فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      وقفة هادئة مع بيان تنظيم قاعدة اليمن

      الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد

      فقد جاء بيان قاعدة اليمن، الذي قرأه الأخ الحبيب الشيخ حارث النظاري، عن موقفها من جماعة البدعة وخلافة الندامة السامرائية شافياً في أكثر نواحيه، ومحققاً ما كنا نطالبهم به منذ فترة ليست بالقصيرة، وإن اشتمل على بعض نقاط نودّ هنا أن نصححها ونستعين على فهم مراميها بما لدينا من معرفة بتلك الجماعة العوادية البدعية أولا، ومعرفة بالشريعة الغراء وأحكامها وضوابطها ثانيا، وبتفاصيل المرحلة وما يلزم فيها، مصلحة، ثالثاً.

      أما ما أفرح قلوبنا وأثلج صدورنا فهو إسقاطهم لخلافة السامرائي المزعومة، وبيان عوارها، وهو ما يسقط الأساس الذي يقوم عليه بنيانها بالكامل. وهذا يعنى توجيههم لكافة الأتباع والمجاهدين في العالم، بنبذ تلك الخرافة، وردّ بيعتها، إذ كما سبق أن بيّنا في مقالاتنا[1]، هي بيعة باطلة، لقيامها على باطل، ولعدم صحة بيعة المبتدع ابتداءً.

      كذلك، أوضح البيان مدى الظلم الذي تقوم به هذه الجماعة السفيهة، من محاربة أولياء الله، ومن شق الصفّ الجهاديّ، الذي كان مجتمعاً على قتال بشار النصيري، من أجل هيكل ادعوه، ومنصب اخترعوه، ثم عبدوه. وأكد البيان على أنّ هذه البيعات التي يطلبها التنظيم العواديّ، ليست صحيحة، بل هي خرق في قاع السفينة، يوشك أن يغرقها. وأن هذا من قبيل ظلم الحركة الجهادية التي مارسها أحباب الله في طول العالم الإسلامي وعرضه، وقدموا فيها الروح والمال والولد، عقوداً عدة.

      لكن ... وهنا مربط فرسنا في هذا المقال، لكن هناك هنّات في البيان، لا يمكن أن نسكت عليها، أو أن نمررها مرّ الكرام، إذ النصح والتوجيه واجب علينا، وهو فعل الكرام هنا، ثم تحذير الأمة مما قد يقع من الخلط في الأمور وتغبيش الصورة فرض عين على القادر.

      فأولا: موضوع تكريم السامرائي، بتسميته "الشيخ المكرم". وهو أمرٌ، وإن كان شكلياً لا يجب الوقوف عليه طويلاً، إلا إنه يرجع أصلاً لخطئ أساس، هو توصيف تلك الجماعة المارقة بعامة. ووصف السامرائي بالشيخ المكرم، قد أخطأ فيه الشيخ الفاضل حبيبنا د أيمن الظواهري من قبل، والظاهر إنها إما خطأ عام عند منتمى القاعدة، أو أمر متفق عليه بينهم لسبب غير معلن. قد يكون هذا السبب تأليف قلوب أتباع السامرائي، أو تأليف قلوب أتباع القاعدة ممن هواهم داعشيّ، وهمُ كثرُ. لكن، على أيّ حالٍ، فإنه يجب أن يكون موقف السنة من أمثال هذا الرجل واضح صريح. فإنه، وبعيد عن التوصيفات، حرورية أم لا، فإن الرجل قد قتل، عمداً، الكثير من مجاهدي السنة، لا يخالف في ذلك الشيخ الظواهري أو الشيخ الوحيشي أو الشيخ حارث النظاري، أو أيّا كان. ومن كان هذا حاله، لا يصح ولا يجوز، بل يحرم تسميته بالمكرّم، لأيّ سبب من الأسباب كان. بل جاء على لسان كافة علماء السنة أنّ هؤلاء يجب التحذير منهم، وتحقيرهم وازدرائهم وصدهم عن المجالس، فكيف بالله عليكم نسميه "مكرما"!؟ هذا تضليل للعامة وضبابية وخلط للأوراق، والأهم، ترك ثغرة ينفذ منها الغلو باسم التكريم والتبجيل.

      ثم، ثانياً، ونحسبه الأصل في هذا الخطأ، هو اعتبار هذا القتل نتيجة خلاف وفتنة بين طائفتين من المؤمنين! وهذا غاية في الخطأ. فإن موقف القاعدة إلى اليوم يوحى بأنهم يرون تصرف هذه الجماعة في قتالها وقتلها للمسلمين، كقتال عليّ ومعاوية رضي الله عنهما!، لا كتصرف عليّ مع الحرورية. والحق الذي أوضحناه مرات هو أنّ عليّ ومعاوية لم يكفر أحدهما الآخر قبل قتاله. وقد ذكر لي أخ حبيب أنه يعرف الكثير منهم، وأنهم ليسوا بخوارج، وهذا حديث مردود شرعا وعقلا. فمن قال إن الحرورية يولدوا حرورية، أو إنّ على جباههم وشماً يُعرّفهم؟ فإن كان المرء يصبح مسلما ويمسى كافرا، فما بالنا لا ندرك أنه يمكن أن يصبح المرء سنيا ويمسى حرورياً؟ ثم إن الفرق تعرف بأوصاف وصفات، لا بمعرفة شخصية. وقد بيّنا من قبل قاعدة ذهبية في هذا الأمر وهي "من قاتل ولم يكفّر فهو باغٍ، ومن كفّر ولم يقاتل فهو الغال، ومن كفّر وقاتل فهو الحروري". ونحن نريد أن نسمع دليلاً واحدا فرداً على أنّ هؤلاء ليسوا حرورية. لم يأت أحد بأي دليل علميّ حتى لحظتنا هذه، على ما دونّاه بهذا الصدد منذ 21 أبريل الماضي. ولا زلنا ننتظر أن يقوم أحد، من القاعدة، أو غيرها، بدحض ما قررنا بشكل علمي.

      المهم، هو أنّ هذا الخطأ في التوصيف قد سبّب خلطاً في أرض الواقع من ناحية، واضطراب في المواقف، وتضارب في التصرفات، وضبابية في الفهم، وأذى للسنة والعلم بها وتطبيقها. فمتى يكون تطبيق السنة لازماً إن لم يلزم اليوم؟

      ولا أريد أن أملى على أحدٍ تصرفاً أو موقفاً، لكن أود أن يكون الأمر واضحاً، أنْ لم يأت أحدا ممن عامل العوادية معاملة معاوية في قتاله لعليّ، وأنهم إخوة اختلفوا في الاجتهاد، بدليل واحدٍ يقف به بين يدي الله، أو يبرر به هذا الموقف أمام أصحاب العلم، أو طلبته.

      ثم ثالثا، أرى أن لهجة البيان العامة، لهجة اعتذارية، كأنها تقول "معذرة إخواننا، لكننا مضطرون أن نذكر أخطاءكم القاتلة، إذ قاربت ناركم أن تحرقنا"! هذا لا يصح من تنظيم على قدر القاعدة، التي حجمها وعملها يساوى أضعاف عمل تلك المارقة الغلاة.

      والمصيبة، أن رؤوس فتنة العوادية، لا يأبهون لما يقول مشايخ السنة والجهاد، بل هم يسيرون في طريق تدمير السنة لا يلوون على شيء. بل والله الذي لا إله إلا هو، لو وقع أحد هؤلاء المشايخ الأفاضل في أيديهم، الظواهري أو ناصر أو حارث، لضربوا عنقه بلا تردد، في طرفة عين، معلنين ردته. هؤلاء هم من يسميهم إخواننا "إخواننا"، ويسمون رأس بدعتهم "المكرّم"! سبحانك ربي. وها هو مسخهم ابن عواد يسمى كلمته "ولو كره الكافرون"، فأصحاب السبق والجهاد لديه ممن خالفه هم "الكافرون"، ثم نتردد في وصفهم بالحرورية، ونتمسح بأنها فتنة يتقاتل فيها الإخوة!!!

      ثمن رابعا، كيف يصرح أحد إنهم لم يعلقوا على "قتال الإخوة" في الشام، وتركوا الحال يتردى هذا التردي دون أن يكون لهم فيه قول وموقف، خاصة والجهة المُقَاتلة هي جزء من القاعدة أصلاً (جبهة النصرة)، حتى يصل الشقاق لصفوفهم؟ هذا ما لا أفهمه ولا استوعبه!

      ها نحن قد بيّنا ما كان يجب أن يُجمل في البيان، ورفعنا عبئ التصريح به عن إخواننا ليرتفع عنهم الحرج أمام أتباعهم ممن قد لا يعجبه مثل هذا اللون من القول. فإنه لابد أن يكون في زماننا من يبين الحق كاملا بلا اعتبارٍ لمصالح تظهر للعين، ويخالفها العقل والقلب، عبرة للتاريخ.

      وألحّ على الإخوة أن يكون موقفهم أكثر وضوحا، وحزماً، وأن يظهر في حديثهم العزة لا الضعف والخور، فإنهم لهم المنصورون، إن كانوا حقاً يحملون السنة ويسيرون عليها. ولا أظن هذا الضعف البادي على أهل السنة إلا من عدم تمييز البدعة وإعلان رفضها. أي والله لا سبب إلا هذا لو كانوا يعلمون.

      وفق الله إخواننا الأحباء وسدد خطاهم، وألهمهم الصواب والقوة في الحق، وإدراك أنّ المصلحة في اتباع السنة لا الحوم حولها.

      د طارق عبد الحليم

      23 نوفمبر 2014 – 29 محرم 1436


      [1]  راجع على سبيل المثال "الهداية السنية في البيعات العوادية جزء أول & ثاني" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72813 & http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72814