فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الشرق الأوسط الجديد .. في مرآه السياسة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      يملي علينا تسارع الأحداث، وتقارب وقعِها، بشكل غير مسبوق في التاريخ، أن نعاود النظر في الوضع الشرق أوسطي، مرات بعد مرات، نرجع النظر في معطياته وتفاعلاته، ونتائجهما المتوقعة على الأرض. إذ يسعى الناظر، في كلّ مرة، إلى أن يعيد تقييم الأحداث بشكلٍ أدق، يجعله يقترب من الحقائق المستورة، ويكشف المقاصد المدفونة، تحت أقبية السياسة العالمية الخبيثة، الرامية أصلاً إلى إعادة تقسيم عالمنا الإسلامي، وإعادة تشكيله، لزيادة استنزافه، وسرعة تدمير عقائده وأخلاقياته.

      والمؤشرات الحالية كلها تشير إلى أن أمريكا، حارسة الليبرالية العالمية وحامية الصليب اليوم، قد قررت، منذ أكثر من عامين، على إثر التقدم النووي الإيراني، وبعد التحولات التي كادت أن تطيح بنفوذها في العالم الإسلامي إباّن ما أسموه "الربيع العربيّ"، أن تستبدل حليفها الأكبر في المنطقة، مملكة آل سعود في الجزيرة، وتتخذ إيران بديلا لها، كحليف استراتيجي، لأسباب عديدة. إذ رغم الانبطاح السعوديّ، والاستسلام التام لرغبات السياسة الأمريكية، ولأسياد آل سعود في البيت الأبيض، فإن الغباء السياسي، واستحواذ الشهوات على أصحاب العروش والكروش في المملكة، جعل الأمريكان يرون أنه من الأفضل أن يتخذ حليفاً أعقل، وإن كان أكثر خطراً، فإنه من السهل التعامل مع العاقل الماكر، عن الغبيّ المطيع. وآل سعود هم أغبى من وطئ الثرى، أتباع شهوات لا يشق لهم غبار في الغباء!

      ثم إن مصلحة أمريكا هي في التعامل مع جهة موحدة، لا متعددة منقسمة فيما بينها كما في الجبهة العربية الخليجية "السنية". هذا خلاف ما لدي النظام السعودي من مشكلات داخلية لا حصر لها، تتمثل في شعب منقسمٍ على نفسه بين محبٍّ لهم بغشم وبله، وعالم سلطان منافق خسيس، ومناوئ لهم بنفاق ومكر، كالسرورية والمدخلية. كما أن من مصلحتها عقد صفقة القرن مع نظام أقوي وأقرب للقوى النووية من هؤلاء السكارى عباد الفرج والكأس!

      النظام السعوديّ الآن قد سقط بالفعل، وهو الآن في نصف طريقه للارتطام بأرض الواقع Free Fall. والصفقة قد بانت معالمها، لم تعد خافية على أحد، بل لم يعد الغرب ينكرها.

      وتتلخص في مرحلة أولى وهي إيهام النظام السعوديّ أن عدوه الأول هم الإخوان، لصرفه عن عدوه التقليدي المجوسي. ومن ثمّ استنفاذ بعض أمواله، وخلق حالة عداء بينه وبين قطاع من الشعوب العربية داخليا وخارجياً. وقد تمت هذه المرحلة بنجاح تام.

      ثم بعد الانتهاء من مرحلة عداء الإخوان بدعمهم للسيسي، إيجاد "الفزّاعة" الجديدة، وهي "دولة الخلافة" المسخ، التي ساعدت، من جهتها في تحقيق المخطط الأمريكيّ وإن كان تخطيطهم لتحقيق مآربهم من الوجود على الساحة يعتبر فذاً قوياً. فإذا وجودهم معينا على إنفاذ مخطط أمريكا بأفضل مما لو قصدوه ابتداءً. فتنظيمهم الحروريّ، قد ضمن وجود فزاعة لآل سعود تعمل على تسارع سقوطهم، خاصة من الجهة المالية. فحمير آل سعود قد موّلوا السيسي نيابة عن أمريكا. ثم هم اليوم يمولون التحالف، الذي يتلكأ في "حربه" على الدولة، والتي أصبح واضحاً لكلّ صاحب نظر قصير أو بعيد، أنهم إنما يصرفون فيها الوقت والمال، لمجرد استنفاذ أموال الخليج لآخر درهم وريال. فهم يطلقون صاروخا تكلفته مليون دولاراً، تضاف لفاترة السعوديين، ليصيب عجلات عربة داعشية تكلفتها عشرين دولاراً! ووالله لو أرادت أمريكا إنهاء هذا التنظيم الصغير في أيام معدودة لأنهته، وما قوة صدام منا ببعيد! لكن لخلافة المسخ دور تريده له في التقسيم الشرق أوسطي الجديد.

      والتنظيم الحروريّ قد استعدى الغرب عمداً، دون أن يأبه بمن سيقتل من مدنيين في الشام خاصة، وساهم في التعجيل بهذه المرحلة وبهذا القصف المسرحيّ، بقصد أو بغير قصد، بقتله الصحافيين، ثم بقتله الصحافي البريطاني، حين تلكأت بريطانيا، لمعرفتها أن أمريكا لن تترك لها قطعة من الكعكة لصالحها، بل ستسلب منها الخليج الذي لها فيه مصالح كثيرة لا تزال. وكان غرض الحرورية في هذا التعجيل زيادة شعبيته بين العوام، وإظهاره "القوة" و"الصدع بالحق" و"إذلال الكفار" وهي معانٍ صحيحة وتطبيقات مريضة لكنها تخيل على العوام لشدة جهلهم، وكذلك شقّ صف جماعات السنة، لما عرفوا عن سذاجة الكثير من قياداته، ووجود بذور حرورية أو ورع بارد بين صفوفها. وقد تمّ لهم ما أرادوا.

      والسياسة العامة للتقسيم النهائي تقوم على تقسيم الجزيرة إلى أربعة مناطق:

      • الروافض في الجنوب، ممثلين في الحوثيين، وتبعيتهم لإيران
      • المثلث النفطي في الشمال الشرقي (الظهران-الدمام-الخبر) في يد القوة العسكرية الأمريكية بالفعل.
      • من غير المستبعد، بل الأقرب، أن تطلب إسرائيل إقامة منطقة عازلة عن محل الفوضى، تشمل تبوك.
      • منطقة الحجاز ونجد، وفيها تتصارع قوى السنة الأضعف، مع قوى الحرورية، ولا أستبعد استيلاء الحرورية على الأراضي المقدسة في مكة والمدينة.

      وفي هذا التقسيم، الابقاء على بشار النصيريّ، لحين من الدهر، ولا أعتقد أنهم قرروا التخلص منه بشكل نهائي بعْد، واستبداله أم لا. لكنّ المؤكد هو أنّ الإطاحة به ليست على أجندتهم اليوم. والمُخَطِطُ الأمريكي، لا يلقي بورقة في يديه، حتى يتأكد أنها استنفذت كلّ أغراضها، وأنه لن يحتاجها بعد على الاطلاق. ولذلك فهم لم يضربوا بشار كل تلك السنوات احتساباً للظروف القائمة اليوم.

      والإبقاء على بشار، يضمن استمرار الخوف المتبادل بينه وبين الحروريّة. والإبقاء على الحرورية، فيه ضمان استنفاذ المال الخليجيّ، ثم استمرار قتلهم للسنة نيابة عن أمريكا.

      من هذا النظر، ومع كرهنا الشديد للنظام السلوليّ العميل، واستعجالنا للقضاء عليه، فإننا نتساءل، هل سقوطه الآن، مع ضعف أهل السنة، وتشتت جمعهم، وعدم استعدادهم لتحمل مسؤولية التغيير، سيكون عاملاً مساعداً على إعلاء كلمة الرافضة والحرورية، وإسقاط الحرمين في أيدي من هم ليسوا بأفضل للسنة من آل سعود، ونعنى بهم الحرورية. هل إجرام آل سلول، وعدائهم للدين والسنة، أقل خطراً من التقسيم الذي سيعصف بالمنطقة كلها، حتى يتمكن أهل السنة من حلّ مشاكلهم، التي لا نرى إلا إنها ستكون تكراراً لما نراه من تفتت قواها في الشام، وضعفها أمام المدّ الحروريّ البدعيّ. وها هي القوي السّنية في الشام، لا تقوى على صد المدّ الحروري، لتوحد قيادته، ولخبث مراميه ودقة تخطيطه، ولبرجماتيته القصوى في التعامل مع أعدائه، ولمعرفته نقاط ضعف أهل السنة، وأولها الورع البارد على مستوى القيادات، والانبهار بمظاهر القوة على مستوى العوام.

      فلقائل أن يقول إن سقوط النظام السلوليّ، فيه مصلحة عاجلة بالقضاء على طاغوت مُزمن، طالما آذى الإسلام والمسلمين، وضيّع ثرواتهم ووالى أعدائهم، وإطلاق سراح آلاف من المعتقلين الأبرياء من سجونهم، إلا إنّ تحقيق المخطط الأمريكي الرهيب، في تقسيم المنطقة وإيقاعها بأيدي الحرورية والرافضة والنصيرية والعلمانية والصهيونية، يقتسمونها دون وجود للسنة على الاطلاق، هو أمر يظهر إنه أعلى فساداً من وجود هذه الفئة المفسِدة، إلى حين. وقد يلجأ الطبيب إلى ترك خنجر غائر في جسد المطعون، لا ينزعه، مخافة إحداث نزيف يقتله، حتى يهيأ الأدوات اللازمة لمواجهة النزيف، فهذا من ذاك.

      أقول: أسقطوا نظام آل سعود، نعم، أقولها عالية، فهو حكم مرتد عميل، لكن بعد أن نَعُدّ لما بعده عدته. لا تلقوا بكلّ ثقلكم على أنّ الشعب السعوديّ سيخرج وراء السنة، فجلّهم يحب مليكه، وكثير منهم يقف في صفّ الحرورية، والسنة أقل القوى الموجودة بالداخل. أفلا نهيئ الظروف لهذا السقوط، حتى لا تتلقفه أيدي الروافض وأهل البدع كما حدث في الشام والعراق ومصر وليبيا واليمن؟

      وهذا والله اجتهاد من اجتهادين، عرضتهما في هذا الموقف، ليكونا محل نظر من له نظر في هذه المسائل، وهما يقومان على أقرب السيناريوهات المتوقعة، إذ لا يقينيات في مسائل السياسة قط، ولعل الله أن يبدّل ظننا، بخير منه.

      نَصَرَ الله السنة، وفتح أعين قياداتها، إذ والله لا أحسب أن داءنا اليوم إلا الغفلة عما يقع، والقصور العقلي عن الاعداد له، علماً وتحليلاً وتخطيطاً.

      والله المستعان.

      د طارق عبد الحليم           

      26 ذو الحجة 1435 – 20 أكتوبر 2014