فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      على هامش اقتراح الهدنة بين الفصائل في الشام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      لا أريد هنا أن أكرر ما قلت من قبل في تغريدات منشورة على تويتر وفيسبوك، بشأن عرض الهدنة بين الفصائل المتقاتلة في الشام، والذي وقع عليه جمع من الشيوخ والدعاة. لكن الغرض أن أجمع شتات ما بعثره كثير من الإخوة الذين يشاطروننا الرأي في تنظيم الدولة العوادي، من حيث أنّ المقصود الأول من ذاك الاقتراح هو حقن دماء مسلمين السنة، وتوحيد فصائلها، وجمعها تحت لواء واحد، كغاية نهائية. فليس من المعقول إذن أن نرى انشقاقا في الصف، الذي أراد الداعون لهذه الهدنة له الخير والتقاط الأنفاس، وحقن دماء أهله ومجاهديه.

      ولست أخاطب هنا منتسبي تنظيم الدولة العواديّ، فإن هؤلاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، القادة والأمراء، وهم من يتخذون القرار أولاً وأخيراً، وبين يديهم الدعوة قائمة. وإن كنا نعرف مسبقاً رأيهم فيها، فليس من الخير استباق الأحداث.

      والقسم الثاني، هم جنود التنظيم على الأرض، وهؤلاء كبقية الجند في كافة الفصائل القتالية، في كافة الجيوش، في كافة الدول، في كافة الأزمنة، لا رأي لهم في أمر، بل هم مأمورون مطيعون، قد غسلت عقولهم بأيديولوجية قادتهم، ونظروا لها من وجهة نظر أمرائهم، وهم عادة أقل ذكاء وقدرة على النظر من رؤسائهم، فلا تتوقع منهم أي قدرة على النظر ابتداءً. وكبقية الجيوش، فإن أي خروج على الأيديولوجية العامة، يعتبر "خيانة عظمى" في الجيوش العلمانية، و"ردة" في جيوش الحرورية، وكلاهما يعاقب بالقتل. والحق أن الجيوش العلمانية أقرب للفطرة من تصرف الحرورية في هذا الصدد، فتجد درجات متعددة لمعاملة "الخارج" على الأيديولوجية، تنتهي بالطرد من الخدمة، إلا إن كانت تتعلق بالجاسوسية، فهي خيانة عظمي تصل عقوبتها إلى القتل. بينما في الجهات المقاتلة التي لا تلتزم بهدي السنة، تجد أن "الخروج" على الأيديولوجية، ولو طفيفاً، هو ردة عقوبتها القتل!

      أما القسم الثالث، فهم "متابعي" التنظيم، ومشجعيه، وهؤلاء يتعاملون بمنطلق التشجيع الكروي، وغالبهم، لا يحرز علماً ولا خلفية شرعية، إلا ما كان من عمومات يستمع اليها من تسجيلات ومقالات من يشجعهم، ويعتمد على الفورات العاطفية والحماسة الصبيانية. وهؤلاء لا يفكرون ابتداءً، بل "ينفعلون"، فلا معنى لحديث معهم.

      أما من نقصد الحديث إليهم هنا، فهم من اصطف في صفوف السنة، وهداه الله إلى النظر الصحيح، وتابع علمائها، واثقا بهم وبقدرتهم على اختيار الأفضل لهذه الأمة.

      لكن، والله إن البيئة التي نشأ فيها الكثير من هؤلاء، هي نفس البيئة التي نشأ فيها أتباع "باقية". فرأينا منهم من شكك، وتمرد، وخوّن، واستهزأ بمن دعا لتلك الهدنة! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      ولا أدري، من في الموقعين على الدعوة للهدنة أهلٌ للخيانة أو الجهل بمقاصد الشرع؟ أي وجه يرونه مدعاة للخيانة في طلب هدنة عقد مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل البشر، مع قريش، الذين كانوا وقتها عباد أوثان أسوأ البشر؟

      أيخونون ويستهزؤون بالشيخ الفاضل د هاني السباعي، أم الشيخ الفاضل أبو محمد المقدسي، أم بالشيخ الفاضل أبو قتادة الفلسطيني، أم بالمجاهد الصابر أبو محمد داغستاني، الذي يعيش في أتون معارك القوقاز ويحيا مأساتها، أم بأيّ من بقية من وقّع على البيان من شيوخ صدق وأمانة وعلم، بل كلهم عَلَمٌ في الدعوة والعلم؟

      ثم، ما الهدنة التي دعونا اليها في البيان؟ أهي صلح يرفع الإثم عمن قتل ونهب واغتال؟ لا والله، بل القصاص القصاص ممن قتل ونهب واغتال. هل تجعل ممن نهادن "إخوة منهج"؟ لا والله، بل هم أعداء منهج ومنحرفي عقيدة. أتلزم هذه الهدنة أحداً إن غُدر به أن يكيل الصاع صاعين، أو تطلب من أحدٍ أن يأمن لعدوه وأن يدير له ظهره، لا والله بل هو نفس الحذر وهي نفس الحيطة. إنما هي دعوة يلتقط فيها كل جانب أنفاسه، ويوجه قوته إلى الرافضة والنصيرية، خاصة بعد أن بدأ دكّ المجاهدين السنة، ومواقعهم وبيوتهم على وجه الخصوص، وهو ما يظهر أنه حملة شرسة لن تهدأ إلا بالقضاء على الشام بالذات، وتسوية أرضه بالتراب، أعماهم الله وأخزاهم من صليبيين وصهيو-سلوليين وخليجيين.

      الأمر أن مجاهدي أهل السنة اليوم أشتاتا متفرقة، كلّ منهم أضعف من تنظيم الدولة، من حيث إنهم اتحدوا على بدعتهم، وتفرقت السنة على صحة منهجهم. وتنظيم العوادية اليوم يفخخ ويقتل في أهل السنة، لا يردعه دينٌ ولا مبدأ ولا ضمير، مثله في ذلك مثل الصليبية والصهيو-سلولية، لكن تحت شعار جهاد، انخدع به كثير من العباد. فلعل في هذه الهدنة، إن وقعت، وما أظنها بحاصلة، وقتاً يجمع فيه أهل السنة أمرهم ويلموا شملهم، يواجهوا النصيرية والرافضة، وكل من أراد بهم شرا.

      ما حزّ في أنفسنا، أن نرى هذا التوجه الذي نعيناه على أتباع تنظيم الدولة، من ردّ كلام من عرفوا بالفضل والإخلاص والعلم، ومن اتباع الهوى بنظرهم، نراه يتكرر بين أتباع السنة، وكأن لا فرق بين الفريقين.

      الأمر أمر مصلحة رأي بعض أهل العلم المخلصين الأوفياء، الذين هم أرفع قدراً من أن يشكك بهم أحد، أن يحاول جلبها، درءاً لمفسدة واقعة، ومحاولة لحقن دم المسلمين السنة حتى لا يواجهوا عدوهم، كل من عاداهم، دفعة واحدة. وها نحن نرى التفخيخ في حلب وفي غيرها، عمليات انتحارية لا علاقة لها بدين ولا شهادة، إذ قصد بها قتل المسلمين ابتداءً! وأعجب لمن يقول عن هؤلاء مجاهدين!

      أقول للأبناء وللإخوة من أحباب المعصوم صلى الله عليه وسلم، أقلوا اللوم، والتمسوا الفهم، واعلموا أن هذا الجمع لن يجتمع على ضلالة إن شاء الله. ونحن للبدعة وأصحابها بالمرصاد.

      ولا يغيبن عن أعينكم أبدا آية الأعراف "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌۭ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًۭا شَدِيدًۭا ۖ قَالُوا۟ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿١٦٤﴾ فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦٓ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ بِعَذَابٍۭ بَـِٔيسٍۭ بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ" فهي بوصلة لا تنحرف بكم عن الصواب.

      د طارق عبد الحليم

      8 ذو الحجة 1435 – 2 أكتوبر 2014