فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بديل الخليفة!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد

      فقد سارت شائعة مقتل "الخليفة" السامرائي مسرى النار في الهشيم، منذ اللحظة التي أطلقتها المخابرات العراقية، هادفة إلى محاولة إخراجه من مكمنه، أو طرح البديل الفوضوي بين أتباعه.

      والحق، أننا قد شككنا في صحتها منذ اللحظة الأولى. ذلك لأسباب منها قرب عمليات القصف، مما يجعل فرصة تصيده محدودة إلى الآن. ثم لم يكن في المصادر التي نشرتها أيّ مصدر له مصداقية حقيقية يخشى أن تتأثر بظهور كذب الشائعة. ذلك عدا وضوح آثار الفوتوشوب على الصورة التي نشروها، كأنها من عمل هاوٍ لا محترف.

      لكنّ هذه الإشاعة، على كذبها، قد أثارت بعض التساؤلات الهامة، كما أوضحت بعض الحقائق في موضوع "الخليفة".

      من تلك الحقائق، أنّ السامرائي ليس بكبير على القتل في عملية قصف، تماما كما يموت الأطفال والنساء والشيبان كلّ يوم، من جرّاء غباء تصرف قيادته، البعثية أو غير البعثية، في استعجال جلب القوى الصهيو-صليبية إلى المنطقة. وكأن القصف النصيري لم يكن كافياً لجلب تعاطف من دخلت عليهم شبهات الحرورية في أنحاء العالم الإسلامي الجاهل، فأرادوا رفع درجة التعاطف ولو على حساب مقتل الآلاف من الأبرياء. لكن قد عاد مكرهم عليهم، وأصبح السامرائي اليوم متسردباً أشد ما يكون التسردب، خشية الهلاك في قصف جرّه على نفسه، وعلى أهل العراق والشام.

      كذلك، فإننا لم نسمع كلمة تعاطف واحدة من أيّ عالم معتبر، تشيد به وبجهده ومقتله! وشتان بين ما سيكتب التاريخ عن مشايخ السنة الأجلاء أسامة والظواهري وغيرهما، وبين ما سيخرج به السامرائي من ذكرى، فلا حسرة عليه.

      لكنّ التساؤل الأكبر والأهم، هو من سيكون "بديل الخليفة"؟ من سيحل محله في حالة مقتله، وهو ما سيحدث بلا محالة، عاجلاً أو آجلاً، فقد وضع الرجل قدمه في المصيدة التي رسمتها له أمريكا، زينها له عقله، أو عدم عقله، وهي مصيدة محكمة محددة يختفي فيها، بين ديالي وحلب، لن يتعداها.

      وأهمية السؤال ليست من جهة التنظيم نفسه، بل هو هام جدا لبقية الفصائل العاملة في الشام. فإن غياب "الخليفة"، سيولد اضطراباً لا يتولد من غياب قيادة أخرى على الساحة. فالرجل قد ألبس نفسه "ثياب الخليفة"[1] دون استحقاق، وهي ليست بثياب يتبادلها فرد تلو الآخر. بل هي عملية اختيار "خليفة جديد" له شروطه، التي زوروها والتفوا حولها في غفلة من المؤمنين مرة. لكن هل ستكون الغفلة كلّ مرة؟ أم إن له ابناً يعينه في المنصب، "لقرشيته"، ويكون العدناني وصيا عليه حتى يكبر!؟ وهو احتمال لا نراه بعيداً، باعتبار عقليات من نتعامل معهم في هذا التنظيم.

      أهناك آلية موضوعة لاختيار الخليفة الجديد؟ وما هي؟ أهي تصرفٌ عفو الساعة أم أمر يقوم على شرع؟ ومن واضعها؟ وكيف ستطبق؟ وما دور الأمة بأجمعها في اختيار خليفتها الجديد؟ أم هو خليفة "مخصوص" لمحلة محددة؟

      في تلك الساعة، وما أحسبها إلا قادمة بلا مناص، سيقع هؤلاء من أصحاب الخليفة في شرّ عملهم. فلا أحسبهم قد امتد بهم التفكير إلى مثل تلك الظروف. وإن مرت ساعة بخاطرهم، قالوا: وما المشكلة، ننتخب خليفة آخر! وكأن دنيا المسلمين قد حُصرت في ذلك العدد المتضائل من البشر المبتلى.

      من سيكون بديلا للسامرائي في قيادة الحرورية؟ لا أظن أنّ هؤلاء قد أعدوا نسباً شريفاً لرجلٍ آخر يخرجون به على الناس ليَخْلف الخليفة! إلا إن كان لديهم مصنع نسبٍ جاهز. وهو شرطٌ جعلوه مما انفرد به السامرائي، على وضعه، ليرفعوا قدره على قادة الجهاد ممن ترفع عن مثل هذا الكذب أن ينشره.

       أيستغنى الحرورية ساعتها عن شرط القرشية؟ ولم لا، والباب مفتوح على مصراعيه في فكر أسلافهم الذين أنكروا شرط القرشية ابتداءً. لكن عليهم أن يبدأوا في التجهيز النفسي لأتباعهم في هذا الاتجاه، منذ اليوم، إلا إن أصبغوا على السامرائي ظلال "باقية" فأصبح هو بدوره "باقٍ".

       ساعتها، يقع الجنود والأتباع في حيص بيص. أيتابعون الخليفة الجديد، أم يظهر لعدد منهم حقيقة خرافة الدعوى أصلاً فينشقون عنه؟ أم يحدث انشقاق بين الاتجاهات الداخلية في التنظيم، فينهار وحده؟

      أمرٌ يستحق التأمل، وورطة لا أظنّ أنهم أعدوا لها العدة.

      د طارق عبد الحليم

      9 نوفمبر 2014 – 17 محرم 1436


      [1]  بحث هام للشيخ أبي قتادة الفلسطيني ننصح بقراءته.