فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نظرة في مسلسل التصرفات الداعشية – الواقع وما وراءه!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      الأصل في أمور الناس والأحداث، أن العمل على الظاهر، وهو عماد الشريعة ومقتضى المنطق، إلا في شؤون السياسة، فالعكس هو الصحيح. ونعنى بهذا أن الأصل فيهما التنقيب عمّا خفي من الأمور وما بُيّت بليل، وما يجرى من وراء ستار الظاهر، إن أردنا فهما صحيحا وتوصيفا دقيقا لما نراه بأعيننا على الساحة السياسية، قولاً وعملاً.

      من هذا المنطلق، فإننا نجزم أن "ظاهرة داعش"، ليست بتلك البساطة والعفوية التي تبدو بها على السطح، والتي تفترض "أنّ مجموعة من "الموحدين"، قررت أن تحمل السلاح فانطلقت تبشر بدين الله، فاجتمع عليها المؤمنون من مشارق الأرض ومغاربها، فاقتحموا البلدان، وساحوا في السهول والوديان، وكان الظفر حليفهم، والنصر قرينهم، فأقاموا دولة الإسلام الفتية الظاهرة، وحصل لهم التمكين بالقوة القاهرة فتنعم الناس فيها بما منّ عليهم به خليفتهم المصون، وما منع عنهم من الفسق والمجون، وصار يتحدى قوى العالم الخبيث ويهدد أوباما النبيث[1]. وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فكفت عن الكلام المباح!" إذ هذه السياق لا يكون إلا في ألف ليلة وليلة، لا يصدقه إلا طفل أو جاهل فسيلة.

      من المعلوم أن إبراهيم بن عواد العراقي، قد خلف أبا عمر البغدادي وأبا حمزة المصري، اللذين خلفا الزرقاوي، رحمهم الله جميعا. والثابت أن أصول بن عواد غير معروفة من قبل، لا في الجهاد ولا في العلم، إلا عن طريق نقل من هم من محاسيبه ومرافقيه. مما يلقى ظلال الشك في توجهاته ونواياه الأصلية، وحقيقة وُثوبه على الجماعة التي نشأت على يد الزرقاوى ومن بعده أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المصري. وقد تحفظت قيادة خراسان وقتها على هذا التعيين، وطلبت معلومات عن شخصه ومن معه كالأنباري. وكان من قبيل الخطأ القاتل أن قد أعلنت ذوبان تنظيمها في العراق في هذا التنظيم المسمى بالدولة دون التحقق بالكامل ممن يقوم عليه. ذلك أن زلة أمثالي ممن لا يد لهم في قرار، إلا النصح والإرشاد، غير زلة من بيدهم تسيير الأمور، ومن ثمّ، فإن درجة تحفظهم في هذا التأييد كان من الواجب أن تكون أضعافا مضاعفة، لكن قدر الله كان مفعولا.

      ونحن لا نشك اليوم في أن اتجاهات بن عواد الحرورية، كانت طافية على السطح من يومها الأول، وأنها استرعت انتباه قاعدة الجهاد في خراسان، والناظر في منظور القاعدة للجهاد في حديث الشيخ أسامة، والدكتور الظواهري وعطية الله الليبي وأبو مصعب السوري، يرى التفاوت البائن الذي لا لقاء بعده بين المنهاجين.

      والمؤكد أنّ هذا المنهج ليس منهجاً سنياً، بل هو منهج حروري خارجيّ بحت، كما بيّنا في مواضع عدة من كتاباتنا. ومن هنا كان أول الخلل في تصرفات وتحركات هذا التنظيم. لكن يبقى السؤال: كيف وصل الرجل الذي يحمل جرثومة الخروج إلى هذا المنصب؟ أهو جنوح أسلافه، الزرقاوى ومن بعده إلى بعض "الغلو"، ما أدى إلى إيجاد مساحة فكرية تحمله إلى القمة؟ أم إنه كان صنيعة "لوبي" بعثيّ متستر، أعان على الدعاية له وإعانته في حملته لهذا المنصب؟ وما نجنح اليه، حسب رؤيتنا في أن الأحداث عامة لا تحدث نتيجة أسباب مفردة أبداً، أن كلا السببين واردان معا. فالبيئة الحاضنة للتطرف الحروريّ كانت موجودة متلقية، والمعين المساعد من الخارج كان جاهزا جاضراً. فكان أن وصل الرجل إلى قمة هيكل هذا التنظيم، في غفلة من الكثير، إلا ما كان من تحفظ الجولاني وأبو ماريا عليه. وهذا يبين الخطا الأول في تصرفات هذا التنظيم، وهو خلل عقدي أصيل، واتباع أجندة بعثية للإستفادة من خبرتها القتالية والعسكرية، التي بدونها لم يكن لابن عواد أملٌ أن يتمدد شبراً خارج مركزه في العراق.

      والخلل الثاني يأتي من قبيل التحدى الظاهر للمحيط العربيّ، وللقوة العالمية. فنحن لا نرى ذلك نتيجة شجاعة أو بطولة أو إسلام، بل نراه أقرب إلى تحقيق أجندة معينة، تسعى إلى جرّ المنطقة كلها إلى أتون جديد من حرب ضروس، تتدخل فيها القوى العالمية والمحلية كلها للقضاء على الجهاد السنيّ في العراق والشام. وما أحاديث الخوف الخليجي والغربي من "الدولة الإسلامية" إلا من قبيل دعاية أمريكا من قبل عن قوة الجيش العراقي أيام صدام، والذي أبرزته كخامس جيش في العالم!، ثم سحقته في أسبوع واحد! لكن شتان بين قوة جيش صدام، وقوة عصائب ابن عواد، ومن ثمّ، نرى مبرر الفارق بين التكتل الدولي المحدود، الذي قامت به أمريكا هذا الأسبوع في مؤتمرها الأخير، عن ذلك التكتل الواسع أيام صدام، لعدم الحاجة إلى مثل هذا التوسع في التكتل المطلوب.

      وقد رأينا كيف حوّلت أمريكا والغرب عامة، الثورات العربية إلى كوارث عربية حملت لواء العلمانية في الدول الثائرة الثلاث، تونس ومصر وليبيا، دون أن تظهر لها يداً واضحة في هذا المسار. بل العكس، كانت تظهر بمظهر المؤيد لحقوق الشعوب في ثورتها على الديكتاتورية الفاشية، ودعوتها للديموقراطية الغربية العادلة!

      ولا نشك اليوم، أن يد العبث الصهيو-صليبيّ، قد أتاحت الفرصة لهذا التنظيم أن يتورم في العراق، ثم في الشام خاصة، تماما كما فعلت الولايات المتحدة، حين سمحت من قبل لصدام حسين بالتورم إلى الكويت، ليسهل عليها غزو العراق واكتساحها والرمي بالمنطقة كلها في أتون فتن لا حد لها. والخطأ الأصيل هنا أن يعتقد أحدٌ أن الولايات المتحدة تريد استقراراً في المنظقة, هذا ليس في مصلحتها بأي شكلٍ من الأشكال، إلا إن سيطرت عملاؤها على الوضع بقوة وبلا ثورات وقلاقل، كما في مصر اليوم، وإلا الفتن والحروب التي هي مذكية لنارها ومصدّرة لوقودها.

      ومن ثم فإن الخطر الداعشي الحروري يأتي أساسا من الأجندة الخارجية التي تعبث بتوجهاته وتستخدمه مطية للهولوكوست السنية. لذلك فإننا لا نرى أنّ قصة الصحافيين الذبيحين هي من السذاجة التي تظهر على السطح، من إظهار قوة داعش أو إخافة أمريكا، فوالله لا ينحى هذا المنحى طفل مصاب بمرض التخلف العقليّ! فالمعلوم لكل من له ذرة عقل ما سيكون من ردة فعل أمريكا في هذا الصدد، بل نحسب أنّ هذا الذبح إما مسرحية تصويرية، أو أمرٌ مُرتب مع قوى الصهيو-صليبية في غفلة من أهل الصحفيين، وأمريكا لا تتورع عن قتل مواطنيها "للصالح القومي"! فالأمر أمر شرارة البدء في الزحف الغربيّ الجديد، للقضاء على الجهاد السني عامة وعلى جهاد أهل الشام خاصة، بعد أن تولت جماعة بن عواد "العراقيّ" ذبح أهل الشام ومجاهديهم. ومن ثم، يبدأ العدّ التنازليّ للقضاء على البقية الباقية منه، ثم القضاء على التنظيم الوسيط الحروريّ ذاته، إو إبقاءه على قيد الحياة، بمكنة التنفس الصناعيّ، كفزاعة لمن حوله.

      أمر ظاهرة داعشٍ هو أمر تكتلٍ علماني بعثي، استخدم خلل عقدي قائم ورغبة في التسلط متمكِنة، من رائهما زخم إيمانيّ منحرف التوجه لدى قاعدة شبابية، لإعادة تشكيل المنطقة، بعد القضاء التام على مجاهدي السنة، ثم إنهاك مجاهدي الحرورية العميلة، وتمكين قوى بعثية أن تأخذ مكاناً فقدته بفقد صدام حسين، وتؤدى من خلاله ضريبة وقوفها ضد الغرب في حربه التي جروه اليها بتورمه إلى الكويت دون ملاحظة الأخطار والمزالق في مثل هذا التورم، والذى دفع ثمنه حياته وحياة أبنائه ودولته بكاملها، عليه من الله ما يستحق. وهو، كما نحسب، مصير إبراهيم بن عواد وبطانته القريبة، ولكنه غافل عن ذلك، لا يزال.

      د طارق عبد الحليم

      12 ذو القعدة 1435 – 7 سبتمبر 2014


      [1]  النبيث: الشرير