الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد
وصلنا في المقال السابق إلى أن تلك البيعات الي يعلن عنها تنظيم الحرورية، من أفراد متناثرين في مصر أو ليبيا أو اليمن أو خراسان، تقع في باب التحريم شرعاً والبطلان وضعاً، إذ أعطيت لمن لا يستحق "والتحريم هنا يأتي لغيره، كما أن الوجوب عند اكتمال شروطها يأتي لغيره. فالتحريم بسبب الإفساد الحاصل من جرّاء بيعة من لا يستحق. فإن لم يترتب عليها شيء، وقعت غير مكيّفة شرعاً، كأفعال العجماوات، أيّ لا تعنى شيئاً، وهو ما نرجحه في حكم تلك البيعات التي تسامعنا بها مؤخراً لتنظيم الحرورية"[1].
هذا من ناحية التصور الشرعيّ، الذي بدوره، يجعل الإتيان بها مفسدة في حدّ ذاته. ذلك أنّ المنهيّ عنه يحمل المفسدة في طياته، ولا تتحقق به مصلحة أبداً، وإن ظن فاعله ذلك. تماما كعمليات القتل العشوائي التي يقوم بها التنظيم الحروريّ ضد أهل السنة من المجاهدين، أو كثير من أبناء العشائر أو غيرهم بالشبهة، لا يمكن أن يحقق مصلحة، ولن تقوم به دولة ولا خلافة. ومن اعتقد ذلك فقد زعم أنّ في غير الشرع مصلحة، إلا أن تكون مصلحة وهمية طارئة عارضة، وإن طالت.
فإذا نظرنا إلى تلك البيعات، لم نجد في أيها مصلحة لأي فريق من الفريقين، المُبَايِع والمُبَايَع على السواء. فأي مصلحة لعدد يُعدّ على أصابع اليد في سيناء أن يتخذوا أميراً، في العراق، وهم مهددون مطاردون، بل نصفهم في السجون معتقلون؟ ليس من مصلحة أصلاً في هذا، إلا أن نعود لنقطة أنهم توهموا أنّ البيعة واجبة ديناً كما أوضحنا، وهو أسّ البلاء. كيف يمكن أن ينصرهم البغداديّ، وهو نفسه مطارد، مختفٍ، يحارب السنة، والرافضة والصليبيين على السواء؟ هي إذن بيعة لا تتحقق بها المصلحة التي أرادها الله سبحانه، لا بتوحيد الكلمة ولا بالنصرة، إلا بمضاعفة جهد العدو في سفك دماء المسلمين وتشريدهم. وقد وعينا على إبقاء الولاءات في العمل الإسلاميّ طيّ الكتمان، حتى لا يستغله المتربصون، كما فعل الشيخ المفضال حكيم الأمة د أيمن الظواهري، حين قطع العلاقة إعلامياً بين القاعدة وتنظيم الدولة، قبل عصيان أمير التنظيم وخيانته، حتى لا يحرجهم أمام العالم بعلاقة مع أخطر تنظيم معاد للغرب على وجه الأرض، دون أن يكون هناك داعٍ لذلك، أو تفاخر ببيعتهم له أو تلك الأغراض الدعائية المريضة التي يخدمها ويستخدمها هؤلاء الحرورية.
ثم الجانب الآخر من المفسدة، هو تحريم بيعة المبتدع ابتداءً. ونحن نعلم كثيراً من هؤلاء الشباب، بل كثيراً من القادة، بل كثيرا من الرؤوس في السنة، لا يعلمون بدعية هؤلاء، ولم يصل مستواهم العلميّ من ناحية، أو اتباعهم لمشايخ العلم من ناحية أخرى، إلى أن يتحققوا من هذا التوصيف. وهذا أحد نقاط الضعف الشديدة في منهج السنيين اليوم، إذ فيه لين بارتخاء وورع ببرود وخشية بإحجام وتقوى بضعف، قدموا الغضب لبشر مبتدع على الغضب لله ولمنهجه، فصاروا فيما نحن فيه اليوم. ومن ثم، تجد هؤلاء يتورعون عن صدّ المبتدعة، ونصرة السنة، وهو ما لا يكون، إذ نصرة السنة لا تحدث إلا بمقارعة البدعة، ولا يتوافق صاحب سنة وصاحب بدعة أبدا.
وإذا نظرنا إلى تلك البيعات، وجدناها طبل في زمر! إذ في خراسان، راسلهم عدة أشخاص، فقالوا "البيعة الخراسانية". وفي ليبيا، نفس الشيء، مع ضعف شديد لدى الإخوة هناك مما مكّن لهؤلاء لشدتهم ووضوح مذهبهم. وفي مصر، فهؤلاء أفرادٌ يعدّون على الأصابع، نصفهم مطارد ونصفهم في المعتقلات. وفي اليمن، لم نسمع لهم ركزا، إلا ذلك الدعيّ، صنيعة تويتر، مأمون حاتم، الذي "كش ملك" حين لم ير لدعوته للباغية أثراً هناك، مع خلل في تصنيف الإخوة لهم وتعاملهم معهم كذلك.
فهذه البيعات لا تزيد عن فرقعات إعلامية، وفقاعات صابونية، لا تأثير لها على أرض، إلا في قول العامة، الذين لا عقل لهم أصلاً، وفي أنظار جهلة المخلصين، من الشباب الذين لا يعلمون حقا من باطل.
د طارق عبد الحليم
13 نوفمبر 2014 - 19 محرم 1436
[1] http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72813 " الهداية السنية في البيعات العوادية جزء 1