٌ طُفيْل لحاجة في نفسه، بناءً على حادث أم سلمة، الذي لا يمت لطرزفنا ولا واقعنا ولا مناط الهروب من ولي مسلم بصلة. فتلقفها أصحاب الحاجات الملتوية من المراهقين عقلا وعمراً، وأشاعوا تلك الفاحشة. لكن الحمد لله تعالى لم يتجاوز أثرها عدة بيوت لا أكثر.

      المسلم لا يسب ولا يشتم، يأبى عليه ذلك خلقه الطبعيّ قبل الإسلاميّ. وما أظن قبح الخلق وسلاطة اللسان خاصة هي من آثار الدين، فالكثير من الكفار لا يستخدمون ألفاظ السوقية، سواء بالعربية أو الإنجليزية أو أية لغة أخرى. إنما هي بيئة نشأ فيها المرء، تتداول هذه الألفاظ عادة في حياتها اليومية. فهو مستوى خلقي اجتماعي، يشدّ أزره الدين، لكنه لا ينشأُه إنشاءً إلا في القليل النادر. والطبع يغلب التطبع كما يقال.

      والمروءة في التعامل خلق آخر افتقده هذا الجيل الداعشي السيسي، وأقصد به أعم من أنصار داعش فقط. والمروءة هي حسن التصرف مع الغير بما يشمل التواضع والسعي بالخير ودفع الأذى، وكثير مما تحمله هذه الكلمة الواحدة في طياتها. وهذه المروءة قد افتقدها الجيل الداعشي كلية. وظهر ذلك في عشقهم الساديّ للقتل والذبح والدم. بل ترى في معرفات عدد منهم صور قتل وذبح تنبؤك عن نفسية مريضة لا إسلامية ولا شيوعية، إنما مريضة لا غير.

      الحسّ الخلقيّ لا دخل له بإقامة دول ولا شعحاب أيديولوجيات متعددة غير الإسلام، بكفاءة وحِرَفِيَّة. الحسّ الخلقيّ طبعٌ كان متوفراً في جيل الصحابة، من مروءة ورجولة وكرم وشهامة وحياء وطيب لسان. ثم جاء الإسلام فوجّه هذا الطبع في طريق صحيح ووجهة سليمة.

      أمرُ هذا الجيل الداعشي، داخل داعش وخارجها، أمرٌ عويص، لا أرى في علماء اليوم ودعاته، إلا النادر، من له القدرة على التصدى لانحرافاته كلها، ليس في مجال العقيدة فقط، بل في مجال الخلق أولاً، ثم التعصب والهوى ثانيا.

      الله المستعان

      د طارق عبد الحليم

      10 مارس 2015 – 20 جمادي أول 1436