فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      دروس لن ننساها .. في رحلتنا إلى المستقبل

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      هناك ثوابت يجب أن تستقر في قلب المسلم وعقله ووجدانه، إذ هي في عجينة خلقه وأسِّ فطرته.

      أولها أنّ دين الله سبحانه لا ينهزم، إنما ينهزم من يحملوه، إن حملوه بضعف أو استهانة أو استكانة أو على غير نهجه أو ابتدعوا فيه أو بدلوه.

      ثم إن دين الله باق لن يزول ولن يحول، فهو أساس الخلق، وهو سنته الكونية، وإنما تتخلف سننه الشرعية في حين أو في أحيان، لغياب من يحملونها.

      ثم، إن أعظم في هذا الكون هو دين الله سبحانه، والقرآن الكريم سيظل محفوظاً أبد الدهر، فلا يمكن عقلاً ولا كوناً أن يغيب أو ينتهي، كيف وهو كلمات الله الباقيات، إنما هو غياب الآذان التي تسمعه أو الأبصار التي ترى به أو الأفئدة التي تشعره.

      ثم إن الباطل ضعيف زهوق، وإنما قوته نسبية حسب ما يقف أمامه من حق. وقد يظن أهل الحق أنهم على حق كامل، فلم يهزمهم الباطل. الجواب بسيط، أنهم ليسوا على الحق الذي يتصورون، وأنهم عن حقيقة الحق محجوبون، وأنهم في تصوراتهم واهمون، لذلك هم عن النصر بعيدون. فإن كانوا أضعف من الباطل، ففيهم من الباطل ما يضعفهم بلا شك.

      ثم إن السنن الكونية لا تتخلف ولا تتبدل ولا تنحرف إرضاء لأحد، ولو كان من أصلح الصالحين، من أولياء الله المتقين. فإن الله قد خلق الدنيا على تسلسل الأسباب والمسببات، لا تتخلف الأسباب إلا لمعجزة، ولسنا متعبدين بانتظارها. فمن أوقع سبباً فعليه أن يرتقب نتيجته لا تتخلف. ومن تخلف عن إيقاع سبب، فمن البله والعته أن ينتظر تحقق نتيجة[1].

      ثم إن الحق لا وسط له، بل هو الوسط ذاته، فمن أراد أن يقف في منتصف الطريق بين الحق والباطل، لم يكن على الوسط الأعدل بل كان على باطل. فالوسط يقع بين باطلين، لا بين حقٍ وباطل. وهو الدرس الذي لم يعيه الإخوان حين سلكوا مسلك المفاوضات والمناورات والاتفاقات، يعتقدون أنهم بهذا وسط، فسقطوا وأسقطوا.

      ثم إن القوة لا غنى عنها، في دعوة الكلمة، وفي دعوة اللسان وفي الجهاد بالسنان. القوة قاعدة الحق وحاميته. القوة هي اللبنة الأولى في أساس هذا الكون، لذلك فإنه "لا حول ولا قوة إلا بالله". القوة هي التي تأتي بالنصر لا الضعف، ولا السلمية ولا الخذلان ولا كلّ الأوهام. القوة بكلّ معانيها، إيمانية ومادية ومعنوية وشعورية. ولا يدخل الضعف أمراً إلا أفسده. ولا يجتمع ضعف وقوة، قال صلى الله عليه وسلم "والله لقد جئتكم بالذبح" فأراهم قوة في حال حسبوه ضعيفاً. وفرق بين الارتقاب في قوة لعدم المقدرة، وبين الضعف والخذلان مع المقدرة، لا يستويان.

      ثم إن الدين قد اكتمل، نصوصاً وقواعداً ومنهجاً. من ادعى أنه يجب تجديد ثوابته فقد هرطق وخرج عن ملتنا. إنما التجديد في تطبيق قواعده الثابتة وتنزيلها على الوقائع المتجددة لا غير. ودعاة التجديد هم الدعاة على أبواب جهنم، وهم أبواق الشياطين، وهم أئمة المضللين.

      ثم إنّ العلم لا يشرف به حامله إلا إن كان على نهج النبوة، وإلا فحامله كالحمار يحمل أسفاراً، بل هو أضل من الأنعام، إذ قد رفع الله التكليف عن الأنعام! وهؤلاء هم علماء السلاطين والحكام، تراهم في عمائمهم وقفاطينهم وطُرحهم، تحسبهم على شيء، وهم هملٌ على همل. يتحدثون في التوحيد كأنهم على إسلام، ثم إذا بهم يمجدون من ينفق أموالا طائلة ليصد عن سبيل الله، ويعين الكفار ويواليهم ويقتل المسلمين من الدعاة والمجاهدين، فيخرجون من دين الله كما يخرج السهم من الرمية، من باب الولاء والبراء.

      ثم إن النصر لا يمكن أن يتحقق على نهج غير نهج النبوة، وعلى غير طريق الله سبحانه. ذلك إنه "نصر الله" نسبه لنفسه سبحانه في كلّ مناسبة "فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمْ نَصْرُنَا" الأنعام 34، و "حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا۟ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا" يوسف 110، و "حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ"، ونفاه عن البشر " لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ" الأنبياء 43. فقد يكون توسع، أو تمدد أو تورم أو سيطرة أو ما شئت من مسميات، بل حتى إنه يمكن أن يصل البعض إلى حكم دول عريقة كمصر، لكنه ليس "النصر" الذي وعد الله سبحانه، بل هو وهمٌ خدّاعٌ لا يدرك حقيقته، ويحذر منه، ويعرف نهاية مساره، إلا من نظر بنور الله.

      ثم إنّ الطغاة يد واحدة حين يكون الأمر خاصاً بالإسلام، فكلهم أعداؤه، وكلهم يريدون به وبأهله الشر، سواء الحكام أو الملوك أو السلاطين أو القادة العسكريون أو الجند الموالون المتابعون، بلا فرق بينهم، عربي وأعجميّ. عدوّنا هم كلّ من وقف في سبيل شرع الله ودينه فمنع إقامته على وجهه، وقتل أوليائه، وسعى في خراب مساجده، وكرّس ماله لمحاربته، وإن تستر باسمه واختفى وراء عباءته. فنحن نرى "خادم الحرمين" في الجزيرة، و"أمير المؤمنين" في المغرب، و"عبد الفتاح" في مصر، وآل نهيان وآل خليفة وكلّ "آل" في الخليج! لكن هم حرب على الإسلام وعلى أهله، وعون للصليب وأهله، فلا حول ولا قوة إلا بالله. يتعاونون بينهم مخابراتياً، لكسر شوكة أي جهاد يمكن أن ينشأ حكما بشرع الله، إذ كيف وهم أول من ينقض شرع الله، سكراً وعربدة واستحلالاً للفروج ونشراً للفساد والعهر وتعاملاً بالربا، وولاء للمشركين وتعظيمهم، ورفع قدرهم على قدر أي مسلم مهما كانت كفاءته. ويكفي أن ترى كيف يتحدث طاغية خليجي صغير القدر لمسلم غير خليجيّ، ولو كان عالماً في مجاله، كأنه من جنس أدنى، وكيف يتحدث هو نفسه لرجل عاديّ نصف متعلم أزرق العينين أشقر الشعر، يتحدث الإنجليزية، كأنه من كوكب آخر! هوانٌ وذلٌ وعار وخسة وانعدام ضمير وقلة كرامة، لا غير.

      ثم إن أول السلم العلم، بدونه لا نصر ولا منهج ولا حق. ولن يضع قدمك أحد على سلم العلم إلا عالم، فالسلالم كثيرة مختلطة، والطرق متعددة متشعبة، فلا تغتر بنفسك، ولا يغرنك بالله الغَرور[2]، كما غرَّ السامرائي والعدناني جهلة الحرورية، أوهموهم إنهم لا حاجة لهم بعلماء، لما نأى عنهم كل من تحلى علم، وإنهم على دين الحق ومنهاجه، وإنهم لا يريَنَّهم إلا ما يروا ولا يهدينهم إلا سبيل الرشاد! فكانوا هم "الغَرور" لهؤلاء الجهلة الضالين.

      ثم إن اليأس لا محل له في حياة المسلم المادية والشعورية، لكل ما تقدم. فالمسلم يعلم أن العدل قائم لا محالة، وإن لم يراه، فإن رأي ظلماً فهو من انحراف أهل العدل عن عدلهم، وبعد أهل الحق عن حقهم، فيدفعه هذا إلى النشاط والدفع لا إلى التراجع والطلح[3].

      ثم إن النية الحسنة لا تغنى عن العمل شيئاً، فنصر الله لا يأتي لنية، بل لعمل متكامل، نية ولسان ويد، أفرادا وجماعات، بحسن تنظيم وقيادة رشيدة. هذا مطلوب ولو كنت ينبحث عن حذاء مفقود، فما بالك إن كنا نتحدث عن بناء أمة ساقطة وحضارة مندثرة؟ أخلص نيتك ما أردت، فهي خطوة أولى، لكن إن لم تتبعها بما بعدها، فستبقي في حيز العدم، لا حركة ولا إنجاز "وَقُلِ ٱعْمَلُوا۟ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" التوبة 105. فجعل الله العمل مقياس الحساب.

      ولنا من بعد حديث يطول عن دروس الماضي وعبره إن شاء الله.

      د طارق عبد الحليم

      1 ديسمبر 2014 – 9 صفر 1436


      [1]  راجع بحثنا المنشور في مجلة البيان اللندنية عام 1986 "مفهوم السببية عند أهل السنة" في ثلاثة أجزاء http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-75 & http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-76 & http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-77

      [2]  الغَرور: أصلاً الشيطان يزين لأوليائه الباطل، وينسحب على كلّ من يغرّ أحداً فيبعده عن الحق بالباطل.

      [3]  الطلح: التعب والإعياء