فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أين الخلل؟ وما المخرج؟ رؤية خاصة بعد الأحداث - 3

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      (5)

      إذن، فإن ما نراه اليوم من تنظيمات، تقاتل أو تجاهد أو تدعو، تتخذ سبيلاً إلى غرضها، ليس بالضرورة هو السبيل الصحيح الذي يصل سالكه إلى مقصده. فإن من اتخذ الجهاد، بمعنى القتال، وسيلته الوحيدة، لم يصل إلى هدف الشارع وقصده. ومن اتخذ الدعوة والاصلاح سبيلاً وحيدا، لم يصل إلى هدف الشارع وقصده. ومن اتخذ الفكر والبحث النظري وسيلته الوحيدة، لم يصل إلى هدف الشارع وقصده. فكلّ من تلك الوسائل، هي جزء من طريقٍ متكامل، تتشابك فيه الخطوط وتتقاطع الأهداف المرحلية، ويلزم من مسؤوليها ورؤوسها إدراك موقعهم منها ومدي حاجتهم للتكامل.

      وقد يقول قائل، هذا كلام مكرور، محصلته أن الحركات الإسلامية تتكامل فيما بينها، منه الدعوى ومنها الحركي الجهادي. قلنا، ليس صحيحاً، فإننا نقول أن ذلك يجب أولا أن يتكامل داخل إطار حرمة واحدة لا متعددة، وثانيا، يجب أن تكون هذه الحركة متشعبة داخل البناء الشعبي المجتمعيّ التي نشأت فيه لا من خارجه، لا على أطرافه وجوانبه، تنمو منه على خجل، ويفزع منها أو تفزع منها عند اللقاء. هذا فشل مؤكد لأيّ حركة إسلامية حالية أو قادمة.

      فما نريد أن نثبته هنا هو أمرٌ يلزم الجميع، ويلتزم به الجميع، وهو أن يكون عملهم أيا كانت طبيعته، مراعً فيه ما يلي:

      1. أن يتوجه إلى القاعدة الشعبية من الناس، لا إلى فئة خاصة منهم، وإن كانت تلك الطبقة هي "النزّاع من القبائل".
      2. أن يفهم القائمون على العمل الإسلاميّ أن إيجاد تلك القاعدة الشعبية، أو الحاضنة إن شئت، هو الضمان الوحيد، بإذن الله، في استمرار هذا العمل وجدته، واستدامة مصادره وموارده.
      3. أن تتعدد أوجه نشاط هذه الحركة بقدر تعدد أوجه نشر الإسلام، من دعوة عقدية، وتعاون اجتماعي وإحسان عائلي وتقارب بين المسلمين، قادتهم وعامتهم.
      4. أن يكون معلوما أنّ الكوادر التنظيمية لجماعة ما، هي شكلٌ من أشكال الإدارة، وأنّ الجماعة لا تحدّها بيعة بأي شكلٍ من الأشكال، إذ لا بيعة حقيقية لازمة في عنق كلّ مسلم إلا لخليفة حق، وغيرها تعاون على البر والتقوى. وهذا هو لبّ المسألة كلها.
      5. ألا ترى أنه في عهد النبوة، والخلافة الراشدة، لم يكن هناك "جند" مخصوصون للقتال، لا عمل لهم إلا هو، وأن ذلك الشكل من التجييش الدائم، نشأ متأخراً، مع ترسخ مفهوم الملك العضوض. وما ذلك إلا للسلبيات الهائلة التي تصاحب هذا المفهوم، منها نشأة الولاء للقائد لا للإسلام، طغيان سلطة العسكر على السلطة المدنية، فقدان الروح القتالية الجهادية بتحول الأمر إلى مهنة يتكسب منها المقاتل، فيصبحوا مرتزقة يعيشون على حساب شعوبهم. من ثم، وجب أن يكون الأصل اندماج المقاتلين في صفوف الشعب، يعملون في الدعوة والتوجيه، ويوثقون علاقاتهم بالعامة في كل مكان، مع تخصصهم في الناحية العسكرية، حتى يأتي الوقت الذي يمكن فيه أن يخرجوا على حكام الطواغيت في الشرق.

      يجب أن يكون معلوما أنّ الجماعات الإسلامية بشكلها التقليدي قد فقدت قدرتها على التغيير على الأرض. وأنّ الخلط بين عملية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، التي يقوم بها مصلحون فرادي أو مجتمعين في هيئات أو تنظيمات، وعملية تغيير أنظمة حاكمة مستقرة، صاحبة عدة وعتاد وتمويل، أمر آخر بالكلية، والخلط بينهما  يؤدى إلا إلى ما نحن عليه اليوم.

      (6)

      المخرج اليوم هو في تبني استراتيجية عمل جديدة، تقوم فيها الجماعات السنية القائمة بعملية تحول تدريجيّ من قواعد الحركة التي تسير عليها، إلى قواعد جديدة تتشعب بها في أبناء الجسدي للأمة، ومن ثم تغيير هياكل عملها وأولوياتها.

      وقبل ذلك تأتي المهمة الأولى، وهي عملية إحلال وإبدال. وهذه العملية تقوم على شقين، شقّ إصلاح العقائد، وشق إصلاح المناهج.

      شق إصلاح العقائد يجب أن يسبق كلّ جهد. فإننا نرى إن كافة الجماعات القائمة، بلا استثناء، تتبنى إما عقيدة إرجائية صافية، أو حرورية صافية، أو سنية مشوبة بحرورية، أو سنية مشوبة بإرجائية. فلا جماعة سنية خالصة مع شديد الأسف والحزن. ومن هنا وجب تنقية العقيدة لدى الأتباع. وأول المُطَالبين بها هي تلك الجماعات السنية التي يشوبها عقائد بدعية، من تشدد حروري أو إرجاء إخوانيّ. أمّا الجماعات البدعية الخالصة، فلا حاجة للتعرض لها إلا بالفضح وبيان خراب العقيدة وانحرافها.

      وشقّ إصلاح المناهج، يكون بتغيير وتعديل الفكر القديم الذي يرى "الجماعة" تختلف عن "الأمة"، بل وتعاديها وتصادمها، ولا تتعامل معها إلا من منطق الاستعلاء والمعاداة والمصادمة. الفكر الجديد يجب أن يتبناه جيل يحمل تلك العقيدة والعقلية معا.

      والمشكلة التي تجعل هذا الأمر يدور في دائرة مفرغة، فيما أرى، تكمن في وجود "من يقوم على تنشئة هذا الجيل والقيام عليه". ومسألة تطوير فكر جديد، ينبني عليه عمل مختلف، ليس بالأمر الهين، ولا السريع، بل هو أمرٌ يتعلق بمسألة التطور الإنسانيّ بعامة، حيث تدخل الأمم في تجارب فاشلة، عديدة، حتى تجد طريقها للصواب.

      صحيح أننا، كمسلمين، قد أعطينا ما إن اتبعناه لن نضل ولن نزل، لكنّ الأمم لها طرق معلومة تسير على سنن كونية لا شرعية. سنن أقوى من أن يتحداها إلا أصحاب العزائم والهمم العالية، كالرسل والأنبياء. وعلى طريق تلك السنن، نجد أولي العزم من الرسل مصابيح دجى للهدى، ترفع البشرية من منحط وأَداتها المتلاحقة، لذرى سنام الإسلام ونور الإيمان وصادق الإحسان.

      الجيل الذي يتولى عملية زحزحت هذا التوجّه الحاليّ إلى التوجّه الذي رسمنا، يجب أن يكون جيلاً وسيطاً، بين جيل الأمس، الذي يمثله مخضرمي الدعوة، ممن تخطي الخمسين أو الستين من العمر، وقد صارت عين بصيرتهم أحدّ وأقوى من عين أبصارهم، وبين الجيل الجديد، الذي لا يزال يحبو في طريقه، لا يرى إلا ما يقع عليه بصره دون بصيرته. وهي أمر يجب على الجيل المربي الذي وصفنا أن يبدأ في التفكير فيه والتخطيط لعملية الانتقال من توجه صار لا يؤدى غرضهن بل يحول بيننا وبينه، وتوجه يعين عليه ويدل اليه.

      د طارق عبد الحليم

      12 ذو الحجة 1435 – 6 أكتوبر 2014

      المقالات السابقة

      http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72769

      http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72776