فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      التطورات الحالية في مسرح الساحة العراقية الشامية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      لا شك أن الساحة في بلاد العراق والشام دخلت مرحلة جديدة من جهاد الدفع، بعد إعلان الصليبية العالمية قرار ضرب "الإرهاب" في تلك الساحة، وتصفيته على مدى يصل إلى ثلاث سنوات.

      وقد كان التحالف الدوليّ قائماً قبل إعلان تدخله الرسمي الواضح، عن طريق تسريبه السلاح، وتوجيهاته وتدريبه لبعض القوى المحلية، التي تسمى بالمعارضة السورية، والتي هي في حقيقة الأمر، معارضة علمانية بحتة، تخدم أجندة الغرب بشكل كامل.

      وما أدى إلى عدم وضوح التدخل الرسمي، والعمل من وراء الستار هو أنّ المقاومة في العراق والشام كانت ضد نظامين قد أدينا دولياً، بل وصف أحدهما بالإرهاب ، وهو نظام بشار النصيري، والآخر نظام المالكي الرافضي. فالغرب لم يكن له أن يظهر بتضارب الأقوال والأفعال أمام شعوبه، التي يوحى اليها بمصداقية كاذبة. فكانت يديّ الغرب مقيدة بهذا الموقف.

      وقد كانت جبهة النصرة، والأحرار وغيرهم كثير، يعملون في الساحة الشامية. وكبُرت جبهة النصرة وأحبها الخلق، واستعد الخلق هناك أن يكونوا لها حاضنة ومعيناً. وكان جيش المجاهدين في العراق يعمل ضد الرافضة، قبل أن يغدر بهم ابن عواد. ولا ننكر هنا وجود شوائب وتلبسات في بعض تلك الجبهات والفصائل، ولا يزال، لكن، هذا أمرٌ، وعدم الوقوع في بدعة في أصلٍ كليّ تخرجهم من دائرة أهل السنة العامة، وغالبها في التطبيق وأقلها شوائب عقدية، بين الجنود، أمر آخر.

      ثم، جاء قدر الله، ونُكبت الساحة بالحركة الحرورية العوادية، ووقع قدر الله في قرار القاعدة بضم أجنحتها لهم، وهو خطأ غير متعمد، لكنه خطأ لعل لهم فيه أجر المجتهد إن شاء الله. وتورّمت الحرورية، وجرى لعابها على ما فيه جبهة النصرة، فأضاعوا جهاد الشام، ولم يكسبوا جهاد العراق، خلاف زعمهم.

      إلا أنّ ممارساتهم، التي هي، فيما أحسب، مرسومة مدبرة من وراء ستار، لتعطى مُبرراً أن يهاجم العمل الجهادي، بأن يكون الاتجاه الحروريّ مصيدة لجذب من لدية نزعة جهادية إلى الساحة الشامية، ثم ضربهم هناك ضرب تصفية وإهلاك، وهو ما ثبت في كافة الدول العربية التي كانت مخابراتها تدفع الإسلاميين للذهاب إل الشام. وكان طريقهم لذلك ذَرْع البعثيين في ذلك التنظيم، مع الاعتماد على غباء ابن عواد وقلة علمه الشرعيّ[1]، هو ومن حوله، فسيطروا على التنظيم، وألبسوا بن عواد "العمامة"!

      والواضح اليوم من تتبع سير الأحداث، أن القيادة الحرورية "الشرعية" منفصلة تماما عن القيادة "الميدانية"، التي يتولاها رؤوس بعثية "تائبة". وتلك الرؤوس كانت لها شنّة ورنّة في أيام صدام، ثم فقدتها كلها، ثم وجدت بغيتها في تنظيم ابن عواد، الذي لا نشك لحظة أنهم كانوا من وراء إنشائه منذ بداية أمره.

      ذلك أننا إذا تأملنا أمر التورم للشام، وجدناه، في حقيقة أمره، ليس كسراً لسايكس بيكو[2] ولا غيره من تلك الشعارات، إنما هو ملجأ للعراقيين البعثيين، الذين يتخذونه لهم من الشام ملجأ لهم، في حالة انهزامهم في العراق، ورفض القوى العراقية وجودهم، ذلك إلى جانب الثروة النفطية في دير الزور، التي استماتوا للحصول عليها، وقتلوا المئات من المجاهدين، وشردوا الآلاف من الخلق لأجلها.

      ثم تمعّن، يا رعاك الله، في موضوع ذبح الصحفيين الأمريكيين، وخاصة البريطاني الأخير. فهو عمل بالأصالة دعائي إعلاميّ، إذ أيّ نكاية تحصل لعدو من قتل هؤلاء؟ بأي مقياسٍ شئت، إلا إحراج حكوماتهم ودفعها لخوض الحرب ضدهم، كما ظهر في قتل الصحفيّ الثالث، البريطاني، بعد امتناع بريطانيا عن المشاركة في التحالف الدولي، كسره الله. ولا أرى إلا إنهم لم يقتلوا فرنسياً، من حيث إن لهم صلة بالفرنسيين الذين دفعوا فدية، مالاً "حراماً" دخل جيوب القيادة البعثية-العوادية.

      واليوم، يقف الجهاد كله على شفا جرفٍ هار. لماذا؟ بيد من؟ تلك التصرفات التي تبدو في ظاهرها خرقاء، وفي باطنها مدبرة مرسومة، للقضاء على المجاهدين، وإنهاء حالة الصحوة الإسلامية التي تجلّت أحسن وأقوى ما تجلت في العراق والشام، وأشرق نورها عقب مغيب شمس "الربيع العربي" الذي حكموه بدوره قبلها.

      وللأسف، استخدم هؤلاء طيش شباب متهورٍ جاهلٍ، لا عقل لهم، إلا عاطفة يتلاعب بها المتلاعبون، بعد أن جردوهم من سلاح العاميّ، وهو العلماء، فأسقطوهم أولاً، أو حاولوا، ثم أدخلوا في روع هؤلاء الأنعام أنهم، العامة الطغام، مجتهدون في التوحيد والحكم بالردة والقتل به، فتركوهم نهباً للبدعة، وسحر العوادية. وشعارات حق أريد بها أبطل الباطل، كشعار "لا حكم إلا لله"، و"شعار "الدولة" و"الخلافة"، وكلها حقٌ في مواضعها، وبعد استكمال شروطها وتجاوز موانعها.

      فما العمل اليوم إذن، في مواجهة ذلك الزحف الدولي المدعوم بمرتدة الخليج، المفترض أنهم "سنة"! إلى جانب الزحف الرافضيّ-النصيري المدعوم بإيران؟

      العمل يتلخص في  التالي:

      1. التركيز بين الكتائب التي تتبع السنة على وجه الجملة، بشروطها[3]، على الاجتماع والعمل بشكل جماعيّ منظم والتعاون الأمنيّ والعسكريّ.
      2. عدم الاستماع إلى الدعاية الحرورية التي تدعى أنهم هم المستهدفون بالهجوم، فقد صرح أوباما، بما لا يدع مجالاً للشك، أنه لا يحارب "تنظيم الدولة"، بل يحارب "الإرهاب" كله للقضاء عليه جملة. كما أنّ جبهة النصرة موضوعة على نفس قرار الأمم المتحدة تحت البد السابع، كمنظمة إرهابية. إنما هي دعاية الضعف المخزي الذي يصرخ طالباً النجدة حال الضعف، ثم إذا التفت عنه، طعنك بخنجر الغدر، فانتبهوا.
      3. الحذر الأمني المطلق، خاصة بعدما رأينا أثر الاختراق الحروريّ للأحرار، والذي تسبب في تلك المذبحة البشعة.
      4. التركيز على القتال في الجبهة الداخلية، وعدم القيام بأي أعمال طيشٍ تثير أعداء الله سواء في الداخل أو في الخارج، إذ إن الجبهة الداخلية هي اليوم التي تشتعل، ومن التغفيل إذكاء النار خارجها، بل لمجرد السمعة والشعارات.
      5. الركيز على دراسة واستيعاب السياسة الشرعية، في مناطات الحاضر، لا كما تفعل جهال الحرورية، الذين يملؤون أفواههم بشعارات وتعبيرات بل وآيات وأحاديث، والله لا يعلمون لها تأويلاً ولا يفقهون لها تفسيراً، فالفقه عزيز، ألم يدعو رسول الله لابن عباس بالتفقه، ولو كان بضاعة كلّ أحد، فما المزية إذن في دعائه صلى الله عليه وسلم.

      وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

      د طارق عبد الحليم

      20ذو القعدة 1435 – 15سبتمبر 2014

      [1]  راجع ما كتب فيه شيخه أبو عبد الله منصور في بحثه "كتاب الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم"، قال "أما أنا فإني أشهد الله الذي لا إله إلا هو بما أعرف عن قربٍ هذا الدعيِّ الذي سمى نفسه أبا بكر البغدادي، وقد درس عندي مع مجموعة من الفضلاء شيئًا قليلاً من كتاب زاد المستقنع في سنة 2005م، ثم انقطع الدرس بسبب اعتقالي، وقد عرفته معرفة دقيقة، وقد كان محدود الذكاء، بطيء الاستيعاب، باهت البديهة، فليس هو من طلبة العلم المتوسطين، ودراسته دراسة أكاديمية في الجامعات الحكومية ومستواها هزيل جدًا والتي لا علاقة لها بتكوين طالب علم فضلاً عن عالم"

      [2] في حقيقة الأمر، هم أحيوا سايكس بيكو وقسموا العراق والشام إلى أربعة مناطق طائفية، يمكن للغرب أن يتخير منها الآن ما يوجه له الضربات! غباء مطلق ليس له حدود. فانتبه

      [3]  راجع مقالتيّ "إجتماع الفصائل السُنّية العاملة في الساحة الشامية" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72754 & مقال "الضربة الصليبية للحرورية العوّادية .. وموقف أهل السنّة منها" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72724