فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بين أصحاب المَنْهَج ... وأصحاب البَهْرَج!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه، وبعد

      عجيب أمر المنهج هذا! كلُّ من على الساحة، وخارجها، يدعى السير على المنهج، كلهم، بلا استثناء، ثم كلهم يتقاتلون! أي منهج هذا الذي يتقاتل تابعيه؟ وكيف يكون منهجاً له قيمة فعّالة إذن؟ إذ المنهج الواحد، وبكلمات أخر الطريق الواحد، لازم لهدف واحد، فإذا تعددت السبل والطرق، فلا وحدة في المنهج إذن، مهما ادعينا.

      إذن، فلا أخوة في المنهج مع من يرانا كفاراً مرتدين، فيقاتلنا ونقاتله، فيقتلنا ونقتله. قد تكون أخوة في الإسلام العام، إن بقيَ على الإسلام بعامة، لكنّ "أخوة المنهج" ليست أخوة الإسلام. المنهج هو الطريق الذي أسسه القرآن الحكيم، وبينته السنة، وسار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتابعه عليه الصحابة وأهل القرون الثلاثة الفضلى، في تحويل أحكام الإسلام إلى واقع عمليّ، حياة وجهاداً. ومن هنا نفهم لماذا قال عليّ بن أبي طالب ما قال عن الحرورية الأوّل، ولهذا لم يسوّهم بالكفار في التذفيف على الجرحى، وسلب الغنائم وسبي النساء، كما يصح فعله مع النصيرية.

      فما هو إذن المنهج الذي تدّعيه تلك الجماعة الحرورية؟ هو ليس منهج النبوة بلا شك، إذ أصول المنهج هذا أعلى وأجلّ وأدق من أن يفهمها، بله السير عليها، هؤلاء، لعدم العلم، واستصحاب الهوى، والنظر في نتائج أفعالهم على الأرض يؤكد ذلك. شقٌ للصف، وتشتيت للتوجه، وإسالة دماء محرمة، تقع على الجانبين. وإن قال قائل، فالدماء على الجانبين، فما بالكم تلوموننا؟ قلنا على رأس ابن آدم، قاتل أخيه، كفلٌ من كل دم مهراق بعد أن سنّ سنته السيئة. فهم أول من كفّر، ثم قتل، وانسحبت من بعد ذلك سلسلة القتال والقتل.

      إن لمنهج النبوة شقان، شقٌ عامٌ، وشقّ خاص. فالشق العام، يُعنى بالمبادئ الكلية التي يجب أن تُراعى في كلّ حال، مثل أن المصالح معتبرة، وأنّ دفع المفاسد مُقدم، وأن الضرر يُرفع، ومثل هذه القواعد التي تتأصّل في العقل فيعمل بحسبها ابتداء. وهي كثيرة مستخلصة من كافة جزئيات الشريعة بالاستقراء التام او الناقص، على حسب. ثم شقُ الجزئيات التي تتمثل في الأحكام الجزئية النصية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة رضوان الله عليه، ومواضع إجماعهم واختلافهم، ثم مواطن إجماع العلماء، ثم ما ثبت باجتهاد صحيح. فإذا تم هذا، وعرف الناظر أصول كل إمام في النظر، وفهم ما يعنيه الفقه المقارن، جاء دور المناطات وتنزيلها على قواعدها الخاصة أو أحكامها إن وجدت، أو استحداث ما يليق بها مع مراعاة الشقين اللذين تحدثنا عنهما.

      هذا منهج النبوة، استنباطاً واستقراء واستدلالاً واستخراجاً.

      ثم إذا بمنهج البَهْرَج. منهج من لم يعي عن الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم تفاصيل النهج النبوي، لا أصولاً لا فروعاً. ليس له سندٌ، لا عالٍ ولا منخفض، ولا نسبٌ، لا شريف ولا وضيع! لا يتصل بقول عالم ولا اجتهاد مُجتهد. بل من أهله من فسق أئمة السنة الأوائل، بل منهم من رأي أنّ عليا كان على خطئ في قبول التحكيم! أيْ والله. يقوم به رجالٌ لم يُحصّلوا في حياتهم علماً، ولم يتموا كتاباً، ولم يتعرفوا على مواضع الفقه وأصول الاستدلال والنظر، فراحوا يتجرؤون على النصوص، ويقذفون بها في وجوه أصحاب المنهج النبوي، بلا مناسبة ولا مطابقة ولا تنقيح ولا تحقيق ولا تخريج. كأن علم الأولين والآخرين أصبح نسيا منسيا، على يد جماعة من حوش الخلق، يتحدثون بزخرف القول غرورا. اغتروا بحديث رجال لا في العير ولا في النفير، وتولى كبر أهل الزخرفة الحازميّ والسامرائي، ونطق بها غروراً صبحي حمام المعروف بالعدنانيّ. ويشهد الله وملائكته وخلقه أنهم تصدّوا لما ليسوا له بأهل، من قريب أو بعيد.

      وشأن منهج البَهْرَج أنه يُرضي العامة، ويتبعه من في رتبة "كلّ مُتَكِّلفٍ مُتَخَلِّفٍ مُتَدَني بنفسه" كما ذكر بن القيم في وصف رتبة من تصدى لاجتهاد دون أدواته، في المرتبة الخامسة من المجتهدين، في كتابه الفذّ "أعلام الموقعين".

      ومن عجائب زمننا هذا هو ظهور المنحط، وعلو قدر السافل. فترى أصحاب الدين والعلم والاحترام، من أصحاب المنهج خلف الصفوف. وترى الوضيع والجاهل في مقدمتها. وشاهد ذلك كافة من يعتلي سدة الحكم في أيامنا. ليس فيهم صاحب رشد أو مروءة أو احترام. ولم يخرج العوادية، أصحاب منهج البَهْرَج عن هذا النمط السائد، بل ظهروا تبعا لقوانينه التي تسوّد الأخس وتضع الأكرم.

      ومن قواعد منهج البَهْرَج، إسقاط أقوال العلماء، أيّا كانوا، طالما لا يقولون بما يملى عليهم بَهْرَجُهم، وادعاء الاجتهاد لكلّ مُتَكِّلفٍ مُتَخَلِّفٍ مُتَدَني بنفسه. ومن قواعده إسقاط ما يرد في الحديث عن أخبار آخر الزمان على أصحابه. وأعطيك مثالا يغنى عن كثير من الكلام، لتعي سخف ما يذهب اليه الطغام. تصور رجلاً عرف من حديث صحيح أنّ الدجال أعور، وهو يكره جار له ويتمنى أن يكون جاره الدجال. فإذا به يذهب يوما فيفقأ عن الرجل، ثم يصيح في الناس: ها هو أصبح أعورا! ألم أقل لكم إنه هو الدجال! فهنا تراه اصطنع أمورا، ثم ركبه على الحديث ليخرج بما يريد.

      ولم نذهب بعيداً، فشأن جهيمان العتيبي ليس منا ببعيد، أغتر باسم محمد بن عبد الله القحطاني، وبالظلم الواقع في الجزيرة، وبقدوم مطلع القرن الهجري الجديد، فكان أن أكمل الصورة باللياذ بالحرم وبإعلان صهره محمد القحطاني "المهدى المنتظر"!، بل وأصدر كتيبا في موضوع "الإمارة والبيعة والطاعة". ظروف كلها مهيأة للمهدىّ المنتظر، وما هو بالمهدي المنتظر، إذ قتل محمد بن عبد الله القحطاني أولاً، ثم قطعت رأس جهيمان لاحقاً.

      فهذا هو منهج البهرج، وتلبيس الأحاديث، على واقع معين باعتساف جاهل وتخلف مقيت وخيال مريض. وهذا هو ما فعل السامرائي وتابعه صبحي حمام. ادّعى الدولة، ثم الخلافة. وصارت جماعته، من العَته أن تتحدث عن أخبار دابق والملحمة الكبرى. تخلف ذهنيّ، سينتهي بزوالهم، كما زال من قبلهم، وكأني أنظر إلى مصارعهم.

      لكن المشكلة اليوم هي اتساع الخرق في جسد الأمة وضياع فرصة لاحت وأمل انبعث.

      هؤلاء هم أصحاب منهج البَهْرج، ضلال وعمى، انحراف هوى، محنة وفتنة، لكن الله من ورائهم محيط، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.

      د طارق عبد الحليم

      31 أكتوبر 2014 – 8 محرم 1436