فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بين الثورات الشعبية والحركات الإسلامية .. أين الطريق؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      ليس من قبيل الصدفة المجردة، أن تأتي التحركات العالمية والتحالفات الدولية، ضد الإسلام والمسلمين، بعد ما عُرف باسم "الربيع العربي"، والذي انتفضت فيه شعوب تونس ومصر وليبيا واليمن والشام، ضد أنظمة طاغية باغية مرتدة، حطمت تلك الشعوب تحطيماً، وغيرت هويتها ومسخت فطرتها.

      كانت تلك "الثورات" مختلطة الهوية، بمعنى أنّ مُشعليها الأوائل لم يكن هدفهم رفع شعار الإسلام، وإعلاء كلمته، في كلّ تلك البلاد. بل كانت انتفاضة قِدْرٍ غلى بما فيه بعد عقود من الذلة والمهانة. ثم ما أن اشتعلت الشرارة، دخل "الإسلاميون" الساحة، منهم من كان فيها عمراً يعمل في طريق ضال ابتداءً، كالإخوان، وأتباع حزب النهضة الإسلماني، ومنها ما تكونت بذرته من واقع تطور الأحداث، حسب طبيعة البلد وواقعها.

      وفوجئ الغرب بأن تلك الشعوب لا تزال فيها نبض حياة، فبدأ مكر السوء، بالتعاون مع الغادرين من آل سلول ومتخنثى الخليج والمجالس العسكرية العلمانية، ليقضي على البقية الباقية من الحياة، بعد أن رأي شعلتها تضئ طريقاً للجهاد، إن اشتعل فلن يقف في وجهه شئ، حتى يعود للإسلام مجده.

      لكن الأمر هنا، أن هذه الجماعات، قد سارت على طريق من قبلها، فلم تنشأ من رحم شعبٍ يحتضن جهادها، ويمدها بالطاقة والعدة والأمان، حين وقت الحاجة. بل إن أفرادها أقرب ما يكونوا من النُزّاع من القبائل، لا يربطهم بالحاضنة المسلمة رابط إلا روابط الأهل والعشيرة، لا الهدف والعقيدة. ولا يحسبن أحد أننا نقول بكفر تلك الشعوب، لا والله، لكن وضوح الهدف والعقيدة أمرٌ عزيز، لا يعلمه إلا النزّاع من القبائل، وهم من ثمّ، من وجب عليهم توجيه العامة.

      وقد كان هذا التطور طبيعياً، إذ إن تلك الشعوب، في غالب تكوينها، قد انحرفت فطرها، وتشوه لديها الإسلام، وتبدلت صورته. ثم إن الضنك الذي أغرقه حكامها فيه، جعلها تنشغل بالضرورة الأولي، وهي حفظ النفس، فتقاتلوا على الخبز وتنافسوا على الدرهم. ومصر مثال واضح في هذا الصدد، حيث جعل السيسي حياة المصريين، بما فيهم شعبه المرتد، حياة ضنكاً لا يحياها إلى حيوان ذليل. أما في سوريا والعراق، فقد تكفل المالكي وبشار بتحويل حياة الشعبين إلى مأساة ليس لها في تارخنا مثيل إلا القليل. وفي تونس، أمكن التحول العلمانيّ بيسر وسهولة، من حيث أن حزب النهضة علماني التوجه أصلاً، بخلاف الإخوان الذين ضلوا الطريق إلى الإسلام من حيث طلبوه، رغم تبنيهم سلمية أقوى من الرصاص!! لذلك نرى التحول في مصر نحى منحى دمويا رهيباً، خلاف تونس، التي كانت فيها جيوب مقاومة إسلامية هنا وهناك.

      ولم يشذّ عن هذا إلا "جبهة النصرة" أول إنشائها، حيث توجهت توجهاً صحيحاً بالاندماج في مشاكل الشعب، فحظت بحب الناس وتعاطفهم. وكان الأمل أن تتحول صورة الحركة، على يديها ومن مثلها، من يد "النزّاع من القبائل" إلى يد"القبائل" يمدون هؤلاء بما يحتاجون من وقود حركيّ.  

      وهنا، برز دور إبراهيم بن عواد الحروري الخائن، فتوجه للشام، ضارباً القوى السنية، ومن ورائه قيادات القوى البعثية المنبوذة من الشعبين، وغفلة الكمّ الهائل من المسلمين "المجاهدين"، خاصة المهاجرين العجم قبل العرب ، الذي اتخذهم وقوداً لحركته، يحمى أبناء حركته في العراق، ويقتل مجاهدي أهل الشام مهد الحركة السنية. فكانت الحركة الحرورية لحْداً للحركة السُّنية في الشام، بعد أن كانت الشام مَهْداً لها.

      لكن هؤلاء الحرورية إلى زوالٍ أكيد، فهم، كما وصفهم أبا قتادة الفلسطيني فك الله أسره، فقاعة، تضخمت لفترة محدودة، وتُركت تتورم لثلاثة أهداف محددة، أولها تبديد أي حبٍ للإسلام والخلافة في نفوس زراري المسلمين في البقع التي حكمها الإسلام يوماً، وثانيها القضاء على مجاهدي السنة ووأد حركتهم في مهدها، وثالثها إعطاء المبرر كاملاً للغرب ليضرب ضربته الساحقة في العراق الشام، والتي لم ينفع فيهما تكتيك مصر وتونس.

      المشكلة التي يجب أن نعيها كدرسٍ واضح هنا، في كل تلك البلاد، هو أنّ الحركة الإسلامية التي تنشد نجاحاً يجب أن تنشأ من رحم شعبٍ مسلمٍ غير مُخلطٍ، يحتضنها ويكون لها درعاً وردءاً، تماما كما كان شعب المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتبع خطة "النزّاع من القبائل" لضرب الكفر في مكة، بل وجد الحاضنة الشعبية المؤمنة إيمانا صافياً، ثم استخدم منها من هم أهل الجهاد والمجالدة.

      لم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة " منطق الجماعات والحركات، المنفصلة عن أصلها وقاعدتها. بل أحسب أن "قاعدة الجهاد" قد أدركت هذا في السنين الأخيرة قبل استشهاد الشيخ أسامة رحمه الله، لذلك رَحب في خطبه بالثورات العربية، وأعلن عن ضرورة تكوين مجالس استشارية لتوعية الشعوب، وتخليصها من شوائب الكفر التي طغت على أصل فطرتها، فلله دره، وعلي الله أجره. كما أنّ الشيخ المفضال د أيمن الظواهري، حفظه الله، قد وجّه "الحركات" إلى هذا التوجه، وبيّن ضرورة شرح العمليات التي قد تقوم بها للناس، حتى لا يُخدعوا عن الحقيقة، وما ذلك إلا لكسب حاضنة تكون هي البديل للجماعات والحركات، التي قد رأينا في العقود الأخيرة، كيف أنّ انفصالها عن الشعوب جرّدها من ذخيرتها المكنونة.

      وهذا الفهم، على سبيل المثال، هو ما أخطأته جماعة أخرى، هي حزب التحرير، حين سعت للسؤال عن الدعم من حكام، هم أصلاً مرتدين، يعتقدون أنّ ذلك يحول الشعب إلى حاضنة، وهذا تغفيل من أكبر الحمق، وهو نتيجة ومثال آخر لتحكيم العقل المغفل في الشرع.

      إذن، فإننا نرى أنّ القاعدة قد عدلت في استراتيجيتها الحركية العامة مؤخراً، مما تمثل في خطب الشيخ أسامة، وفي خطب الشيخ الظواهري حالياً، مع الاحتفاظ بتوجهها العقدي وثوابتها التي لا تتزعزع، وأن هذا التعديل جاء من تراكم خبراتها في الساحة مدة ثلاثة عقود، يقودها عقول عالمة وأنفس طاهرة. وقد نكست الأمة بأن ظهرت عقول جاهلة وأنفس خبيثة وعقيدة بدعية، فلم تستوعب دروس الأمس، وكيف تستوعبها وليست من جهادها في شئ، لا علماً ولا عملاً؟ فأعاد، بن عواد وأتباعه، بزوغ التوجّه الاستراتيجي الجديد لدى القاعدة عقودا للوراء، بجهل وخسة وظلم، وأدخل الأمة في صراع لا نحسبها قادرة على كسبه اليوم، إلا أن يشاء ربي شيئاً.

      وهذا النصر لا يكون، فيما نحسب إلا بطريقين، لا ثالث لهما، أولهما القضاء على التوجّه والوجود الحروري بالكلية، وثانيهما اتحاد فصائل السنة لمواجهة العدو المشترك الصائل، صليبياً كان أو رافضياً أو نصيرياً أو علمانياً، وكفانا من حدث من تآمر في صنعاء!

      د طارق عبد الحليم

      27 ذو القعدة 1435 – 21 سبتمبر 2014