فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أخطاؤنا - بذرة الزقوم والشجرة الحرورّية الملعونة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      من لم يعرف نقاط ضعفه فقد غفل، ومن لم يعترف بها فقد تبطّل[1]. فالحق أحق أن يُتّبع، ولا خير فينا إن لم ندرك ضعفنا فنقوّمه، وأن نعترف به لنصححه.

      من هذا المنطلق، وبعد أن رأينا ما صارت اليه الأحوال في الساحة الشامية والعراقية، من عُلوٍ إلى تدهور، لأسباب عديدة، على رأسها نابغة المذهب الحروريّ، الذين شقوا صف الأمة، وقتلوا مجاهديها، وزرعوا الرعب من الإسلام وأهله في نفوس المسلمين قبل غيرهم، فكانوا بحق من وصفهم رسول الله صلى الله عليه سلم بكلاب أهل النار، وصحت فيهم سنته "لأقتلنهم قتل عاد"، فقد وجبت مراجعة النفس ونقد الذات، نقداً بناءً، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا عتاب معاتب.

      وإلقاء عبئ الخلل على عامل واحد، في معترك الحياة، سواء في السياسة أو الاجتماع، خطأ قاتل، يعكس سذاجة مركبة وتبسيط مخلّ. فإن الظواهر السياسية والاجتماعية يتسبب فيها عوامل كثيرة تتضافر لقيامها، وما كان لها أن تقوم إلا بذلك التضافر. فهي، كالمعادلات الرياضية، إن تغير فيها معامل، ولو قليلا، تغيّرت به النتيجة بالتمام، سنة الله "ولن تجد لسنة الله تبديلا".

      ومن هنا فإنه قد حقّ علينا، بعد أن حاولنا الإصلاح بين الفصائل من قبل أن تتبين لنا حقيقة التنظيم الحروريّ[2]، أو بعد ذلك بما حاولنا من دعوة للهدنة، عرفنا مقدماً مصيرها، أن نلقي بالتبعات على كاهل من أتي بها، ليكون كلّ فريق أعلم بما فعل، وأن يبدأ بإصلاح ما أفسد. ولن تأخذنا في هذا مداهنة أو رفق بصديقٍ أو مُوالٍ، فالأمر، كما قلنا من قبل، مصير أمة، وصلاح دين ودنيا، ثم معذرة إلى ربي، قبل هذا وذاك.

      والفرقاء الذين عاونوا على تمهيد وإيجاد سطوة التنظيم الحروريّ، بعد قدر الله الواقع، هم، فيما نرى، تنظيم القاعدة في خراسان، ومشايخ العلم في ساحة الدعوة السنية، وموقف الفصائل المقاتلة على أرض الساحة الشامية، ثم عدد من العوامل الثانوية الإضافية.

      تنظيم قاعدة خراسان:

      لا شك في أن قدر الله مفعول، لكن لا شك كذلك في أنه يجب إتباع الأسباب، مع ترك النتائج لله تعالى. ومن هنا فإننا نرى أن الخطأ القاتل جاء من عدم تمييز قادة القاعدة لهذا المنهج من أول ظهوره، قبل عهد أبو عمر البغداديّ. بل إنه من الموثّق أنهم عرفوا بعض مظاهره، لكنهم لم يتخذوا الخطوات الكافية الكفيلة بإيقاف تسرّبه وسط قاعدتهم الشعبية والعسكرية، رغم محاولات من الشيخ أسامة رحمه الله. بل تركوا زعامة تنظيمهم لمجهول لديهم، قبل أن يتحققوا من توجهه شيئاً، وهو إبراهيم بن عواد، حيث أقروه قبل أن يصلهم ما طلبوا من معلومات موثقة لعقيدته وخلفيته. والأدهى من ذلك، مخاطبته كأنه امرئ ذو شأن، كما فعل فضيلة الشيخ د أيمن الظواهري، حفظه الله وغفر له، في حديثه عنه، وكأننا لا نعلم توجيهات السلف في مخاطبة مثل هؤلاء المبتدعة من وجوب تسفيههم وتحقيرهم.

      والأمرّ من ذلك، أنهم حتى الآن لم يصدر عنهم حتى الآن، رغم بيانهم لنا نقض هذا الغرّ بن عواد للبيعة، توضيحا لموقفهم من هذا الفصيل. هذا فيما أرى من أشنع الشناعات التي يمكن أن يقفها فصيل سنيّ العقيدة تجاه بدعة واضحة جلية لا يختلف عليها مسلمان، من طلاب العلم، بله العلماء.

      وهذا الموقف من قاعدة خراسان، قد ساهم بشكلٍ رئيس، ولا يزال، في دعم هذا التنظيم وشدّ أزره، ومن ثم فإن تبعات أفعاله تقع، بشكل غير مباشر، على عاتق أمراء القاعدة.

      مشايخ العلم في ساحة الدعوة السنية:

      وهنا، أسجل اعتراضي، مرة أخرى، على تصرفات عددٍ من أكابر الدعوة السنية وعلمائها، إذ قد تهاونوا في حقّ إظهار الحق وبيانه، ولا يزالون، بل وصل الأمر إلى ما يراه البعض مداهنة في موقفهم، عللوها بالحكمة تارة، واللين تارة، وأخوة المنهج تارة، وبالوقوف معا صفاً ضد العدو المشترك تارة، وغير ذلك مما لا يصح ديناً ولا واقعاً ولا منطقاً.

      فمن هؤلاء من لا يزال يتردد في أن يصف هؤلاء بما وصفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن يبيّن حقيقتهم، سواء رأى أنهم حرورية، أو فرقة جديدة تختلف عنها، من حيث إنهم اختلفوا عن الحرورية في التدين بالكذب والخديعة للمسلمين. والحق أنني أحسب أنّ إعراض البعض عن توصيف جماعة الحرورية بوصفها الشرعيّ، لم يأت لنقص علم، أو الافتقار إلى دليل، بل هو مجرد التحسب لتبعات هذا التوصيف، من التزام بما جاء في طريقة التعامل معهم في الحديث، بقتالهم وقتلهم تل عاد، سواء قلنا بكفرهم أو لا. لكنى كذلك لا أرى كيف ينجي هذا التحسب من التبعات في الدنيا، من تبعات أداء البيان في الآخرة.

      صحيح أن كثيراً من علماء أهل السنة الأفاضل فضحوا عوار هؤلاء وبينوا شنار مذهبهم، مثل د هاني السباعي والشيخ محمد الحصم وغيرهم، ومنهم من وصفهم بالغلو، لكن هذا لا يمنع أن غيرهم قد يكون – بغير قصد ولا عمد – قد أتاح الفرصة لفكر هؤلاء الحرورية أن ينساح دون أن يقفوا له بالمرصاد. فإن الساحة الإسلامية كما نعلم، يرتع فيها الجهل رتع البهيمة في الحقل الخصيب، فلا يصلح لأبنائها الإشارة والمفهوم، بل تجب فيها العبارة والمنطوق، بل التحديد والتسمية. هذا حال أبناء الساحة الإسلامية. فإذا ببعض المشايخ، ممن كنا نأمل منهم الشدة والقوة، يقفون موقفا حزينا، مكّن للحرورية أن يستشهدوا بهذا الموقف في بناء دعواهم أنهم ليسوا "بهذا السوء". وقد يُفْهَم أن عدداً من مشايخ الدعوة السنية لم يتمكنوا من الارتفاع لسقف الأحداث، والنظر اليها نظرة استيعاب كامل. بل قد فهم البعض خطأ أن منهم من سوَّى إمارة البغداديّ، مفهوما، بإمارة الملا عمر والمجاهد أبي محمد الداغستاني! وهذا فيه إسباغ صفة الشرعية على تنظيم الحرورية، رغم أنهم نزعوا عنه الشرعية من قبل! وهذا قطعاً ليس مقصدهم الحقيقيّ، وفق الله علماء السنة للتقيد بتوجيهها.

      كما إني والله لأعجب من الذين يتحدثون في بياناتهم عن "عدم إقرارهم لمسلك تنظيم الدولة، وإنما يمنعهم من تفصيل موقفهم منه في هذا المقام خشية استغلاله لحرف بيانهم عن مقصده"!، كيف يفكر هؤلاء؟ أيّ عدم إقرار هذا؟ هؤلاء قتلة يا سادة! هؤلاء يذبحون المجاهدين السنة كما يذبحهم نظام بشار! هؤلاء يعتبرونكم كفارا مرتدين! فأين فصّلوه من قبل أن تأتي ضربات التحالف منقذاً لتنظيم الحرورية بعد أن فقد شرعيته على الأرض؟ فوالله ما استدعاها بتصرفاته إلا هم، لغرض الوصول إلى مثل هذا الموقف من "سذج" أهل السنة كعادتهم. ثمّ هل يمنع باطلٌ من بيان باطلٍ. هذا لا يكون إلا في الفعل والعمل لا في القول والبيان.

      ومن ثم، وجب على هؤلاء أن ينتصحوا بهذا النصح، وأن يَنْفُضوا عن أنفسهم عوار "الحديث الصامت"، وأن يبينوا للناس ما عليهم بيانه من حقيقة موقفهم، ولو كان هو مناصرتهم لهذا التنظيم، إذ مآل موقفهم الآن هو مناصرته ولا شك. وإلا فضحوهم وإن كان ثمن ذلك حياتهم، فهكذا عرفنا عنهم، قبل هذه الفاضحة.

      موقف الفصائل المُقاتلة على أرض الساحة الشامية:

      ثم المقاتلون في الصف السنيّ، سواء منهم من كان على عقيدة صافية أو مخلّطة، قد تحملوا أكبر الإثم في ظهور هذا الفصيل في حقيقة الأمر. فإن انقسامهم وتعدد فصائلهم وكتائبهم وجبهاتهم، شتت شملهم وجعلهم عرضة لهجوم تنظيم موحّد تحت راية، وإن كانت باطلة، إلا أنها واحدة، لا تعدد في قرارات قادتها. هذا من أكبر الآثام التي وقعت فيها تلك الفصائل كلها بلا استثناء. وهي لا تدل إلا على أنّ عنصر الطمع الشخصي يلعب دوراً أساساً في توجيه قادة تلك الفصائل وأمرائها، مهما ظهر أو أظهروا، للعيان غير ذلك، فالأمور تقيّم بنتائجها ومآلاتها، لا بما يظهر للعين منها بادئ الرأي.

      وهذا الخلل هو الذي أدى إلى الانتشار السريع والمخيف لفصيل الدولة، وقدرتها على قتال كلّ فصيل وحده، حتى تقضي على شوكته. ولا شك أن ذلك تكتيك متخصص، بعثي الأصل، لا يقدر عليه عقل إبراهيم بن عواد، لكن، هذا لا يعفى تلك الجبهات والفصائل والجبهات من إثمها في هذا التفرق البغيض.

      حتى إننا نرى كثيرا من منتمى هذه الفصائل يسير سير الدواعش في الغلو والتكفير بلا أساس، فهم من الدواعش فكراً، لا تنظيماً. وفي المقابل، نرى الكثير من أسخف الورع البارد الصوفيّ النزعة، الذي تأخذه في الله لومة كلّ لائم.

      وحتى يكون هناك اتحاد حقيقيّ، وعمل مشترك، وشدة على أعداء الله، وتحقق بحقيقة أوصافهم وفعلهم وتوجهاتهم، وإدراك لحكم الله فيهم، ونظر إلى الآخرة وحدها، دون أن ترمق الأعين الدنيا من ركنها، فإن انتصار الحرورية وظهورهم سيظل حقيقة على الأرض، خاصة وهم لا يرقبون في مسلم إلا ولا ذمة.

      عوامل أخرى ساعدت في إقامة بنيان هذا الفصيل:

      • منها انخداع البعض بحقيقة مذهبهم لفترة كما انخدع صاحب هذه السطور[3]، وغيره، إلى أن استبانت له حقيقتهم.
      • ومنها الخطط الصليبية الغربية التي ساهمت في مدّ بقاء وسطوة هذا التنظيم لصالح استراتيجيتها البعيدة[4].
      • ومنها شعور الإحباط العام لدى المسلمين اليوم، حتى أن جلّ أتباع الإخوان، وهم الفصيل الذي يعاديه الحرورية أشد العداء، ويكفرون قادته وأبناءه عيناً، قد تشدقوا بمدح هذا الفصيل لمّا رأوا من وقوفه ضد السيسي والخليجيين ممن دعموه. وهذا الأمر ليس بجديد على الإخوان بعد أن ثبت غباؤهم السياسي بشكل قد يكونوا قد انفردوا به في تاريخ المسلمين السياسيّ.

      هذه كلّها عوامل قد ساعدت على إنماء بذرة هذا الفصيل الخطير على مصالح الأمة وعلى مستقبلها. زرعنا بذرة زقوم، فحصدنا شجرا ملعونا. وإن لم يفق مشايخ الدعوة ويقفون موقفاً أصلب وأوضح مما نحن عليه الآن، وإن لم تتوحد صفوف مقاتلي فصائل السنة تحت راية واحدة، لقتالهم، فإن كاتب هذه السطور قد أعذر أمام ربه، وأنبأ بما سيكون من هدم لصرح الإسلام، أو ما تبقى منه، لأجيال قادمة، بسبب هذا الموقف المخزي.

      ألا هل بلغت، اللهم فاشهد

      د طارق عبد الحليم

      الأحد، 20 ذو الحجة 1435 – 14 أكتوبر 2014


      [1]  أغرق في الباطل

      [2]  طالع "دعوة للصلح والصفح بين المجاهدين في الشام" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72497

      [3]  راجع مقالنا المطوّل في بيان تطور هذا الأمر في مقال "تأريخ وتوثيق لتطور العلاقة بيننا وبين تنظيم إبراهيم بن عواد العِراقيّ" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72748

      [4]  راجع مقال "على هامش الحملة الصليبية والتكتيك الحروريّ" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72782