فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أصل البلاء عند أهل الأهواء - الفكر الحرورية - 2

      الأخطاء التي يجب الحذر والتحذير منها  

      إن الحمد لله نستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد

      انتهيت في المقال السابق إلى أنّ "هذا النهج من النظر، الذي يلغي كليات شرعية، ثبتت من عديد من النصوص، فصارت بها قواعد عامة حاكمة، لصالح نصٍ له مناطه الخاص تارة، أو كونه حكاية حالٍ أو قضية عين تارة أخرى، هو أسّ البلاء في باب البدعيات".

      ومن الأمثلة كذلك استشهادهم بحديث البخاري عن جابر "نصرت بالرعب مسيرة شهر". استدلوا على أنّ الرعب الذي يلقونه في قلوب المسلمين لسماع قدومه هو ما نصر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا منتهى الخطأ والتجني على السنة. فإن الكفار هم من ألقي في قلوبهم الرعب، لا من أسلم. والإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستلزم التسليم له عليه الصلاة والسلام. أمّأ التسليم إبراهيم بن عواد السامرائي فليس إسلاماً، بل هو تسليم لعصابة شرّ مستطر.

      كذلك ما جاؤوا به في موضوع الذبح، وهو يقع تحت نفس الأصل المنحرف، حيث اعتبروا جزئيات وردت في الشريعة، بنوا عليها أصلاً لا يتأصل وقعّدوا بها قاعدة لا تنهض. وقد رددت عليه تفصيلاً في مقال بعنوان: هل ذبح البشر من الإسلام – جُرْمُ على جُرم؟[1] فارجع اليه.

      وهذا الذي قلنا تجده منبثاً في أدبياتهم كلها، سواء كان استشهادهم بنصوص قرآنية أو حديثية، أو كان بإيراد أقوال أئمة في مواضع لا تليق بالاستشهاد، كما أوردوا قول النووي في باب قتال المحاربين من دفع الصائل تدريجياً حتى لو وصل إلى قتله قُتل، وهو ما ورد عن بن تيمية كذلك، فإن ذلك ثابتٌ في حكم الصائل، لا في حكم المخالف.

       (3)

      اعتبار الكليات والعمومات دون جزئياتها ومخصصاتها:

      يجب أنْ نذكر هنا أن تمزيق أوصال الشريعة واتخاذها عضين، هي السمة الرئيسة لأهل البدع عامة، وللحرورية خاصة. وكما يقع الحرورية في الاشكال الأول من اعتبار الكليات دون جزئياتها، يقعوا في النقيض والضدّ من هذا، باعتبار الكليات دون جزئياتها، وهو دليل على التخبط في المنهج، بل عدم وجوده أصلاً. فالمنهجية تستلزم وحدة في طرق النظر، لا تضاربا صارخا بينها.

      والخلل الأول، اعتبار الكليات دون جزئياتها، ينتج تلك الفتاوى المخالفة للسنة النبوية في أبواب المعاملات بشكلٍ عام. أما الخلل الثاني، اعتبار الكليات دون جزئياتها، فهو أخطر شأناً، إذ ينشأ عنه الخلل العقدي أساساً.

      ذلك أنّ الحرورية قد نظروا إلى النصوص العامة، مثل "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، أو "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، فأطلقوها دون قيد أو شرط، على عمومها، دون أن ينظروا في الحالات التي قد تقع تحتها، من اعتبار المقاصد أو تحقيق المناطات، أو وجود الموانع. وهذا هو عين اتباع المُتشابه وترك المُحكم. فقد أجمع علماء الأصول، من المُعتبر إجماعهم، على أنّ العمومات والمطلقات دون مخصصاتها أو مقيداتها، هي من المتشابه، وتقع تحت مفهوم آية آل عمران "فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌۭ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ"7. فإن أحد أوجه المتشابه هو غير الواضح بذاته، وما يحتاج لغيره لبيانه، كالعام والمطلق والمجمل. ولذلك يجب الرجوع فيه إلى العلماء الراسخين بنص الآية.

      ومن هنا انفتح باب التكفير بالعمومات، وباب تكفير المسلمين، ومن ثمّ قتلهم، على مصراعيه، كما انفتح باب الفسق والفجور على مصراعيه من نفس الباب لدى المرجئة باعتبار العمومات مثل "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة". تشابهت قلوبهم.

      ولسنا هنا نقصد ما قصد اليه المرجئة من اسقاط قول بن عباس "كفر دون كفر" على آيات المائدة، بل قد رددنا عليهم عشرات المرات[2] وأوضحنا أنّ هذا في الرد ّعلى الأزارقة الذين جعلوا ارتكاب الذنوب والظلم في بني أمية كفراً، وأرادوا حمل ابن عباس علي القول به، وهو ليس بكفرٍ أكبر، إذ ليس تشريعاً من دون الله. إنا نقصد هنا اعتبارات أخرى، كالتأويل أو شبه الاكراه أو غير ذلك، مما قد يرفع صفة الكفر الأكبر في بعض المناطات. وإطلاق الأحكام جملة دون تفصيل، هو عمل الجهال من الرجال، إذ لا تستوعب عقولهم التفصيل ولا فهومهم المناهج.

      وقد دوّنت مقالاً مخصوصاً، تحت عنوان "رفع الشبهات في موضوع الولاء والبراء"، من جزئين، فليرجع اليه من شاء التفصيل[3] في هذه الجزئية.

      وقد أعان على تلك الفتنة، عالم آل سعود، الحازميّ، الذي تخصص في تتبع عبادة القبور وترك عبادة العروش والقصور، وكيف لا وهو يعيش في أكناف أصحاب العروش والكروش ويدرّس في معاهدهم، فخلّط في مسألة الإعذار بالجهل، ومنح العوام صكّ الفتوى في الدماء والأعراض. وقد دوّنا مقالات في الرد على ادعاءاته، وحمّلناه كِفلا مما حدث للمسلمين بسبب جهله بمآلات الكلام، على خطئه في أصولها ومناطاتها.

      لذلك، ترى التخبط في أحاديث هؤلاء، سواء متحدثهم، صبحي حمام، المعروف بالعدناني، من استشهادات في غير محلها، بعضها عمومات يستدل بها على مخصوص، وبعضها جزئيات يستعملها للتعميم، أو ما يفيض به مواقع التواصل الاجتماعي من فتاوى عوامهم التي لا نهاية لها، والتي تشهد بالفوضى التي ألقوا فيها الساحة الإسلامية عامة. وهو أمر لا يحسن كشفه إلا عالم متحقق، كما كشفه الشيوخ الأفاضل السباعي والمقدسي وغيرهما.

      يتبع إن شاء الله تعالى

      د طارق عبد الحليم

      8 نوفمبر 2014 – 14 محرم 1436

      [1]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72725

       http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-140 راجع على سبيل المثال "البيان الجليّ في الردّ على المدخليّ" [2]

       http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72572   &  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72573  [3]