الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد
يتعاظم وقع الجهاد في أماكن عديدة على خريطة العالم الإسلاميّ، بعد عصر الوكسات والنكسات، الذي طال أكثر من قرنين، رغم شدة ضربات العدو الصهيو-صليبيّ، وخيانة، بل ردة، حكام العرب وأنظمتهم، بلا استثناء، وموالاتهم للعدو. وقد ظهر هذا أول ما ظهر، بشكلٍ منظمٍ له أسس وتنظير، في تنظيم القاعدة المبارك في أفغانستان، ثم في تنظيمات متعددة، تنتمي اليه، أو إلى فكره، كما حدث في اليمن وليبيا والصومال، غير جهاد الشيشان ضد العدو الأحمر، ثم في نيجيريا. ولم يُحرم منه إلا مصر لسيطرة إخوان الإرجاء، وتونس التي تحت سيطرة حزب النهضة العميل، والمغرب الذي غربت عنه شمس الإسلام، إلا بشعاعات متفرقة، حدبها عنهم ملكها أمير المؤمنين وعبد الصهاينة.
لكنّ، هذا الجهاد، لم يصفو للسنة وصراطها المستقيم في كل مكان، وهيهات أن يصفو الزمان لشئ أبداً. فقد شابته بدع الإرجاء السامة، كما دمرته بدعة الحرورية القاتلة، كما حدث في مصر وتونس من مصائب الإرجاء، وفي الجزائر من مصيبة حرورية الزوابري، وأخيراً كارثة الحرورية العوادية أتباع مسخ الخلافة في العراق والشام.
ويلاحظ الناظر أنّ الدول التي ابتليت ببدع، قد خلَى الجهاد من أرضها، كمصر والجزائر. أما ما عداها، فهي إما فيها جهاد قائمٌ، أو صراع بين الجهاد السنيّ والبدعة المُغلظة، حتى يظهر أحدهما، كما في العراق والشام.
وحديثنا الساعة عن الحركة الجهادية في نيجيريا، والتي تسمت باسم بوكو حرام، ويرأسها الشيخ أبو بكر شيكاو، والتي تردد مؤخرا مبايعتها لحرورية العراق والشام.
ومثل باقي الحركات الجهادية في أنحاء الأرض، فإن حركة بوكو حرام تفتقد الكثير من مقومات الجهاد الذي يصعب بدونها تحقيق انتصار أو السير على الصراط السني. ذلك لأسباب عدة، منها:
- انعدام العلم الشرعيّ بين صفوف جنودها وأتباعها
- عدم توفر طلاب علم، خاصة من العرب، يقودون الساحة في المعترك الفكري والفقهي الذي يسير مع الجهاد أينما سار.
- قلة الخبرة الإدارية والعسكرية
- ضعف إمكانية التواصل بين أميرهم الشيه أبو بكر شيكاو وبين الجيوب المتناثرة من جماعته في مياحة كبيرة من الأرض.
والجماعة تسير على الفكر المختلط بحرورية متشددة، كما عرفنا، فهي تتعرض لانحرافات كثيرة ترمي بأتباعها في مهالك الغلو. فتراهم يفتون في مسائل لا قدرة لهم على التصدي لها، مثل:
- القتل بالشك بتهمة النفاق والتعاون مع العدو.
- أخذ أموال الناس بحجة حاجة الجهاد والفيء.
- إحراق سيارات التجار المسلمين في الطرقات دون تمييز.
- سرعة الفتوى بالردة والكفر من صغار المجاهدين بالفهم الخاطئ وجهل المسالة.
وهي نفس أعراض المرض الحروريّ الذي ابتليت به الساحة الشامية.
لكن الفارق بين جماعة بوكو حرام، وجماعة العوادية العوجاء، أنهم يستمعون للنصح ويريدون العلم. بل إن أميرهم الشيخ أبو بكر، كان يظنّ أنّ بن عواد لا يزال مبايعاً للقاعدة وأنه نسق معها أمر خلافته المسخ كما نُقل لي! والرجل، كما سمعنا، لا يزال اليوم يعيد النظر في مسألة انضمامه لهم بعد أن كشف له عدد من الإخوة عن الموقف الحقيقيّ لتلك الجماعة الحرورية.
كذلك، فقد لوحظ أن هؤلاء المجاهدين لا يستكبرون عند سماعهم لأهل السنة، بل يبدون استعداداً للرجوع إلى الحق، خلاف أنعام الحرورية العوادية. كذلك هم حريصون على أتّباع العلماء، لكن وسائل اتصالهم بطيئة، وودّوا لو أن يتصل بهم عدد من علماء السنة يبصرونهم بأمرهم، إذ حرورية بن عواد تعمل علي جذبهم لساحتهم المخذولة بقوة، وتستخدم المال لاجتذابهم.
وهذا الذي قلنا، ما شهدنا فيه إلا بما علمناه، فإن ثبت عكسه، فلا ودّ ولا كرامة إذن، حتى لا يتعلق بنا مغفل بعد، يقول زكيتموهم، فنحن لا نزكي أحدا هنا، لكن نوجه النظر إلى محاولة الاتصال والتوجيه.
ولا شك في الأهمية القصوى الي تتمتع بها جماعة بوكو حرام، فقد سيطروا على مساحة عريضة من الأرض، وصارت لهم قوة برية لا يستهان بها، حتى عجز العدو عن ضربها برياً. كذلك يجب ملاحظة أنها صدر للجهاد المتوقع في تشاد، وإعانة الجهاد في مالي وأفريقيا الوسطي.
ومن ثم، فإنني أتوجه إلى علماء السنة في العالم العربي، أن يحاولوا جهدهم في الاتصال بالشيخ شيكاو أو أمرائه، ليصححوا سيرتهم، حيث إنهم يطلبون ذلك، بل يلحون عليه. ولا يجب فقد الأمل فيهم قبل أن يستنفذ الجهد معهم، كما فعلنا مع أنعام العوادية.
ومن جهتي فإني أرحب بأي مساعدة علمية شرعية أتمكن من تقديمها، وباب الاتصال بي مفتوحا لهم في كلّ وقت إن شاء الله، لنعينهم على الخروج من وَهدة الحرورية، التي وإن كانت لا تزال عندهم، فهم لا يتعصبون لها، بل للجهل بمخالفها من السنة، خلافاً للحرورية العوادية الذين صارت لهم الحرورية صفة ملاصقة ووصمة عالقة.
د طارق عبد الحليم
18 ذو القعدة 1435 – 13 سبتمبر 2014