فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الصقور والحمائم - في الصفّ السنيّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وبعد

      لا شك أنّ الساحة العراقية الشامية، تشهد انقساماً في التوجّه بين أهل السنة وبين أهل البدعة. وهو ما تمخض عن ظهور ذلك التيار الحروري من الغلاة البغاة، بقيادة العراقيّ إبراهيم ابن عواد، الذين عاثوا في الأرض فساداً وقتلاً للمسلمين والمجاهدين، بدعوى ردّتهم، لعدم موالاتهم له. وهو نفس فعل الرافضة والنصيرية، الذين يقتلون المسلمين والمجاهدين من غير الموالين لهم.

      وقد ظهر مؤخراً الانقسام في صفوف الحرورية، بين بنغلية وحطابية، فالبنغلي لا يكفر العاذر، بينما يكفره أتباع حطاب، وهو الرأي السائد في أتباع الفرقة. وما ذلك بغريب بين من دينهم التكفير، وعقولهم عقول عصافير.

      إلا أنّ المحزن أن أتباع السنة ذاتهم قد انقسموا فيما بينهم، بين حمائم وصقور، وإن كان انقسامهم في حيز ما يُلزم به الشرع من احترام وعدم تفسيق أو تبديع، فأصولهم واحدة، لكنّ المجتهدين يخطؤون ويصيبون.

      والأمر الذي نراه هنا حريّ بالنظر، هو تردد عدد من العلماء والدعاة في موقفهم من جماعة إبراهيم بن عواد العراقيّ، وتوقفهم في توصيفه الذي هم به أحرى وأليق وأدق شرعاً وواقعاً، وهو الحرورية.

      فقد أصدرنا، مع فضيلة الشيخ د هاني السباعي بيانا كافياً شافياً، أصّلنا فيه مذهب هؤلاء، وبيّنا فيه خطأ من يرى أن الحرورية هم من يكفر بالمعاصي المنصوص عليها، كالسرقة والزنا وما إلى ذلك. وقد لقي البيان صدى واسعاً بحمد الله تعالى.

      لكنّ ما أعجب له، بصفة شخصية، هو موقف بعض أكابر الدعوة من هذا البيان. فقد حسبت أنّهم سيبادرون بالتأييد، من حيث كفيناهم مشقة العمل على هذا الأمر. لكننا وجدنا القليل من هذا التأييد، علنيا على الأقل، لا لخطئه ولا لضعفه، بل نحسب لأن تيار "الحمائم" من أهل السنة، يتعرض لمشاكل في تقييم وضع هذه الجماعة وخطرها على الأمة.

      فعلى سبيل المثال، وصلتني رسائل عدة من إخوة سنية، ومن داعشيين سفلة كذلك، بعد صدور البيان المشترك مع أخي الشيخ الفاضل د. هاني السباعي، تتساءل عن موقف الشيخ أبي محمد المقدسي، لماذا لم يشارك في البيان؟ولماذا لم يعلن عن هوية تلك الجماعة الحرورية؟ قلت: يُرجع في ذلك إلى الشيخ المقدسيّ نفسه فيُسأل عنه، فليس لي بالشيخ صلة مباشرة، إلا ما قرأته عنه وعن أعماله في نصر السنة، جعلها الله في ميزان حسناته. وهو من أهل السابقة والعلم. ونحسب أنه من أنصار سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلا شك، وندحض رأي هؤلاء الذين يقذفونه بما ليس فيه، شتما وسبّاً، ولكن نرد عليهم اتخاذه حجة علينا، فللشيخ رأيه واجتهاده، وهو حقيق بالاجتهاد في ذلك، وإن كنا نود أن يُظهِر نظره صراحة. وقد بيّن الشيخ في بيانين، أنّ هؤلاء غلاة وحذر منهم وردّ على رويبضتهم البنعليّ، تلميذه الآبق، ودعا إلى تركهم واللحاق بغيرهم، ومنع نشر مادتهم. فهو على الجملة يرى فيهم الغلو. أما توصيفهم بما هم عليه، وإنزالهم منزلتهم في باب الفرق، فهذا أمرٌ لا ندرى عن التردد فيه. وعلى كلٍّ فأمر الشيخ بين أمرين، فيما أحسب، إما مجتهد مخطئ مأجور، أو ممتنع عن التصريح لأسباب أمنية، هو بها معذور مأجور. أّمّا أن يقال ما تقوله جماعة بن عواد، فلا والله ما نعلم عنه إلا خيراً، ولا يؤذينا عدم تصريحه بما رأيناه حقاً، وإن خالفنا، ولسنا كالحرورية مع المُخالف، بل قدرُ العلماء محفوظ، وهو منهم، والاختلاف قد وسع من قبلنا، فيسعنا بلا شك. والنتيجة واحدة وهي تجريم مذهبهم وصدّ صولتهم.

      لكنّ الأحب الينا، هو أن يشارك هؤلاء العلماء والدعاة في حملة تطهير الفكر السنيّ، والدفاع عنه. ولا نشك أنهم على وعي بأن أول التطهير هو الكشف عن الداء، وتسميته باسمه، وتعريفه للمريض. فكيف نحن لو جاء طبيبٌ يداوى مريضا بالسرطان، فقال له إنما هو بردٌ شديد، أعطيك له حبوبا! والله لن يحصل شفاء، بل سيستشري الداء، ثم يموت المريض!

      لقد أمر الله سبحانه بكشف الباطل والتبرء منه قبل أن يأمر بتبنى الحق وموالاته. وهذا المنهج، صحيح مع الكفار والمبتدعين على السواء.

      ولقد أحسن الشيخ الحبيب د هاني السباعي، أحد صقور أهل السنة بفضل الله، حين أشار على الشيخ المقدسي بإزالة ذلك البيان الذي يدعو البنغلي، شرعيّ جماعة الحرورية، إلى الكتابة في منبره. كما أحسن الشيخ المقدسي بتدارك ذلك الخطأ الفاحش، وإزالة البيان، كما أشار في ردّه على المدعو أبي بصير الطرطوسي، الذي لم نجد بعد له مكانا نُسكنه فيه بين أهل السنة! ولا يخفى على مثل الشيخ المقدسي موقف أهل السنة من المبتدعة ومنع توقيرهم واستقبالهم، وليس أكبر توقيراً من استضافة رأس من رؤوسهم علي صفحات منبر إعلاميّ.

      ورعاية الشباب مهمة جليلة، ودعوتهم إلى الحق، وبيانه لهم، أمر مهم. لكن لا يكون هذا على حساب كشف الجماعة الأم، وتوصيفها والتحذير منها. ولم نرى ابن عباس، ولا عائشة رضى الله عنهما، امتنعا عن توصيف الخوارج بما هم فيه، رغم مناقشته لهم وحرصه على إعادتهم للحق.

      ومن ثمّ، فإننا ندعو هؤلاء الأجلاء إلى وقفة مع النفس، وتقدير الموقف الحاليّ. كما نذكّرهم بأن خطورة الموقف اليوم لا تزيد عن خطورته بالأمس في عهد أمير المؤمنين عليّ، الذي كان يحارب جبهاتٍ عديدة، لم يمنعه ذلك من بيان الحق ومحاربته.

      كما ندعو كلّ من له كلمة مسموعة في أوساط أهل السنة، من علمائهم وعوامهم، صقوراً وحمائم، الذين نعلم أنهم يعرفون حقيقة الحرورية العوادية، أن يتوحدوا في بيانٍ أو أن يظهروا مناصرتهم لبياننا، سواءً منهم من هم في ساحة الجهاد أو من هم خارجها، فإن ذلك أنكى للبدعة، خاصة بدعة أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابها أن يُقتلوا قتل عاد، وإن كنا لا نتوقع ذلك، من باب ما عرفنا، وعُرف على مدى التاريخ، من صبر أهل الباطل على باطلهم، وضعف أهل الحق عن حقهم.

      والله المستعان

      د طارق عبد الحليم

      4 ذو القعدة 1435 – 30 أغسطس 2014