فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تأريخ وتوثيق لتطور العلاقة بيننا وبين تنظيم إبراهيم بن عواد العِراقيّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      إلى من لم ير الحق حقا فلم يتبعه، ومن رأى الباطل حقاً فلم يجتنبه.

      إلى من لم ينصف في رواية الحق، وكأن التاريخ ليست له ذاكرة تعى وأيدٍ تسطر

      إلى من ظنّ أن الله نسياً، فافترى الكذب والبهتان، والتدليس وتحريف البيان.

      إلى من رمانا بالحقد والحسد والهوى وكافة ما اجتمع في قاموس الفحش الإنساني، لمخالفتنا لما هم عليه من باطل.

      إلى كلّ هؤلاء، أبين وأوثق تطور الفكر والنظر، ومن ثمّ التوجه والرأي في جماعة إبراهيم بن عواد العراقيّ، ليكون ذلك شاهداً لي عند الله، وعند المخلصين المبتغين الحق والداحضين للباطل.

      وضعت في هذه المدونة عشرين مقالاً دونتها في الفترة بين 26 نوفمبر 2013 إلى 19 أبريل 2014، منها بيانين مع فضيلة د هاني السباعي، وأغفلت ثلاثة عشر مقالاً أخر، دونتها في نفس الفترة من حيث إنها ردود على كتّاب، يمكن الرجوع اليها في الموقع، وهي الفترة التي بدأت فيها التعرف على واقع الساحة الشامية وبدء الكتابة عنها، بعد أن فقدنا الأمل في أيّ تغيير في مصر، إلى إصدارنا بيان البراءة والمفاصلة مع الأخ الحبيب الشيخ د هاني السباعي، لهذا التنظيم الحروريّ المفسد في الأرض.

      مصادر معلوماتي عن تنظيم ابراهيم بن عواد:

      كانت المصادر التي اعتمد عليها في ذلك الوقت، ما يتردد على الساحة من أخبارٍ، سواء على تويتر أو فيسبوك. كذلك، فبعد أن كتبت أول مقالتين، اتصل بي من كنيته أبو بكر القحطانيّن أحد الشرعيين المعروفين بالتنظيم، وحمل لي رسالة أنّ قادة التنظيم يهمهم أن يجعلوني على بينة من الأمر بشكل مستمر، فاستبشرت خيراً. ثم ذكر لي أن إبراهيم ابن عواد حاصلٌ على شهادتيّ دكتوراه في الشريعة، وأنه آية في العلم، وأنه في الثالثة والخمسين من عمره، مما تبين بعد أنه كذب صراح. ثم بعدها، اتصل بي البنغلي، بعد أن رحل للشام، فأكبرني على ما أكتب، ودعا للتواصل المستمر. وأذكر هنا أنني حين بدأت تدوين ردّى على مزاعم الحازميّ، اتصل بي وقال إن الجماعة تطلب ألا تلصق بها هذا الردّ، إذ ليس هو مذهبها، وهي لا تؤمن بكفر العاذر. فاستبشرت، وذكرت ذلك في تغريدة لي أنّ أحد رجال التنظيم أكد لي أنهم لا يؤمنون بهذا الفكر. وقد تبين بعدها أنّ البنغلي جهميّ عند طائفة منهم! كذلك اعتمدت على أخبار كان ينقلها لي الشيخ الحبيب هاني، من حيث كان ثلاثة "قضاة" من التنظيم يتصلون به من حين لآخر، لتهدئة مخاوفه، واللجوء إلى علمه في القضاء بالذات. وكانت السمة لتلك الاتصالات كلها هي التأخر والاقتضاب والتعميم في الجواب.

      فقد بدأت أول مقالاتي "نصيحة للمُجاهدين في العراق والشام"[1] حيث كانت فترة استطلاع لما يجرى في الساحة السورية الشامية، ولم هناك لدينا أي ميل لطرف دون الآخر، حيث قلنا "ثم إنه قد وقع بين طائفتي المجاهدين في العراق والشام، "دولة العراق والشام" في العراق، و"جبهة النصرة" الشامية، خلاف يعرفه المُتَتبع لأخبارهما. وقد بسط الفريقان، المؤيدون والمعارضون، أدلتهم من الشرع والعقل. وهي أدلة تتدافع عند أبواب الإجتهاد، وتدعُ الكثير من الناظرين يقفون موقف الحياد. لكن يمكن للناظر الأريب أن يرى بعض شواهد الإعتبار، ليستدل بها على ما يجب النصح به في هذا المضمار". وانتهينا فيه إلى النصح، الذي كان حادينا طوال تلك الفترة، لكلا الطرفين المتخاصمين، قلنا "وليس فيما قلنا والله إلا إرادة الخير لجميع المجاهدين، وعلى رأسهم أبناء "دولة العراق والشام"، وجبهة النصرة الشامية، فهم ثمرة هذه الأمة ورحيقها المختوم، قد جعلهم الله في مقدمة الصف، منافِحين عن الأمة ودينها، فليتَحرّوا في قصدهم التجرّد عن الحظوظ، وفي عملهم استصحاب النية الخالصة لوجه الله تعالى، كما نحسَبهم".

      ثم جاء مقالي الثاني "عودة إلى مجاهدي العراق والشام"[2]، يتحدث خاصة عن "الجبهة الإسلامية"، خاصة بعدما عُرف عن علاقتها بآل سلول، إلا أني احترزت من التخوين، واكتفيت بسرد ما عُرف بالأخبار وتواترها، قلت "وإني والله لأستعيذ بالله من أن أُخوّن من ليس بخائنٍ، ولا أدّعى الدخول في النوايا، وأستغفر الله إن كان وقع منى ذلك بغير قصد. لكن المؤكد الذي لم ينكره أحدٌ هو أن زهران علوش، و"جيش الإسلام" من ورائه، على علاقة بآل سلول، وببندرهم على الخصوص، كما انّ جبهتهم الجديدة التي تضم الجيش الحرً، الذي يقوده من يعرف الكلّ توجّهاتهم". وقد سردت فيه شبهات وأورت أسئلة تحتاج لإجابات من " الجبهة الإسلامية"، لكن لم أجد مجيباً.

      وفي المقال الثالث، تحدثت عن تسجيل للعدنانيّ، تحدث فيه عن عقيدة "التنظيم" الذي أسموه الدولة، في مقال "عقيدة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"[3]، فصححت ما صح فيه، لكن نقدته في قولي "وقد رأيت أن أنبه على أنّ ما جاء في هذا التسجيل، صحيح لا غبار عليه، إلا في البند الثالث عشر، ونصه "نرى أنّ أبناء الجماعات الجهادية العاملين في الساحة إخوان لنا في الدين ولا نرميهم بكفرٍ ولا فجور، لكنهم عصاة لتخلفهم عن واجب العصر وهو الاجتماع تحت راية واحدة. والمشكلة في هذا البند هو الحُكم بالمعصية على من لم يبايع الدولة، وهذا مُشكلٌ على أرض الواقع العمليّ، كما أنه غير صحيح على المستوى الشرعيّ. أمّا عن الحكم الشرعيّ بالمعصية، فلا يصح في هذا الموضع بلا ريب. فأين الدليل على أنّ الدولة هي صاحبة الراية الوحيدة المرفوعة، إلا عند من تبعها؟ فهذه الجماعات كلها بدأت حركاتها الجهادية، وتطورت إمكاناتها وعدد جنودها، زيادة ونقصاً. وحتى تظهر إحداها على جلّ أراضى العراق، بله الشام، فإنه لا يصح أنْ تبادر أحدها بتفسيق أخرى لعدم اتباعها". وهذا يثبت بما وراء أيّ شك، أننا إنما كنا نصدر عن إرادة الحق دون تحيز أو تعصب، منذ أول الأمر.

      ثم عدت للكتابة، بعد فترة انقطاع صحية، في مقال "عودة إلى جهاد الشام 1"[4]، وقد أثبتّ فيه ثوابت في الحركة الجهادية عامة، وأسئلة لكلا الطرفين تنظيم الدولة وجبهة النصرة، هي:

      1. "هل "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، دولة خلافة متكاملة الجوانب، مبايعتها واجب في عنق كل مسلم، أم هي جماعة تسمت "بالدولة"؟ أم إنها "دولة" تجب مبايعتها لمن يقع تحت سيطرتها في الأراضي التي تقع في حوزتها؟
      2. هل تلزم بيعة الجولاني للدولة الإسلامية في العراق والشام، من حيث كانت مبايعته للبغدادي بيعة عامة، أم هي كانت مبايعة "لجماعة" في العراق، لا لأمير مؤمنين أو لخليفة للمسلمين، وإن أسموها "دولة" وقتها؟
      3. الدولة تقول بالإلزام في هذه البيعة، وإنْ صرّحت بعدم كفر من لم يبايع.
      4. النصرة تقول بعدم الإلزام بهذه البيعة.
      5. هل تلزم بيعة كافة الجَماعات المجاهدة في الشام للدولة؟
      6. هل يجب مقاتلة الخَوَنة من الصَّحوات الشامية في الجبهة الإسلامية والأحرار وغيرهما ممن تابعوا آل سلول، أم إنه لا يجب أن تُقاتَل اليوم من باب السياسة الشرعية ودرأ الخطر الواقع من القتال؟
      7. ما هو حجم الحظوظ الدنيوية في هذا الأمر كُلّه؟ ولإيضاح هذا الأمر، فإن القتال يدور اليوم بين المجاهدين بعضهم بعضاً من جهة، وبين المجاهدين والخونة من جهة أخرى. كما أن هناك خلاف في الاجتهاد الشرعيّ، وفي حظ النفس في الدنيا. وهذه الحظوظ الدنيوية تتخفى وراء خلافٍ في اجتهاد. فالسؤال هو هل موقف الجولانيّ في عدم مبايعة الدولة فيه من هذه الحظوظ، وإن تخفى من وراء إجتهادٍ شرعي؟ وهل موقف البغداديّ في الإصرار على امتداد الدولة إلى الشام، وإن لم يُلزِم بها، فيه من حظوظ النفوس، وإن كان من أمامه اجتهادٌ واضح؟"

       وهي أسئلة تدل على الحيدة، وحاولة الوصول إلى الحق في هذا المعترك الشائك المظلم.

      ونحب أن ننوه إلى أنّ تنظيم إبراهيم بن عواد العراقيّ لم يكن، حتى هذا الوقت، قد أظهر قتلاً ولا ذبحاً للسنة، ما كان يبيّن اعتدالاً واستضعافاً، وهو ما جعلنا، حتى ذلك الوقت، ننظر اليه على أنه تنظيم جهادي، حريّ بالاتباع، على أخطائه.

      ثم أتبعنا المقال في جزئه الثاني بقولنا "أبدأ، قبل الدخول في تفصيلاتٍ تحليليةٍ لِما سبق عرضه في الجزء الأول من مقالنا هذا، بأن أقرر عدة أمورٍ هامة يجب اعتبارها. أولها أنني وأشهد الله على ذلك، لست بمتحيز لطرفٍ ضد طرفٍ آخر، ولا لجماعة ضد أخرى، فالتحيّز صفة مقيتة إن لم تكن لمطلق الحق، وهو ما سنشير اليه لاحقاً. والتحيّز ليس من سمات من يدعى علماً، بل هو من صفات العوام ممن لا علم لهم. كما أنه خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، إذ يتجافي عن بعض الحق لحساب بعضه، بالهوى والتشهى.

      ذلك أنّ الحق كاملاً لا يقع في جانبٍ واحد، إلا ما كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كلها وحيّ يوحى. أما أفعال البشر دون ذلك، فيختلط فيها حقٌ بباطل، على وجه العموم، وإنْ كان الحق قد يقع منهم كاملاً في أمرٍ من الأمور، فلن يقع على الدوام، كما قد يقع ناقصاً. هذا لا يناقض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ظاهرين على الحق"، فإن الحديث يُعنى بالحق الذي هو منهجه وسبيله صلى الله عليه وسلم، لا أنّ كل أقوالهم وأفعالهم حقٌ، فهذا لا يكون لبشر من بعده صلى الله عليه وسلم. ولهذا تجد العامي المتحيز ينظر إلى الحق في قول خصمه ويغفل أو يتغافل عن الباطل أو المشتبه". وهو كلام لا يحتاج إلى إيضاح في باب الحيدة والنصفة.

      ثم عالجت موضوع الدولة من الوجهة الشرعية والواقعية، في الجزء الثاني"عودة إلى جهاد الشام 2"[5]  وقلت في أول ذلك "كما يجب أن ننبه إلى أن هذا الأمر برمته أمر إجتهاد لا نصّ فيه، ومن ثم فهناك الراجح والمرجوح من الرأي. ومن اتخذ رأياً بعينه على أنه دين الله الذي لا سواه فقد أبعد النّجعة وضلّ الطريق، خاصة إن تعلق بالأمر دمٌ ومالٌ وعرض". وقد بيّنت قوة التنظيم من ناحية، ورددت عليه في أمرين، أمر ضرورة وجود حدود مرسمة ثابتة، وأمر حمل الناس على البيعة. لكن كان التركيز على عدم جواز خلع يد من طاعة، كما حسبنا وقتها أنّ هذا من فعل الجولانيّ، قبل أن يظهر أن البغدادي هو فارس هذا المضمار، وأول من خلع يد من طاعة أميره الظواهريّ. وهو سؤال وجهناه لإبراهيم بن عواد والشيخ الفاضل الظواهري مرات عديدة، حتى خرج الشيخ الظواهري بالإجابة، أخيرا، في رده على الشيخ د هاني السباعي، (2 مايو 2014)/ ثم رده علينا (24 مايو 2014)[6].

      وقد كان تقييمي للواقع، في هذا المقال، بناءً على ما كان معلوماً لديّ، وما كان مشوشاً عليه في الواقع، قبل أن ترتكب جماعة الحرورية القتل والذبح للمجاهدين، كان تقديري خاطئاً لا صواب فيه، كما ظهر في آخر ذلك المقال.

      ثم صدر بعد ذلك بيان مشترك، مع فضيلة الشيخ د هاني السباعي، بعنوان "دعوة للصلح والصفح بين المجاهدين في الشام"[7]، في 21 يناير 2014، وفيه بيّنا صدق نوايانا في الصلح وتوحيد الصف بين الفريقين.

      وللحق، فإن الشيخ الفاضل هاني السباعي، رغم تقارب نظرنا، كان أكثر تحفظاً مني في ترجيح كفة ذلك التنظيم وقتها، وهو أمرٌ يحسب في ميزان حسناته، بارك الله فيه.

      ثم كتبت مقالين بعنوان "جهاد الشام .. والمؤامرة على الإسلام[8]" و "دولة العراق والشام .. لماذا يهاجمها الجميع"[9] دعمت فيهما الدولة، وكنت لازلت تحت تأثير ما يرد من أخبار، بل ما لا يرد من أخبار، على وجه الحق. فأخذت بظاهر وقوف الكلّ ضد ذلك الكيان دليلا على الشك في أنه على حق، حيث لم يكن يظهر منه خلاف ذلك حتى ذلك الوقت، لي على الأقل.

      ثم جاءت حادثة مقتل الشيخ أبي خالد السوري، فكتبت مقالاً بعنوان "ماذا بعد استشهاد أبي خالد السوريّ؟ أعلى جهاد الشام السلام؟"[10] فكانت فيه أول بذرة الشك، تساءلت فيه "والطرف المُتَهَم، الدولة، لم يصدر عنها بيانٌ رسميّ، من قيادتها، يوضح موقفها من هذه التهمة. كما لم يصدر لها بيانٌ رسميّ سابق بشأن المفخخات وبعض الأحداث الأخرى. صمتٌ وسكونٌ وإغضاء!".ثم حاولت وقتها أن ألجأ إلى الإنكار بناءً على ما أعلنوه تصريحاً بعد فترة من الوقت كعادتهم. كما وضعت أحد عشر سؤالاً، كنت فيها لا أزال أحسن الظن بهذا التنظيم، لكن لم أتلق عن أحدها جواباً، إلا لاحقاً حينما اتضحت الأمور وتبينت الحقائق.

      ثم جاء مقالي المطوّل "قول الحق في تعيين الفريق الأحق"[11] والذي أردت فيه بيان منهج في النظر في الأمر، أكثر من تمييز طائفة على أخرى. وجاءت تساؤلاتي الموجهة لتنظيم الدولة تكشف عمّا رأيته واضحاً، وما رأيته يحتاج إلى إيضاح لا يزال، مثال ذلك:

      • "الكذب والتدليس في موضوع البيعات: وهذه النقطة هي من النقاط التي فيها أخبار تحتاج لتأكيد. فالحق الثابت هو أن للجولاني بيعة في عنق البغدادي. أما ما قال عن بيعة البغدادي للظواهري، فهذا خبر يحتمل الصدق والكذب، ولا يرتفع للصحة أو البطلان إلا بتوضيحٍ من الدولة. وسكوت الدولة عليه قرينة قوية ضدّ موقفها عامة.
      • الاستيلاء على الأموال والمقرات: وهذا أمرٌ لا يمكن الحكم في تفاصيله إلا لمن عايشه عياناً. لكن يمكن أن يقال أنّ مقرات النصرة قد كسبتها برجال وعتاد ومالٍ حين كانت تحت إمرة الدولة بلا خلاف، فالواجب أن تردها إن ردت البيعة، بغير قتال أو قتل أنفسٍ مجاهدة. وقد يقال إن البيعة كانت للشيخ الظواهري فلا يصح هذا القول، فيتحصّل أن أمر بيعة الشيخ البغدادي للشيخ الظواهري وحقيقتها، مرة أخرى، يجب بيانها. من ذلك:
      • قتل المصلحة: ولا أدرى مدى صحة هذ الفتوى! ...... يحتاج الأمر توضيحا من الدولة.
      • قطع الطريق وطرق الإمداد عن المجاهدين المتوجهين لقتال الرافضة كما في دير الزور، وهو مرة أخرى خبرٌ يحتاج إلى توضيح من الدولة عن مدى صحته، وتقريره الشرعي إن صحّ وقوعه.
      • تفاصيل حادثة الأتارب، وقد طلبنا أن ترد الدولة، ولا مجال لمنصف أن يعرف الحقيقة دون بيان يوضح ما حدث، لا مجرد إيمان محبٍ. وقد حاولت استنباط المغالطات في لقاء المحيسني بهذا الشأن، لكن الشاميّ جاء بتفاصيل فيها وفي غيرها، منها قتل أبرياء، ولا يمكن لمثلي ولا لغيري الرد عليها، إلا من هم من قواد الدولة.
      • رفض الدولة لعدة اقتراحات تقدم بها الجولاني والجبهة: منها تنازل الجولاني وتعيين بديل، ورفضهم الإندماج تحت القاعدة، أو أن يتقابل مع البغدادي للوصول إلى حل ملزم. وهذه الأخبار عن المبادرات تحتاج إلى توضيح من الدولة عن سبب رفضها إن كانت هذه الاقتراحات قد قُدمت حقيقة، أو إعلان أنها كذب لا حقيقة لها ابتداءً".

      ومما قدمت يتضح أنني كنت أرجع الكثير من التساؤلات إلى قادة ذلك التنظيم، وأطلب إيضاحهم لمواقفهم، دون ردود، وهو ما كان يزيد من شكوكي مع الوقت، كما يؤكد عدم تسليمي المطلق لدعواهم، أو دعمهم دعماً أعمى كما يفعل بقية أذنابهم.

      ثم جاء مقالي "السّاحة الشامية .. أين حَدث الخلل"[12] فكان عنواناً على بدء تغير نظرتي إلى ذلك التنظيم، ورؤية الخلل في منهاجهم، دون التصريح لإعطاء الفرصة للإصلاح. وقعّدت فيه مسائل في الفتوى، خاصة في الإقدام على الفتوى دون علم، وما يتبعها من تكفيرٍ وقتل. قلت في مقدمته "وأحسب أن غالب هذه المقال سيكون عبارة عن سردّ شبه تاريخيّ، أن سمه إن شئت تتبعاً للأحداث، يحتاج أكثره إجابات، لكنه سردٌ ستضع القارئ، إن شاء الله، على بينة من أمره فيما يجب أن يكون علي بينة منه. فتحديد السؤال نصف الجواب، وتحديد موطن الخلاف نصف الطريق إلى حلّه". كذلك بيّنت "ثم إن جيش المقاتلين على الأرض عادة ما يتبع قواعد الجيوش في عمومها، ومبدؤها السمع والطاعة، وهي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم. لكنها، في هذه الحالة، التي ليس فيها راية واحدة مجتمعة، ليست على إطلاقها، بل تدخل تحت نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" كلّ مخلوقٍ، جنديّ أو غير جنديّ، مُبايع أو غير مُبايع. لهذا يجب على المقاتل أن يتحرى الحق قدر إمكانه، وأن لا ينزع يداً من طاعة إلا إن أمر بمعصية واضحة جلية، كأن يؤمر بقتل مسلمين. وهنا تقع مشكلة، أن من القيادات، بل ممن هم دون القيادات، من يبرّر "شرعييهم" لجندهم قتل المسلمين بدعاوى قد أنزل أدلتها عنده على غير محلها لقصور علم أو لهوى نفس، أو لكليهما، فترى الجند يستحلون قتل المسلم المجاهد، ثم يأتونك بأدلة ألقيت إلى أسماعهم ما أنزل الله بها من سلطان". وقد جاء هذا بعد انتشار أخبار القتل والذبح على يد جنود التنظيم، والتي حاولنا أولاً أن نراها كأحداث فردية، ثم رأينا التناغم والتتابع والقصد فيها، السكوت عنها، كما قلت "ثم الطامة هنا أن من أصحاب العلم، من أفتى فتاوى، دون النظر إلى مآلاتها اليوم، جرّت خراباً كثيراً وأثراً مدمراً على الساحة، كفتوى أنّ العامي له أن يُفتى في التكفير، ومن ثم في الدماء والأعراض. فتلقفتها أيدى بعض الشرعيين، وكثيرٌ من الأتباع المقلدين، من قيادات ألوية أو رؤوس كتائب، فصار الدم لديهم كالماء، لا نقول دم النصيريّ، بل دم المسلم الموحّد المخالف لهم، وإذا هذا المسلم أصبح كافرا مرتدا بتأصيلات ما أنزل الله بها من سلطان، تعتمد على عمومات وإطلاقات ومبهمات ومشكلات". وكان هذا بتاريخ 18 مارس 2014. 

      ثم جاء بعد ذلك مقاليّ "مسائل في السياسة الشرعية تخص الجهاد في الشام-1"[13]، حيث بدأت في فضح منهج التنظيم بطريق مباشر، دون ذكر الاسم، أملاً منى في الإصلاح. ثم تجد من يتقول علينا بإننا لم نسع لإصلاح، ولم نعط فرصة لهؤلاء الحرورية! قلت بالحرف الواحد "وأكرر هنا حرفاً بحرف نقلته سابقاً "ولا يظنن أحدٌ أنني أقرر ما سأقرره نصرة لأحدٍ، فو الله لا أحيد عن موقفي الداعم للصلح بين المسلمين. وإن كنت بيني وبين الله سبحانه أرى طائفة أقرب من الأخرى إلى الحق، وأبعد من الباطل، فهذا شأني مع الله لا يسألني فيه أحد. ثم إني مُسَّلِمٌ لكلّ طائفة بما تستدل به من آياتٍ كريمة، وأحاديث صحيحة، لكن الغرض هنا هو رسم طريقة النظر في هذه الآيات، لا نقل نصوصها"

      وقد ناقشت فيهما أربع مسائل، في المقال الأول:

      المسألة الأولى: هل أخذ بيعة من رجلٍ انتمى إلى الجيش الحر كفرٌ؟

      المسألة الثانية: هل قتال مسلمين لمسلمين آخرين بالاشتراك مع مرتدين، كفرٌ؟

      ثم في المقال الثاني "مسائل في السياسة الشرعية تخص الجهاد في الشام-2"[14]:

      المسألة الأولى: الخوض في الإعذار بالجهل وحكم العاذر به، إعذاراً أو تكفيراً.

      المسألة الثانية: مسألة تسميات جماعات المجاهدين، بين الشرع والتطبيق، حكماً وإفتاءً

      ثم دونت مقاليّ "مسائل حاسمة في العلاقة بين الدولة والنصرة-1"[15]، حيث حاولت أن أحدد مواطن الخلاف بين التنظيمين، لعل ذلك يعين على إصلاح. فناقشت ثلاثة أمور:

      أولاً: نقاط الاشتباك العقديّ

      ثانياً: نقاط الاشتباك السياسي

      ثالثاً: أجندة التقارب وخطتها الزمنية والعملية

      وقد وضعت أجندة عملية محكمة، عرضتها على البنغلي آنذاك، وعلى الشيخ الحبيب د سامي العريدي، الذي كانت ردوده دائما واضحة وسريعة، خلاف تنظيم ابن عواد، حيث قال البنغلي "يجب أن أعود للقيادة"، ثم لم يرجع لنا على الإطلاق، مما يبيّن نوايا هؤلاء في عدم الإصلاح، وتصميمهم على أجندة السيطرة عن طريق القتل والذبح. وقد تحدثت في المقال الثاني بالذات "مسائل حاسمة في العلاقة بين الدولة والنصرة-2"[16] عن مشكلة التكفير بوضوح وقلت "فهذه النقطة يتساوى فيها الطرفان، ويقع فيها اللوم على كليهما، وإن كان تأثيرها السلبيّ على الأرض يقع على عاتق الدولة بشكلٍ أكبر، فالحديث عن الكفر والرمي به شئ، وحزّ الرؤوس وشق الصدور وبقر البطون بالفعل شئ آخر. وهذه، مع الأسف، هي الصورة التي رسمتها يد الدولة لنفسها بنفسها، على أيدى أتباعها في الجيشين، جيش القتال وجيش النت على السواء، تحت شعار التمسك بالحق والقوة فيه، وهو خلاف السايسة الشرعية والأحكام الفقهية على السواء. ومن ثم، فإنه يجب على الدولة تتبع هذا العيب المقيت، والضرب على يد من يقوم عليه بقوة وحسم وصدق، إذ إننا لم نر من الدولة إلا تبريرات على ما فعل أمراؤها على الأرض، إلا إحالة على أقوال الشيخين البغدادي والعدناني على الشرائط، وهو ما لا يوقف عدواناً ولا يصلح انحرافاً. كما يجب عليها أن تنقل فقهها الصحيح، إن كان حقاً هو ما تراه، إلى أتباعها على الأرض وعلى النت، فقد والله أساء كلاهما لشكل الدولة وسمعتها، إلا عند أنصارها بالطبع، فهم في نشوة من هذا الأمر، نخشى ألا تنتهى على خير. وكم من محاولات سبقت رأينا ما آلت اليه، ولكن كثر القائلون وقل السامعون".

      كما تناولت في ذاك المقال موضوع البيعات، ووضعت تساؤلات أمام جبهة النصرة، وتنظيم الدولة، بل نقدت فيه موقف الشيخ الظواهري حفظه الله، لعدم بيان هذا الأمر، وعلاقة القاعدة بذاك التنظيم، حيث تساءلت "لماذا لم يكشف الشيخ الظواهريّ عن بيعة البغدادي له بشكلٍ واضح صريحٍ، بعد هذا الصراع الذي بدأ بين إخوة المنهج، رغم ان ذلك كان سيؤدى إلى حسم آراء الكثير من المجاهدين. إلا إن قيل في الاعتذار عن ذلك أن هذا أمرٌ يجب أن يحاط بالكتمان، وهو مردود عليه بأن بيعة الشيخ الجولاني لم تحط بكتمان"، كما قلت في نفس المقال "أمرٌ آخر لم يتضح يقيناً، وإن كانت القرائن عليه قوية جداً، وهو أنّ الشيخ البغداديّ رضي بتحكيم الشيخ الظواهري بينه وبين الشيخ الجولانيّ، ثم لمّا أتى جواب الشيخ الظواهري على غير ما أرادت الدولة، لم يأخذ به، والرضا بهذا التحكيم قد ثبت من عدة جهاتٍ، منها من هم من الدولة. فلماذا رجع الشيخ البغدادي عن نتيجة التحكيم؟ وهي نقطة تردّد فيها الكثير من الأقوال لنفيها أو تبريرها، ولكنها كلها لم تسلم من تجريح معتبر". وهو ما ردّ عليه الشيخ الفاضل الجليل ببيان واضح في رسالته بتاريخ 3 رجب 1435 الموافق 2 مايو 2014، حيث أعلن تبعية تنظيم ابن عواد للقاعدة، وأنه أمير إبراهيم بن عواد العراقيّ، ولم يعارض ابن عواد في ذلك. وبعد هذا البيان، اتضح أنّ النقطة الرئيسية التي كان ذلك التنظيم يبنى عليها شرعيته، قد سقطت، خاصة بعد استشراء الذبح والتنكيل والاغتيال بين صفوف قادة الجهاد على يد هؤلاء المجرمين المتلبسين بمسوح الاسلام.

      وحتى ذاك التاريخ، 27 مارس 2014، لم أكن قد يئست من الإصلاح، فكتبت الجزء الثالث من المقال ذاته"مسائل حاسمة في العلاقة بين الدولة والنصرة-2"[17]، وعرضت خطوات إصلاح للنوايا، وللأقوال وللأفعال.

      ثم زادت حدة حديثي مع تنظيم ابن عواد، لذلك كنت أتلقى من ساعتها الكثير من السباب والشتائم، رغم عدم معارضتي لهم بالكلية، فتعودت أن أبدأ مقالاتي "للعقلاء فقط" لعلمي أن أكثرهم لا عقل لهم على الحقيقة. فكتبت مقالي "بصراحة .. في أمور الشام"[18] حيث قررت أنّ "لكن اليوم، وبعد هذه التجربة التي دامت أكثر من أربعة أشهر في هذا المجال، ومع العلم أنه لم يعد في العمر بقية لمداراة أو مناورات، أشعر أنه يجب أن أضع بعض النقاط على الحروف، رغم أنني قد ضمّنت رأيي فيما كتبت من قبل. وسأذكر هنا مآخذى على التنظيمين الأكبر على الساحة، رغم الإقرار بأنهما ليسا وحدهما على تلك الساحة، بل غيرهما يتواجد هناك بصحيحه وسقيمه، وبصوابه وخطئه، وبحقه وباطله. فقد تحدثت من قبل عن نقاط الخلاف بينهما في مقاليّ " مسائل حاسمة في العلاقة بين الدولة والنصرة – 1 & 2. لكن هذا المقال في نقاط الخلاف بيني وبينهما، وفقهما الله جميعا للخير. ويجب أن أنبه إلى أنّ ذلك ليس "طعنا" في الدولة ولا في النصرة، وإنما هو بيان لما أراه عليهما من خطأ في التصرف وحياد عن الحق". وهاجمت فيها تنظيم الدولة لما ظهر فيه من غلو، ومجانبة للأمر الشرعي، وعدم المبالاة بأقوال العلماء، والتركيز على التوسع على الأرض، دون دعمه بغطاء شرعي صحيح على منهج النبوة، بل مجرد اعتساف لأدلة يموّهون بها على صغار الفهوم وخفاف العقول، ممن يلتقمون كل ما يلقى لهم من فتات علم.

      وقد تناولت في هذا المقال، غلو كثير من أنصار تنظيم الدولة في التكفير، وسكوتها عنهم، وتبريرها لهم، والغموض في مفهوم الدولة، وعدم وجود تبريرات شرعية علمية لهذه التصرفات، وغير ذلك ما يجده القاري في نص المقال.

      ثم أصدرت بعدها في 16 أبريل 2014، مقالا بعنوان " عوامل يجب اعتبارها في جهاد الشام - قَالُوا۟ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"[19] ،كررت فيه نقدي ومخاوفي مما يجرى على الساحة من تصرفات ذلك التنظيم، قلت "ونودّ أن نشير هنا إلى حقيقة إننا لا نوالى أحداً من الأطراف ضد آخر، ولا ننصر أحداً على أحدٍ، إلا من ظُلم. وما نقول ما نقول إلا لوجه الله تعالى، ورجاء أن يكون هناك آذان تسمع وعقول تقنع، بحقيقة أن ما يجرى اليوم. فهو إثم عظيم وخطأ استراتيجي، سيعرف أذاه من يتولى كبره "قَالُوا۟ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"الأعراف 164. فلا نجامل أحداً فيما نقول ولا نخشى لوماً أو تعصبا أعمى أو سبّاً أو قدحاً أو تعريضاً أو تجريحاً، فإن الله هو حسيبنا" ، وقد ركزت فيه على غموضومفهوم الدولة كذلك، قلت "الشاهد أنّ "الدولة" هنا، قد ألزمت نفسها، وعاملت غيرها، بمفهوم غير واضح ولا مستقر. فإن عنت بإطلاق لفظ "الدولة" ما يقصد به القانونيون في العصر الحديث، فلابد لها من عاصمة، وحدود مستقرة، لا تتغير كل فترة حسب ما تفقد من أرضٍ، أو تستولي عليها. وأظن أن "الدولة" لا تقصده، من حيث إنه اتباع لمفهوم سايكس بيكو في تقسيم أرض الله! وقد كانت الدولة الكندية عرضة للإنقسام عام 1996، من قبل الجزء الفرنسي فيها، وكانت تستعد لتغيير كلّ ما هو متعلق بكيانها إن حدث الانشقاق، إذ تغير الحدود يملى تغيرات كثيرة تتبعه، في منطق الدول الحديثة. وإن لم تكن تقصد هذا المصطلح بمعناه الوضعيّ، فلماذا تحارب دونه، وتوالى وتعادى دونه، بل وتغرس في عقول أتباعها وأنصارها كلّ هذا التحيز والتعصب للمصطلح، حتى إنهم يفاصلون عليه. ثم إن "المدينة المنورة" لم تكن دولة، ولم يُطلق عليها أحد اسم الدولة إلا المؤرخين المحدثين في القرن الماضي".  

      وفي ذلك الحين، اتصل بي البنغلي، وذكر لي أن القادة مهتمون بما أكتب نقداً للدولة، ولكن إن كان هذا بلا بد، فلعلى أرسله لهم بشكل خاص، حتى لا يحدث بلبلة، وقد رحبت بالطلب، حيث أني كنت قد فاض بي الكيل، وكتبت خطاباً للتنظيم، تحت عنوان "الإنصاف فيما يجرى على أرض الشام من اختلاف"[20]، أبين فيه عواره بعد حملة الاغتيالات الأخيرة، وتصرفاتهم التي لا تؤدى إلا إلى حرورية الفعل والمعتقد. فأرسلت هذا الخطاب في 2 أبريل 2014، وأرسلته له مع قضاة شرعيون في تنظيمهم، إذ توقف آنذاك عن الرد، ولم أنشره. وانتظرت 16 يوماً ليصلني أي رد، بلا فائدة، فنشرته على الموقع.

      ثم، بعد مشاورات، وحوارات، وتحقيقات من صحة الأحداث، أصدرنا بيانا مشتركا مع الشيخ الفاضل د هاني السباعي تحت عنوان "بيان براءة ومفاصلة"[21]، أعذرنا فيه إلى الله من هذا التنظيم الحروري، بعد أن ثبت لدى الشيخ د هاني، نفس النتيجة، من محاوراته مع أولئك القضاة، الذين ظهر أنهم يموهون ويضيعون الوقت، ويدلسون.

      وأختم بما قلت في تأريخ سريع لما حدا بنا إلى هذا الموقف من الجماعة الحرورية، في مقال "هذا منهاجكم معوجّا فاتركوه"[22]، قلت "لكنّ الحوادث تَرِد بما لا يَرِد على الخاطر، والنائبات تصيب من حيث لا يحتسب الناظر. وقد كنا قد وصفنا جماعة الدولة من قبل، بالنقاء والجدة في الجهاد، كما قال عنها الشيخ الشهيد أسامة بن لادن أول نشأتها، وما ردّده معه الشيخ الجليل د أيمن الظواهري، حفظه الله. وكلنا، في هذا كنا سواء، شهدنا بما علمنا، وما كنا للغيب حافظين.

      إلا أنّ الأيام قد أظهرت لقيادة القاعدة، ولنا، ما خيّب الظنون، واستبدل الآلام بالآمال، بعدما بدا منهج تلك الجماعة يظهر رويدا رويداً، تتكشف حقيقتُه، وتتكامل صورته.

      ولا تثريب علينا، ولا على مشايخ القاعدة، في انخداعهم بما لم يكن ظاهراً في أول الأمر، فإن هذا حال البشر، لا يأتيهم وحي يخبرهم عن حقيقة من حولَهم، إلا بخبرة الزمن، ودلالة السيماء، وشهادة التصرفات.

      ومما ساعد على تكشّف الأمور، بالنسبة لنا، هو بعض ردود الأفعال التي رأيناها من قيادات تلك الجماعة، مما أخذ طريقه في النفس، تساؤلاً، ثم تعجباً، ثم نقداً، ثم استنكاراً، ثم تبرأً ومفاصلة.

      فعلى سبيل المثال، وضع العراقيل أمام كلّ محاولة للصلح والتقارب. وقد تفهمنا هذا فيما قدّمه مبادرة الأمة، خاصة بعد خروجِ الشيخ المحيسني عشية اشتراط الجماعة شروطاً على المبادرة، يحرّض على القتال، ويدفع عليه الناس. وهو أمر، لا زلنا إلى لحظتنا هذه، ونحن نقرر ما في عقيدة هذه الجماعة من خلل، نقرر أنه لا يصح الدعوة إلى الاقتتال بينها وبين المسلمين من الطوائف الأخرى. بل يجب أن تستمر محاولة رأب الصدع.

      ثم حاولنا، والشيخ هاني السباعيّ، مراراً، أن نتحدث إلى قيادات في تلك الجماعة، نعرض عليها أفكاراً وحلولاً، تحدثنا بشأنها مع جبهة النصرة، ووجدنا منها ترحيبا، لكن دون فائدة، يشهد الله!

      لكننا، لم نمل من تكرار المحاولة، ولم ندعُ إلا للصلح ووقف القتال. إلا أن هذا التصرف قد بذر بذرة الشك في النفس، أنْ لماذا لا يريد هؤلاء أن يقبلوا أية وساطة، ولا أن يخضعوا لأي تحكيم أو محاكمة إلا على ما الطريقة التي يريدون؟ وبدأ موضوع ردّهم لتحكيم الشيخ الظواهريّ يعود إلى سطح الوعي، وينمو التساؤل، ما هي حقيقة توجهات تلك الجماعة؟

      ثم بدأت الدورة الثانية من مسلسل "انجلاء الحقيقة"، وهو ما كان من أمر ما اتخذته الدولة طريقاً لها من فتاوى الشيخ الحازميّ، خاصة فيما يتعلق بتكفير العاذر، وترك المجال للعوام في الافتاء بالكفر والردة! وكانت سلسلة مقالاتنا. وكان أن اتصل بي الشيخ تركي البنعلي يومها وطلب منى أن لا أشير إلى الدولة في حديثي عن الحازميّ، وأن أجعله رداً علي الشيخ لا على جماعة الدولة، إذ ليس ما يقول من عقيدتها ولا هي تدين بها. فقبلت مسروراً، وكتبت تغريدة بشأن ذلك عمن "وثقت به تمام الثقة" حينها. ثم كان ما تعرضنا له من سفاهة كوكبة جهال على تويتر من كبار أنصار الجماعة ومن إعلامييها، الذين تولوا كبر الترويج للحازميّ وفكره في هاتين النقطتين بالذات. فطلبنا من الجماعة أن تنكر على هؤلاء تبنّيهم لهذا الفكر علنا، وأن تتبرأ منهم، إذ، كما ذكرنا مراراً، هذا مما يشوه عقيدتها أمام أهل العلم، ممن لا ينخدع بتزويق الكلام. لكن، سمعنا كلّ غثّ في عدم إمكانية ذلك، بدعوى أنهم لا يمثلون الجماعة، وأن الجماعة لها بيانٌ عام في هذا الشأن، وأنه لا وقت لدى المجاهدين ليردوا على أحد! فبدأت بذرة الشك تترعرع في نفوسنا. أيّ "دولة" هذه التي ليس لديها من يذبّ عن عقيدتها حين تخرج عصابة تنسب لها ما لا تعتقَده؟ وكان هذا أول مرحلة التعجب ثم النقد لهذا الموقف، هيناً ثم عنيفاً. ثم اعتبرنا السكوت رضا، بل موافقةً، بل توجهاً وتوجيها.

      ثم بدأت أحداثٌ تتوالى على الساحة الجهادية، عن عمليات قتل فردية، لا علاقة لها باقتتال على حواجز أو محاولة السيطرة على مدينة أو قرية. ومنها، حسب ما وصلنا، موضوع حزاز الرؤوس، وجزار الجماعة أبو عبد الرحمن العراقيّ. ثم جاءت حادثة ذلك القاتل الأوزبكي. وقد حاول البعض أن ينفي علاقتَهما بالجماعة، وأن يروج أن الأوزبكي مطلوب للمحاكمة. وهي كذبة دارجة عند هذه الجماعة، استعملوها مع الشيخ د هاني السباعي بشأن ذلك المتشرعن أبو معاذ، أو أيا كان اسمه.ّ

      ثم جاء حدث قتل الشيخ الشهيد أبو خالد السوريّ، وأشارت كافة القرائن على أن أعضاء من هذه الجماعة الحرورية هم من نفذوها. وأبت الجماعة إلا أن يُبعث أبو خالد من موته ليدل على من قتله منهم. وكأن الحكم بالأمارات ليس من الشرع! وهو ما سنتناوله بعد إن شاء الله. وكان هذا الحدثُ حجراً ثقيلاً ألقي في بركة أخطائهم، فأثار النقع، وهيج الشكوك.

      ثم جاءت أخبار توجهِهم إلى البوكمال وغريبة لقتال المسلمين، وهي منطقة محرّرة من النصيرية أصلا. ثم تزامن قتالُهم مع ضرب النظام للمسلمين بداخلها. ثم توجهُهم إلى إدلب، وأخيراً، قتلهم أميري النصرة، وعائلاتهما، ثم حشدهم حول الدير. وهو ما طفف ميزان سيئاتهم، وجعل السكوتُ عن إظهار عوار مذهبهم جريمةَ لا يحتملُها صاحبَ دين وعلم، إلا من اتبع هواه أو كان ممن تلبّس بثوبي الزور، فظهر في لباس العلم، زورا وبهتانا، وقد أشرنا في تغريداتنا إلى بعض منهم بالفعل.

      ثم إننا نظرنا فيما أصدرت قاعدة الجهاد من تبرأ من أفعال تلك الجماعة، التي لخص أسبابَها الشيخ الجليل الظواهري في تسجيله مع مؤسسة السحاب، في الدقيقة التاسعة وبعدها[23]. ثم ما جاء من طامة متحدث جماعة الدولة، مما لم يدع شكاً في النفس في توجهات هذه الجماعة وعقيدتها وسياساتها.

      ونكرر هنا أنني لا أنتمي لأي من هذه التنظيمات، لا القاعدة ولا جبهة النصرة ولا جماعة الدولة ولا الإخوان ...

      وكان أن خرج عنّا بيان البراءة والمفاصلة. إذ لا مجال إلا أن نعلن البراءَة منهم حتى يتوبوا إلى الله، ولا نظنهم يفعلوا، فكما جاء عن السلف "لا يرجى لصاحب بدعة توبة"، إذ يرونه، وأتباعهم المغرر بهم، دينا يتقربون به إلى الله، وهو لا يزيدهم إلا بعداً منه. والله المستعان"اهـ.

      هذا ما كان من تأريخ لتلك الفترة، والخاص بعلاقتي وتطور موقفي من ذاك التنظيم. وقد كتبت، إلى يومنا هذا، ما مجمله 92 مقالاً، شاملا الثلاثة بيانات. من هذا المقالات مفردات، في ردود على ما ينشر مثل رد على د حاكم المطيري وغيره، ومنها مسلسلات "الرد على الحازميّ 5 مقالات"، و "قيام دولة الإسلام بين الحقيقة والأوهام 13 مقالاً"، ومنها بيانات ثلاثة مشتركة مع الشيخ د هاني السباعي، ومنها تلك المقالات الستة عشر التي أوردنا قبل أن نصل إلى حقيقة الوضع في الشام. فمجموع ما دونا قبل تبيان الحقيقة 31 ، شاملاً بيانين، قبل ظهور الحق، 61 بعد الحق، شاملاً البيان الأخير.

      والله على ما نقول شهيد.

      (أضفنا pdfلجميع المقالات المذكورة ليكون سهلاً على القارئ الرجوع اليها، وكذلك وضعنا كافة الروابط)

      د طارق عبد الحليم

      3 ذو القعدة 1435 – 28 أغسطس 2014

      قليل من الجرائم التي قام بها تنظيم إبراهيم ابن عواد العراقيّ، خلال الفترة المؤرخ لها:

      10 / 11 / 2013 : أبو أيمن العراقي والي داعش في الساحل يعدم الشيخ جلال بايرلي قاضي الهيئة الشرعية

      16 نوفمبر 2013 : جنود البغدادي يدخلون مشفى يُعالج فيها أحد مجاهدي أحرار الشام ويقطعون رأسه بالسكين ،المجاهد محمد فارس تقبله الله.

      5/1/2014 : جنود البغدادي ينفذون مجزرة بشعة بحق سجناء في مدينة حارم طالت 30 من المدنيين والثوار.

      5/1/2014 : جنود البغدادي تصفي الشيخ أبي سليمان الحموي أمير جماعة جند الشام وأحد قادة الجهاد الشامي البارزين.

      31/12/2013 : مقتل الطبيب أبي ريان القيادي في أحرارالشام تحت التعذيب في سجون خلافة البغدادي.

      10/11/2013 : جنود البغدادي تنفذ مجزرة بحق عدد من ثوار الساحل في اللاذقية بعد إعطائهم الأمان وتمثل بجثثهم.

      13/1/2014 : جنود البغدادي تعترف بخطف وقتل أمير جبهةالنصرة في الرقة أبي سعد الحضرمي.

      15/1/2014 : خروج عدد من الثوار والنشطاء من سجون خلافة البغدادي في حلب وعلى أجسادهم آثار تعذيب وحشية

      15/2/2014: جنود البغدادي تغتال أبرز قادة المجاهدين الشيخ المجاهد أبا خالد السوري القيادي بأحرار الشام.

      11 ابريل 2014: استشهاد أبو الليث محمد مجول الراوي في البوكمال على يد الحرورية

      16 أبريل 2014: استشهاد أمير جبهة النصرة في إدلب الشيخ أبو محمد الفاتح الأنصاري مع زوجته وأولاده وكذلك أخوه مع زوجته وأولاده بمنطقة رأس الحصن على يد الحرورية. 


      [1]  [1]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72462

       [2]  [2]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72471

      [3]  [3]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72473

      [4]  [4]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72495

       [5]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72496

      [6]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72622

      [7]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72497

      [8]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72521

      [9]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72522

      [10]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72538

      [11]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72545

      [12]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72552

       [13]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72553

      [14]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72553

      [15]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72554

      [16]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72557

      [17]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72559

      [18]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72564

      [19]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72580

      [20]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72582

      [21]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72583

      [22]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72584

      [23]  https://www.youtube.com/watch?v=MFuBuV__1CE