فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مصر ... والشّرعية الإسلامية

      إن الحمد لله نستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد

      حين أنشأنا التيار السني لإنقاذ مصر، مع أخي الحبيب الشيخ الفاضل د هاني السباعي، كان الغرض منه إنقاذ مصر من التوجه الإخوانيّ الذي رأيناه، وقتها[1]، ليس بمُجدٍ، لا في قريب آجل ولا بعيد عاجل. ذلك إننا رأينا أن الإنبطاحية والإستسلامية والتنازلات التي لا تتوقف عند حدّ، حتى حدود الشريعة الثابتة، لن تشفع لأصحابها عند الغرب الصهيو-صليبي. فهؤلاء لا يرضون إلا على من ربوه على الولاء لهم والكفر بالإسلام ابتداء. أمّا من تحدث بإسلام يوماً، أيّا كان نوعه ولونه، كالغنوشي الذي ارتد علنا في غالب قراراته الديموقراطية، أو الاخوان الذين تلاعبوا بمفاهيم الدين الثابتة، حكمة وسياسة، بزعمهم، فلم ولن يرضوا عنهم مهما كان. وها نحن نرى مصيرهم في تنحية الإخوان، والتشريد بهم في مصر، ثم حزب النهضة الشركيّ في تونس. والعجيب أن أحبار الديموقراطية "الإسلامية"، القرضاوي وشلته، لا يزالون يسيرون في نفس الخطى الثابتة إلى الى الهلاك، يهنئون العلمانيين "بعرس الديموقراطية" في تونس!، "ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشدا".

      لكننا ما فتئنا أن أدركنا أن إنقاذ مصر ليس بتغيير نظام حكمٍ، أو تبديل حكومات، بل الأمر أكبر من ذلك وأعمق.

      وتحول إنقاذ مصر، من إنقاذ لشعب غالبه مظلوم، إلى إنقاذها من شعب ضلّ غالبه طريقه في الدنيا، فتبع هواه، وانحرفت فطرته.

      إنقاذ مصر لم يعد بتكوين جماعة مسلحة، ليست إلا ندرة بين الناس، تضرب موقعا هنا أو تقتل جنودا هناك، فإن هذا لن يقضي على جيش كامل دان بالولاء لسيده السيسي، ونظام متكامل يدعمه بكل وسائل الدعم. بل هذا قصور في فهم الواقع وتقدير احتياجات تغييره وقلب معادلات وجوده.

      إنقاذ مصر لن يكون، والله تعالى يقدّر الأقدار، إلا بالعمل على تغيير قناعات واعتقادات شعب ارتدّت كثرته، بعلم أو بجهل، فليست هذه نقطة البحث، ومن ثم تكوين قاعدة شعبية متوازنة، تتراوح في موقفها من القلة المتحركة بين المؤيد القليل والمحايد الكثير. هذا أكثر ما يطمح فيه من أراد تغييرا في مصر. إذ اليوم يتأرجح موقف القاعدة الشعبية من الندرة المتحركة بين المعادي الكثير والمحايد القليل، وهي من ثم معادلة لا تنشأ توازنا، بل تميل بالكفة في صالح الكفر القائم، والفسوق السائد والعصيان المستقر.

      لقد تكفّأ الشعب المصريّ في مسيرته الأخيرة نحو حرية موهومة، بنيت على سراب بقيعة ديموقراطية إخوانية، فلما عاجلها وعالجها النظام العالمي بيد عصبة الشر العسكرية، التي اعتمدت على جيش خائن عميل مدرب على الولاء لمن يطعمه، وعلى مؤسسات تقوم على خونة عملاء أو أتباع أذلاء، ثم على مخزون هائل من الحشد الاعلاميّ والنفسي طوال ستين عاما كاملة، يزحزح الإسلام عن مكانته، ويطيح بالعلماء ويقتل الدعاة وينشر الفسق والعهر والرضى بهما بالتعود عليهما، فانقلب الشعب على وجهه، بعد تكفّئه.

      راهن الإخوان، وما أكثر رهاناتهم الفاشلة، على تحركاتِ ندرة كالعدم، في بحر الشعب المصريّ، سلاسل بشرية ومظاهرات أسموها "مليونية"! وكان الفشل واضحا جلياَ منذ الأيام الأولى لسيطرة السيسي على البلاد. وأصبح الصراع يدور أساساً على شاشة الجزيرة، وينحصر غالبا في توصيف سيطرة السيسي، ثورة أو انقلاباً! وكأن في ذلك حلّ القضية، وفي اتباع أمانيّ أنّ "الانقلاب يترنح"، ومن قال غير هذا فهو متشائم جهول. قلت في مقال لي، نشر بتاريخ 25 أكتوبر 2013، تحت عنوان "جيل الاستبدال ... وجيل التمكين": "إن القلب ليكاد ينفطر حين أقول ما سبق أن قلت، أنّ الباطل قد غلب في هذه الجولة ..." وقلت "هذا الإعداد هو حق الله علينا الآن. حق الله على القادرين عليه. القادرين على منحه، والقادرين على تلقيه. العلماء والدعاة، وطلبة العلم والحركة. يحسن اليوم بالعلماء والدعاة، من بقي منهم خارج السجون، أو من بقي في قلبه ذرة من شجاعة ممن هم خارجها، أن يدرك أنّ العلم الشرعي الأكاديمي ليس هو المطلوب لإعداد جيل التمكين. فنحن لا نعيش في ظل دولة إسلامية، نتفيأ ظلال العدل ونتحاكم إلى الشرع، فنتمتع بالبحث العلميّ وتحقيق المخطوطات، وتدوين الهوامش على كتب السلف. هذا علمٌ يصلح في عصر الخلافة إن شاء الله، لكنه ليس علم إقامة الإسلام بلا خلاف."[2]

      المهم اليوم، بل الأهم، أن تجد الدعوة وسيلة ومتنفساً لتستمر ولو على أضيق نطاق، فإن خطة العدو واضحة، وَأد الدعوة في مهدها، بكل وحشية وبلا رحمة، بل ووَأد كلّ فضيلة قد تؤدى يوما لإحيائها، ونشر كلّ رذيلة تؤدي إلى البعد عنها.

      والمهمة اليوم قد تبلغ من الصعوبة حداً يصل بها إلى مشارف المستحيل. فقد استوعب العدو دَرس الحَركات الشّعبية العربية، ونهوضها ضد الظلم، ففكّر وقدّر، فقتل حيث قدّر، ثم عاد كأشد ما يكون عداءً وبطشاً وإجراماً سافراً. وساعده على ذلك إعداد ستين عاما من علمنة للفكر وشيطنة للإسلام. كما أعانه علماء سوء، دسّوهم وأنموهم على أعينهم، بلغ بهم المبلغ أن يرتدوا عن دين الله جهارا نهارا، حتى إن أحدهم قال بكل تبجح، ذاك اليوم على التلفاز، إن النصراني المقتول شهيد في الجنة، بل قد يكون أعلى درجة من المسلمين!

      عاد الأمر اليوم كلية إلى غيبِ الله المكنون، وقدرِه المخزون، لا نعلم عنه شيئا. وما علينا إلا أن نحاول ما استطعنا، ثم الأمر بيد صاحب الأمر، يتدخل بحولِه وقوته لحفظ دينه من الزوال. وتدخله سبحانه واقع لا محالة، لكن لسنا في موضع لنعرف الكيف. هذه أيام تَدَبر آياته سبحانه "حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا۟ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ" يوسف 110.

      د طارق عبد الحليم

      2 نوفمبر 2014 – 9 محرم 1436


      [1]  http://www.tayarsunni.com/ar/news.php?readmore=10

      [2]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-71806