فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مناقشة سريعة للفكرة العوادية في مسائل البيعة والخلافة والتمدد

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      المسألة الرئيسة التي يقوم عليها بناء التنظيم العواديّ البعثي الحروري هي "إقامة الخلافة"، أو إعادتها، أيها شئت، هي محور دورانهم، كما يدور ثور عجلة الطحين حول محورها، مغمض العينين، لا يدري إنه لا يصل إلى غاية في نهاية المطاف الأمر، بل يظل يُعلف ويدور، بلا توقف، حتى تواتيه المنية!

      وقد قررت أن ألقى هنا ببعض أفكار متناثرة عن هذا الأمر، لا أبغي بها بحثاً علمياً عن شروط الخلافة، وشروط أهل الحلّ والعقد وما يتبع ذلك من سياسة شرعية، فقد فصلت فيها في بحث طويل من قبل[1].

      (1)

      فعلى مستو عامٍ، فإن كلمة تمدد تعنى "التوسع"، وهو ما يحمل معنى السيطرة بلا شك. فإذا نظرنا إلى تاريخ البشرية جمعاء بما فيها تاريخ الإمبراطورية الإسلامية، نجد أن "التوسع" كما يسميه المؤرخون، كان عن طريقين، أحدهما وهو الأغلب، هو توسع متدرج في دوائر تنطلق من بؤرة القوة المتوسعة إلى ما يجاورها من بلاد، فيسيطر عليها بشكل تامٍ تخضعها لنظامها ثم تنطلق منها لما بعدها، وهي الصورة التي سارت عليها الإمبراطوريات الرومانية واليونانية والإسلامية والفارسية. وهي تعتمد على "الفتح" في الفكرة الإسلامية، ثم الاندماج، أو على "الغزو" ثم السيطرة العسكرية في بقية الإمبراطوريات. وهذا الطريق يضمن الوحدة الجغرافية للإمبراطورية وتواصل أجزائها. والصور الأخرى لهذا الطريق هي إما "الحرب" ثم الاندماج كما في الفيدرالية الأمريكية أو الكندية، أو في "الاتفاق" ثم الاندماج كما في الاتحاد الأوروبيّ.

      والطريق الثاني، هو ما حدث في حالة الإمبراطورية البريطانية بشكل واسع، أو بعض الامبراطوريات الأصغر كالفرنسية والأسبانية والبرتغالية، وهو أشبه بالتمدد الأخطبوطيّ، حيث كان هناك مركز قوة هائلة في جزيرة الانجليز، ثم تكوّنت أذرع قوية لتسيطر على أماكن بعيدة تفصلها عن المركز بلدان لا تسيطر عليها، وهو ما أسماه المؤرخون بالظاهرة "الاستعمارية" البحتة، كما حدث بالنسبة لمصر والهند.

      فإذا نظرنا إلى ما يحاوله العوادية البعثية، وجدناه لا ينتمي لأي شكلٍ من تلك الأشكال ولا يسعى في أي طريق من تلك الطرق! فهم لا ينطلقون من مركز يمكن أن يقال إنهم يسيطرون عليه بالتمام، بل حتى في الرقة والأنبار هم تحت هجوم وقصف متواصلٍ فهم يحاربون دفاعا عن مركز رقعتهم ووجودهم، فما معنى التوسع أو "التمدد"؟ ثم إنّ ما يطلبون من بيعات هي بيعات كرتونية لا حقيقية، إذ لا يتحقق بها امتداد جغرافي متواصل ولا سيطرة ولا اندماج ولا يحزنون. بل هي ولاءات شخصية تشبه ولاءات بعض العلمانيين، أفراداً أو هيئات، للأيديولوجية الرأسمالية الديموقراطية العلمانية الدولية، فهذا لا يسمى "تمددا" بأي منطقٍ كان. كما إنه ليس تمددا على الشكل البريطانيّ، إذ إن الأذرع العوادية لم تخرج من مركزها البتّة، ولا شبراً واحداً، لأي مكانٍ. بل هي أشبه بمحاولة فاشلة في إقامة مجموعة محدودة، بعدد محدود، في أراضٍ متناثرة، يُطلق عليها "التمدد" دون حقيقته المعروفة.

      (2)

      وعلى مستو أقل تخصصا وأكثر قربا من الفهم والوهم العوادي، فقد عجبت لفكر السامرائي بن عواد في مشروعه إقامة خلافة! يريد أن يأخذ بيعة من كلّ مجاهد حول العالم إنه أميره. فهل من سبب واجبٍ حالٍ لذلك؟

      فإذا اعتبرنا أنّ البيعة في حدّ ذاتها "كلمة" لا أكثر، فما الذي يمكن أن تقدمه هذه الكلمة لرجل مختبئ في سراديب الشام أو العراق، للجهاد؟ ألسنا نقول لطلاب التوحيد أنّ كلمة لا إله إلا الله لا تحقيق لها إلا أن يقوم قائلها بحقها ويعمل بمقتضاها؟ فإن كان هذا شأن أكبر كلمةٍ في الكون وأكثرها تأثيرا في مسار البشرية، فما بالك بوعدٍ من ضعيفٍ إلى ضعيف؟

      هل سُتضعف تلك البيعة من قوى العدو الصائل على المسلمين في القوقاز، أو في اليمن أو في مصر أو في المغرب أو في الصومال أو في غيرها من مناطق المواجهات الساخنة؟

      هل ستقوى بهذه البيعة من مجاهدي تلك المناطق كلها؟ إن كانت الإجابة بنعم، فكيف؟ هل بالمال، أم بالعتاد والجنود؟ اللهم لا، فالعوادية تسيطر على ما بيدها بالكاد. فإن قيل لجمع الكلمة فقط، فهي قوة في ذاتها، قلنا: نعم إن كان هناك اتفاق على ذلك، ولكن هذا الأمر لا اتفاق عليه، وكيف يكون اتفاقاً و 99% من العاملين بالساحة قد عارضوه؟ والعكس ما وقع، فقد تسبب هذا في شقّ الصف، فجاءت النتيجة معاكسة للقصد، بل هم يعملون على شق الصفّ بأنفسهم بطلب بيعات من جماعات قائمة تجاهد بالفعل، لن يزيدها كلمة بيعة لمسخ العوادية زيادة بل نقصاً وعواراً؟

      ثم الأدهى من ذلك، قتل رؤوس الجهاد وكثير من كباره على يد من يريد جمع الكلمة ولمّ الشمل وتقوية الصف! عجيب والله العظيم! كيف تكون خلافةٌ يقوم أهلها بقتل أكثر المسلمين خبرة في جهاد العدو، من حيث هم أنفسهم لا خبرة لهم بإجماع، فهذا البغدادي السامرائي لم يعرف عنه أحد جهاداً قبل أن يسمع أحد اسمه في السجن بالعراق، أما طه حمام المعروف بالعدناني، فليس لهذا المخلوق تاريخ على الاطلاق! ثم إذا بهم يتحدثون عن شق الصدور وبقر البطون، تحسبهم يتحدثون عن صدور وبطون النصيرية، فإذا هم يتحدثون عن صدور وبطون المسلمين (المرتدين بزعمهم)!

      ثم كيف تكون خلافة بشّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتظرها المسلمون قرونا، فإذا بها تقوم على قومٍ هم أقل الناس علماً وأكثرهم كذباً وأسلطهم لساناً وأفحشهم لفظاً وأعوجهم حديثاً وأشدهم شراسة وأسهلهم للمسلمين تكفيراً ولهم قتلاً وتفجيراً، وأدعاهم لفحش النساء بالنفرة المحرمة، وأطولهم باعاً في رداءة الخلق وسوء الطوية؟ لا يكون هذا ورب الكعبة، فإن الخلافة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم إلا بمن هم صفوة الصفوة وخيرة الخلق، أصدقهم لساناً وأرحمهم جناناً، فأين هذا من ترجمان السوء وطه حمام صبحي بقية جِرَاء (جمع جرو وهو الكلب الصغير) أهل النار على النت؟

      ثم أين تمدد الخلافة التي أوقف الله نموها عند كوباني؟ بل توقف جهادها على قتل مجاهدي السنة في حلب وحمص لتوقف تقدمهم ضد النصيرية. لم نسمع والله أي نصرٍ لهؤلاء أحفاد بن ملجم منذ سلمهم الجيش العراقي الكرتوني أنحاء الأنبار والموصل، واحتشدوا، عرقيا عراقياً، لنزع الشرقية من مجاهدي السنة، بعد أن قتلوا أهلها وشردوا سكانها.

      (3)

      نحن إذن أمام ظاهرة مصطنعة لا تنتمي لأي شكلٍ يمكن أن يؤدى إلى أيّ نتيجة حقيقية على الأرض. وهذه إذن عصبة اجتمعت على باطل أنشأه السامرائي بتوجيه رؤوس البعثية. ووالله الذي لا إله إلا هو لحذاء صدام حسين، على ما فعل (وإن كان أمره إلى الله قبيل إعدامه)، برأس السامرائي ومن هم في طبقته بلا استثناء. وهذه العصبة النجسة قد سرقت من المسلمين حلمهم الذي كان على وشك أن يصير حقيقة في الشام، فقلبوه إلى كابوس مرعب، وأعادوا شبح الاحتلال الأمريكي للمنطقة كلها، وثبتوا كرسي بشار، وبلبلوا صفوف المجاهدين في كل أرضٍ، وخرّبوا عقيدة ما لا يحصى من الشباب الجاهل الغرّ، من أجل كلمة يريدونها من كلّ مسلمٍ، لا تعنى شيئاً، ولا يقدر السامرائي أن يوفى حقها ولا معشار معشاره.

      كما سبق أن قلت وكررت، إن لم تفق جماعات السنة سريعاً، فتتعاون على قتل هؤلاء وإزاحتهم من ساحة الجهاد، فستكون العاقبة وخيمة عليهم، ولن يرحمهم العوادية البعثية، ثم النصيرية من بعد.

      د طارق عبد الحليم

      13 يناير 2015 – 23 ربيع أول 1436


      [1]  قيام دولة الإسلام بين الواقع والأوهام – الوثيقة الكاملة http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72693