الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد
تمر المنطقة العربية كلها بأيام نحسات، اختلط فيها الحابل بالنابل، وانقلب العدو صديقاً، والصديق عدواً، وكشّرت الضباع عن أنيابها، الداخل الشرقي والخارج الغربيّ، كلها تريد أن تودى بالإسلام، إسلام محمد صلى الله عليه وسلم، إسلام الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، إسلام السُّنة، الإسلام الذي قصده رب العالمين، في قوله سبحانه وتعالى "إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَـٰمُ"آل عمران 19.
لقد نهج الغرب الصليبي، وأتباعه من مرتدي العرب، نهجاً مع "الإسلام" في العقود السابقة، يتدسس فيه بالمؤامرات، ويتخفى تحت التسميات، فتارة الحضارة، وتارة التقدم، وتارة التجديد، وتارة الوسطية، تارة حوار الأديان، وتارة التعايش السلميّ، إلى غير ذلك مما هو تفتيت لمفهوم "الدين" الذي نزل على رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم تطورت الأمور، وصار الهدم أكثر وضوحا وصراحة، إذ زادت درجة خضوع مرتدي العرب، ملوكاً وحكاماً، للهدف الغربيّ، خشية على كراسيّهم وعروشهم. فقدموا كافة التسهيلات للغرب، الذي استخدم غباءهم في تدمير المنطقة وتمهيد الأمر لزرع الكيان الصهيوني، كما فعل مع الهلكى عبد الناصر صدام والقذافي، يستخدمهم تارة في صورة أعداء، وأخرى في صورة أصدقاء، حتى تنتهي مهمتهم، فيلقيهم، كما تلقى المرأة بخرقة حيضتها، نَسْيًۭا مَّنسِيًّۭا!
ولم يدرك بقية الرؤساء والملوك أن ذاك هو مصيرهم المحتوم، بل ذاق طعمه مبارك وبن على مؤخراً أمام أعينهم. لكن لم يكن هذا كافيا ليرفع الغشاوة عن عيون بقية أصحاب العروش والتيجان، الذين امتطاهم الغرب، بغالاً مأجورة، يستنفذ نفطهم، ويسدد لهم ثمنه سيارات وعمارات وأبنية وشجر كريسماس، ما أنزل الله بها من سلطان، وحماية من خطرٍ هو من أوجده وحرص على إبقائه أصلاً، فزّاعة لهم، فكان كما يقال في المثل "حاميها حراميها"! وكيف يسمع من حرمه الله من نعمة الإسلام وحقيقة الإيمان أن يعرف طريقه إلى نصر أو كرامة "وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ "الحج 18.
كان غباء عبد الناصر، الذي كان سيلقى بأمريكا في البحر، هو ما أدى إلى احتلال سيناء والجولان والضفة.
ثم كان غباء صدام، الذي كان بطل القومية العربية، ما أدى إلى إيجاد الذريعة للوجود العسكري المكثف الدائم في دويلات الخليج، أهانها الله.
ووصل الأمر إلى غايته عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتهيأت للغرب الذريعة التي مكنت له تحطيم العراق، ومن ثم، مسلسل صعود النجم الصفوي الرافضيّ في المنطقة، وخنوس آل سلول تحت عروشهم.
وبعد تلك الانتفاضة الأخيرة التي أسموها "الربيع العربيّ"، والتي هي أشبه ما تكون بانتفاضة الميت قبل خروج الروح لبارئها، بدأت خيوط المؤامرة تُحبك. وهُيأ لأغبياء العروش أنّ الإخوان هم شيطانهم الأكبر، فظنوا أنهم أسوأ عليهم من الرافضة، العدو اللدود للسُّنة. إلى هذا الحد وصل وَقَر قلوبهم وعماهم عن الدين. فإن ما في الإخوان من بدع وتميع في مفهوم الإسلام، جعلهم يقبلون، بتأويلاتهم، ما يرمى لهم من فتات. وأحسب أن الغرب هو من زرع هذا الوهم في عقول أغبياء الخليج، ليتم له مخطط التدخل الكامل، والأهم، إلقاء المنطقة كلها في أتون حرب، ومزرعة فوضى، لا يعرف أحد من يحارب فيها من، ولماذا!
لا يهم الغرب إلا أمر واحد، أصليّ، وآخر تابع. الأصلي هو استمرار تدفق النفط لبلاده. والتابع، هو الحفاظ على الكيان الصهيوني، من حيث أن المُسيطر على الاقتصاد الأمريكي هم الصهاينة، وأموال النفط ترجع إلى خزائنهم. فيعود الأمر كله إلى النفط. النفط، النفط النفط، ولا شئ غير النفط. النفط أولا وأخيرا، النفط بداية ونهاية، النفط من قبل ومن بعد!
ومن ثم، وجد الغرب ضالته المنشودة في آخر الأغبياء، إبراهيم بن عواد، وتابعه العدناني. حرورية حملت لمسلمي السنة فيروسا مميتا، وهددت "الدين"، كما هددت عروش الخليج، بكلمات فارغات، تذكرنا بعبد الناصر "سنرمي أمريكا في البحر"، إلا إنها مزينة بآياتٍ حُملت على غير معناها، وطُبقت على غير مراميها، فكانت سهاماً لتشتيت عرى الجهاد في سوريا والعراق. وهذا ما جعل الغرب يترك هذا الكيان السرطاني يتورم، ويُبعبع بأنه سيغزو واشنطن، وأنه سيركّع أوباما، تماما مثل كلمات عبد الناصر قبل هزيمة 67، وصدام عن الغرب، قبل أن يقبض عليه ويعدم.
لكن السحر انقلب على الساحر. سحر ملوك الخيبة والعار. فإذا بهم يقعون مرة أخرى، بين مطارق وسنادين، لا أحسب أنهم سيفلتون منها هذه المرة.
مطارق الرافضة على أبوابهم الشمالية والجنوبية، اليمن في الجنوب بأيدي الحوثيين الروافض، والعراق وإيران في يد الصفوية الروافض، وبشار النصيريّ في سوريا، والحرورية يتحدثون ويتشدقون، وكأنهم يعيشون في الدنيا وحدهم لا قوة إلا قوتهم! وهؤلاء الأغبياء من أصحاب العروش، ومرتديهم ومفاوضيهم وممثليهم، كسعود الفيصل وبندر سلطان، وضاحي خلفان، شياطين إنسية، يعيشون وهم الإخوان، ويدعمون السيسي للقضاء عليهم، وقد أعماهم الله عما يجرى على أبواب ممالكهم في الجنوب. وضعوا أيديهم في يد السيسي، أكفر أهل الأرض إنساناً، والآن، يضعون أيديهم في أيدى قاتليهم من الروافض، الذين احتلوا اليمن، ودعموا بشار، لصدّ الحرورية، الذين لا يملكون إلا ألسنة لا حقيقة من ورائها. صوتهم كصوت عبد الناصر، حناجر عالية وأهام بالية.
والعجيب انّ من يدفع خطر الروافض عن ممالك الهوان في الجنوب والشمال هي القاعدة، التي يعاديها آل سلول أشدّ العداء! فهل رأينا أغبى من هذا الأمر.
وقعت المنطقة كلها اليوم في فوضى عارمة، لتتم السيطرة الغربية، التي سيخرج منها الغرب فائزاً، على أي حال سارت. فتمويل الطائرات بلا طيار تأتي من نفط الأغبياء. وجنودهم لا يحاربون على أرض. والروافض يخففون، إلى حين، وطأة مشروعهم النووي، الذي لن يترددوا لحظة واحدة في استخدامه ضد العرب، لا ضد الكيان الصهيوني. وآل سلول وبقية أغبياء الخليج يمولون السيسي لحبس حفنة رجال من الإخوان، ممن لا حول لهم ولا قوة، وممن سلميتهم أقوى من الرصاص! فهل رأينا، مرة أخرى، أغبى وأخون من هذا؟ ثم يريدون أن يهيؤا لشعوبهم أنهم خبراء سياسة، وأعلام دول! وهم والله أغشم من بعير ضال.
الإخوان ليسوا بمشكلة على أي مقياس. والحرورية أدّوا دورهم، وهم فقاعة إلى زوال عن قريب. وهذا عاد-نانيهم، يستصرخ الخلق تهديدا تارة واستعطافا تارة، ولمّا يبدأ القصف الصليبي الحقيقي بعد.
الأمر اليوم هو الروافض. الخطر الأكبر هو من تمد لهم آل سلول يدها الطائشة، كما مدت للسيسي يد الخيانة للإسلام والمسلمين، وكأن الإخوان، الذين هم أضعف الخلق وأكثرهم تنازلاً وهواناً في دين الله، هم المعضلة.
سحر الغرب أعين ملوك السوء بهذا الوهم، كما سحروا هم أعين مواطنيهم المغفلين، كما سحر بن عواد عقول أتباعه من حرورية السوء. مكرٌ على مكرٍ على مكر. لكن الله سبحانه يقول "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" فاطر 43.
د طارق عبد الحليم
29ذو القعدة 1435 – 24 سبتمبر 2014