فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      دول السقوط ... وسَقطُ الدول

      إن الحمد لله نستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد

      لا حول ولا قوة إلا بالله!

      يجد المسلمون السنة أنفسهم اليوم، بين صنفين من "الدول"، أولها الدول الساقطة، ارتد حكامها بلا خلاف معتبر، وعادوا الشرع، ووالوا أعداء الدين، من صليبيين وصهاينة وعلمانيين، ووجّهوا ثرواتهم للقضاء على أية حركة إسلامية، ولو منحرفة عن النهج الصحيح، طالما إنها تريد بعض الإصلاح، ولو إصلاحا اجتماعيا أو أخلاقيا أو اقتصاديا. فهؤلاء الحكام لا يقدرون على حياة مستقيمة، دع عنك إسلامية، إذ حياتهم السكر والعهر والنساء والقمار، وتكويم ثروات النفط وسرقة أقوات الشعوب. ثم يلحق بهذا القهر والظلم والقتل والاعتقال وكل سيئة أخلاقية، تعين على دعم بقاء الحال على ما هو عليه. وهذا الذي نصف والله لا خلاف عليه، بل يعرفه عنهم القاصي والداني.

      والفرق أن هناك في تناوله ثلاثة مذاهب، كلها يقرّ بالحال: أولها إخفاؤها بدعوى أنهم أئمة إسلام وولاة أمرٍ لا يجب نقدهم على الملأ!، وهم المداخلة وأدعياء السلفية وبعض علماء السلطان. وثانيهما: أنهم مخطئون يجب أن يقوّموا أو يستبدلوا، لكن دون الخروج عليهم، بل بطرق الديموقراطية، إذ لا يزالوا ولاة أمرٍ، وهم الإخوان والسرورية، وبعض آخر من علماء السلطان، والثالث، هم من يرون خروجهم على الإسلام، ومن ثم هم ليسوا ولاة أمر إلا بحكم الواقع. ومن ثم، يجب اقتلاعهم بالقوة، وهؤلاء هم كل من حمل التوحيد على معناه الأصيل. ثم ينقسم هذا المذهب الأخير إلى توجهين، توجّهٌ يرى أن تخرج جماعات مسلحة وتنظيمات جهادية على هؤلاء الحكام، فتزيحهم بالقوة، وهذا هو الفكر السائد حتى اليوم. وقد أثبتت تجارب عقود في عديد من تلك الدول الساقطة، أنه لا أمل كبير في هذا التوجّه الذي أسميناه بنظرية "النزّاع من القبائل"، في مقالات سابقة. والتوجه الثاني هو في التحرك بتنظيمات تتداخل مع الشعوب، وتتفاعل معها من الداخل، لتقيم أولاً أساساً وقاعدة شعبية مؤمنة، تعينها وتحتضنها، وتكون لها مدداً حارساً، ثم ليكون من المستحيل القضاء عليها، إذ لا يمكن القضاء على شعب إلا فكرياً، وقد خسر المسلمون المعركة الفكرية بالفعل في مصر والجزائر وغيرهما.

      ثم الصنف الثاني من "الدول" هو "دولة السَقط"، وليس هناك، من قدر الله الرحيم، إلا واحدة، هي سَقطُ البغدادي.

      ووالله، لم أجد تعبيراً أكثر لياقة ولا أدق وصفاً لذلك الكيان، الذي أوهم البغدادي الخلق من متابعيه، ممن لم يرزقهم الله الفطنة، أنه دولة، إلا "السقط". نعم والله، فالجنين السْقط، هو ذلك الكيان الذي يريد الله له ألا يتم خَلْقاً. فتراه يتكون مضغة ثم علقة، ثم إذا بأمر يأتي، يحرفه عن مساره الطبيعي في الخلق، فلا يستوي كائنا، بل يقذفه الرحم الحاضن "سَقطاً" من دم نجسٍ، شبه خلق، وما هو بخلق. والفارق الرئيس أن السقط، حدث بإرادة من بيده الحياة والموت، لكنّ سَقْطُ البغدادي حدث بإرادة الله الكونية، وبقصد السوء والانحراف العقدي وبدعة البغدادي وملئه وإجرامهم الطَبعيّ، وكراهتهم للجنس الإنساني، بغض النظر عن الديانة، وامتلائهم بحقد على الخلق عامة، يحسبونه ولاءً، وعلى أهل السنة خاصة.

      هذا السَقطُ البغدادي، هو العائق الثاني، أمام قيام دولة إسلامية صحيحة كاملة النماء، مستوية الخلق، حيّة الأعضاء. ذلك أن أثر سَقطُ البغدادي في الساحة الجهادية، كان أثراً بالغ السوء. فقد تناثر دم السقط الفاسد وقاذوراته على ما حوله من بني آدم من المسلمين فلوّث عقول الكثير بالفعل. وكما أنّ الرحم التي تُلقي بالسًقْط عادة، تبقي في حالة عجز عن الانجاب لفترة من الزمن، حتى تتطهّر جنباته وتخصب أوعيته، فإن ذلك السْقط من الدول قد أصاب رحم الأمة بما يصيب رحم الجنين السقط أمه.

      فلابد للأمة أن تنظف رحمها، وأن تتطهر من خبثها، وأن تلفظ بقية السقط العالق لا يزال في رحمها، تطهيراً كاملاً تاماً شاملاً، فلا يبقى منه أثر، ولا لمن يحمل خبثه وجود.

      هذان هما صنفا "الدول" التي وجدنا أنفسنا بينها. الأول منهما يملك قوة وعتاداً، وجيوشا وسجوناً، لكنه واضح قائمٌ نعرفه ويعرفنا، ونتربص به ويتربص بنا، دون مواربة ولا مخادعة. والثاني، يملك عقيدة بدعية منحرفة، يضعها ستاراً أمامه، هي سَقطٌ عقديّ كذلك، يخيّل به على الجهال والعوام وفاقدي الفطرة السوية وطالبي الشهوة ومتبعي الشبهة وكل من له غرض إلا دين الله السويّ. لكنهم أخفى وأغدر من الآخرين، كسرطان الدم، يسرى في العروق، يحسبه الانسان دما صحيحا يغذى أعضاءه ويمده بالحياة، وهو قاتله.

      د طارق عبد الحليم

      30 ذو الحجة 1435 – 24 أكتوبر 2014