فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      إجتماع الفصائل السُنّية العاملة في الساحة الشامية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وبعد

      فإن ما يجرى اليوم في العراق وسوريا، وعلى الساحة الشامية على وجه الخصوص، لهو جدير بكلّ انتباه ومتابعة، وتحليل وتوثيق، وتنظير وتوجيه. فإن هذا الذي يجرى، لم تظهر ثماره بعد، الصالح منها أو المعطوب! لكنّ الشواهد دالة على أنّ تلك الساحة ستكون محل قتال طويل بين كافة الطوائف والملل، من صليبية، ورافضية، ونصيرية، وبدعية حرورية، وسنية. وهو قدر الله، إذ الشام محل مختارٌ لهذه المحن، يخرج منها أهل السنة ظافرين إن شاء الله.

      وقد رأينا كيف تسرب الفكر الحروريّ، في غفلة من أهل السنة، وبالذات في غفلة من قيادات القاعدة، فإذا به يشغل قلوباً خاوية، وعقولاً ناقصة، لشباب متهور، ليس له، من ذنب إلا إنهم تعطشوا لنصر، كما يتعطش العطشان إلى الماء في الصحراء، فإذا جاءه وجده سراباً بقيعة. وهؤلاء لم يصلوا إلىه بعد، وهم واصلوها لا محالة، فكأنهم من قال تعالى فيهم "أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍۭ بِقِيعَةٍۢ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمْ يَجِدْهُ شَيْـًۭٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُ"النور 39.

      ويجب أن يفهم من يقرأ لنا، أننا لا نعتبر هؤلاء في زمرة "المجاهدين"، إذ إن جهادهم موجّه لقتل أهل السنة من مخالفيهم أكثر منه إلى أيّ طائفة أخرى، وقد صدق بن تيمية حيث قرر "إنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة"[1].

      واليوم، قد انقسم الجهاد السنيّ إلى جبهات وفصائل عديدة، على رأسها جبهة النصرة وأحرار الشام وشام الإسلام وغيرها من الفصائل. كلها تقف في وجه النصيرية لعنهم الله، وفي وجه الحرورية أخزاهم الله.

      ونحن نعلم على وجه اليقين أنه لا فائدة ولا نتيجة في الجهاد إلا إن اجتمع الصف السنيّ، وتعاونت القوى على دحر الباطل بكل أشكاله. كما نعرف يقيناً أن هناك خلافات بسبب  الرؤى والتوجهات، ومن ثم في العمل والتصرفات. كما لا نلغي العامل البشريّ الذي هو جزء من كيان الإنسان، من حب السيطرة وإرادة التفرد والعلو، وهو مما يحال المسلم كبح جماحه، وتقييد أوابده، حتى لا يصل إلى ما وصل اليه بن عواد، فقتل العباد وشرد النساء والأولاد، وادعى خلافة بينه وبين حقيقتها بعد المشرقين. كلّ هذا من جرّاء الاستسلام للأوهام ووساوس الشيطان، أن "أنت من اختارك الله لهذه المهمة، فقم بها، ولا تحدثك نفسك بأن للدنيا نصيب منك، فأنت مخلص ورع" ثم إذا بيديه ملطخة بدماء المجاهدين، وإذا به يمرق، مروق السهم من الرمية، من الدين. فيجب أن يكون نصب عيني قادة تلك الفصائل هذا المثل الذي يرون ما حدث من جرائه.

      كذلك، كما أشرنا من قبل، فإنه ما من فصيلٍ إلا وفيه دَخنٌ ودَخَل، إذ تطابقت الظلمات، وتشوهت البينات، وتشابهت الواضحات الجليات. لكن حديثنا هو موجه إلى من لم يخرجه هذا الدَخنٌ والدَخَل إلى بدعة مردية.

      وهذا الدَخنٌ والدَخَل يتفاوت بين تلك الفصائل كلها، فيزيد في أحدها، وينقص في الأخرى، لكنه موجود فيها كلها، سواء بغلو في التكفير، أو بإفراط في الإرجاء، وما بينهما.

      وحتى أختصر الطريق، ولا أكرر ما قلت سابقا في عشرات المقالات، فإنه يجب أن يُرَسَّم حد أدني تتفق عليه تلك الفصائل، فتصفّ معا في وجه أعدائها، بعد الاتفاق عليه، وتنبذ من خرج عليه نبذ البعير الأجرب، فلا خير فيه، بل هو إذن مفسدة وإن ظهر للعين الكليلة أن في التعامل معه مصلحة.

      وقد سبق أن كتبت تفصيلاً لخطوات الإصلاح بين جبهة النصرة وتنظيم بن عواد[2]، نشرته في 29 مارس 2014، قبل أن أعرف حقيقة ذاك التنظيم ومراميه. لكن أنصح بالرجوع اليه، بعد أن يستبدل فيها تنظيم الدولة بالفصيل المَعنيّ، ففيه فوائد في تبيان خطوات التعاون والتصالح.

      والحدّ الأدني الذي يجب أن تتفق فيه الفصائل قبل أن تصبح مؤهلة للتعاون بينها:

      1. إخلاص النية لله: أو تحرير القصد اليه في العمل الجهاديّ. وهذا من أصعب الأمور وإن بدا أنه بدهيّ في هذا الحالة من الجهاد. فالإخلاص يعنى، أول ما يعنى في هذا المقام التخلص من حب الرئاسة، أو كبح جماحها عل الأقل، ومحاربة وساوس الشيطان التي تغري بالتفكير في المناصب والغنائم، قبل حصول أيّ منها، إذ في هذا دوران واضح، إذ التفكير فيها يمنع من وقوعها. لكنّ هذا الإخلاص أمر باطنٌ لا يمكن لأحدٍ أن يطلع عليه. ومن ثم، فإننا ندع الباطن لصاحبه، ونعتمد على الظاهر. وهذا الظاهر يجب أن يكون واضحاً منضبطاً محكماً غير متشابه، كأنه علة قياس. إذ ينبني عليه أحكام تراق فيها دماء وتستباح أموال. وهذه الظواهر هي ما سنشير اليها بعد إن شاء الله.
      2. الحكم لله وحده: ويعني الالتزام بأن شرع الله سبحانه هو الحاكم، لا حاكم غيره. كما يعنى أن لا يكون هناك محل للحكم الديموقراطيّ الليبراليّ. وهي نقطة عسرة كذلك، فبعض الموهومين من أصحاب الدخن، يعتقدون أنّ اليموقراطية هي الشورى في الإسلام، ولا يرون الجانب الشركيّ فيها، مع اتفاقهم في الأصل بالالتزام بحكم الله وحده. وهذا خطأ، بل بدعة، وإن كانت بتأويل. وقد رأينا فشلها في تجربة الإخوان في مصر منذ عام لا يزيد. والحد الأدني هو أن يُتفق على الأصل، وهوالتحاكم إلى الشرع وحده، ثم الرجوع إلى جمع من العلماء، يُتفق عليه ابتداءً لتحديد شكل التطبيق، وإزالة الخلاف في هذا الباب. أمّا من اختار الديموقراطية بإطلاق، كطريق وحل ومذهب، فهذا قد خرج على الحدّ الأدني وأصبح من الكفر بمكان.
      3. الولاء والبراء للمؤمنين: بمعنى أنّ الحدّ الأدني هو قطع التعاون مع الجهات الموالية للصليبية أو المعادية للسنة، والتي عرفت بأنها تبيع دينها وأهلها للحفاظ على تيجانها وكراسي حكمها. ولا عبرة لمن يعى أنه إنما يتلقى مالاً لا غير، فهذا إما ساذج وإما كاذب، وكلاهما خطر على الجهاد. فإن توقف هذا "التعاون" المريب فلا بأس من أن يُعتبر صاحبه على الحدّ الأدنى، مع الحذر، شدة الحذر في التعامل معه، حتى يتبين حاله مع الوقت. كذلك من يتلقى عوناً من جهات لم تصل إلى الحد الأدني الذي نتحدث عنه، فيعامل بالمثل، ولا يدخل في الصف السنيّ، إلا إن تبرأ من مثل هذا التعامل.
      4. وضوح العمل والرضا بالتحكيم: وهو أمرٌ يجب أن يكون مفهوما متفقاً عليه بين الفصائل، أنْ لا ينفرد فصيل بعملٍ إلا بعد التشاور، أيّا كان هذا العمل. فإن رضي بهذا فبها ونعمت، وإلا فلا يحقق الحدّ الأدنى المتفق عليه. كذلك يجب تشكيل لجنة موحدة للفصل في المنازعات يتفق عليها ابتداءً بأسمائها، بلا منازعة، وتكون هذه اللجنة صاحبة القول الفصل، وحكمها ملزم لكافة الفصائل، وهو أمر يجب أن يكون في الحدّ الأدني المتفق عليه كذلك.

      هذا ما أراه لازماً دون تطويل وتفصيل، ليتم توحيد الصف ضدّ من يقاتلون المسلمين، من نصيرية وصليبية وحرورية ونصيرية.

      وهناك تفصيلات واسعة تدخل تحت كلّ باب، لكن المطلوب اليوم أن يجتمع قادة الفصائل، التي على استعداد لتقبل هذا الحد الأدنى، على طاولة واحدة، ثم يكون هناك جدول أعمال تفصّل وتبيّن. ولا بأس من أن يكون هناك ممثلين لعلماء السنة من خارج أرض الميدان، فهم أبعد عن مؤثرات الأحداث، وأجدر بالحيادية.

      ويتبع إن شاء الله تفصيلاً لبعض ما أوردنا، وإن كان ما ذكرنا كافٍ لبدء العمل على تحيد الصف.

      د طارق عبد الحليم

      6 ذو القعدة 1435 – 2 سبتمبر 2014


      [1]  منهاج السنة تحقيق د. محمد رشاد سالم ـ ج5 ص 248

      [2]  مسائل حاسمة في العلاقة بين الدولة والنصرة – توحيد الصف 3 http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72559