الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد
لم يكن القرار الذي صدر عن مجلس الأمن الصهيو-صليبي بغريب على من تتبع مسيرة الأحداث الأخيرة في العراق والشام. فإن هذا التدخل كان واقعاً لا محالة، لكن المسألة كانت تتعلق بمتى وكيف، وعلى أي مستو؟ لا غير.
وقد كانت الارهاصات الأولى لهذا التدخل هي في إعلان تنظيميّ النصرة والعوّادية، تنظيمين إرهابيين، دون إتخاذ قرارات وقتها بالحراك في أيّ اتجاه، رغم أن ذلك الوقت كان تورم جماعة العواديّ في أعلى نقاطه. ولا يحسبن أحد أن ذلك لجهل تلك الدول القابعة تحت قبة ذلك المجلس الماسونيّ، أو أنهم كانوا لا يعرفون وقتها أنّ هذا التورم واقع ومستمرٌ، ولا يعرفون عواقبه. بلى، كانوا يعرفون عواقبه، وكلّ ما أرادوه هو قتل مجاهدي السنة على أيدي الحرورية. وما كان ذاك الإعلان إلا ورقة في الجيب الخلفي، يحتفظون بها لتحجيم العوادية، إن انفتحت شهيتهم لجزء من الدويلات المجاورة المرتقبة، ولضرب ما بقي من أهل السنة كذلك.
ولكن الملاحظ أنّ القرار جاء أضعف من أنْ يؤدى إلى استخدام القوة العسكرية المباشرة، كما تم في حالة صدام حسين مثلاً. فقد اكتفي بعملية رمزية لتجفيف منابع، مع تهديد لدول الجوار للتحكم في أبنائها ممن يتطوع للجهاد.
هذا القرار، يعكس حقائق معينة. أولها أنّ دور جماعة العوّادية لم ينته بعد في المنطقة ككلّ، وإن وجب تحديد مسرح عملياته بمناطق أهل السنة لا غير، حفاظا على الكيانات الرافضية في الجنوب، والكردية في الشمال العراقي. ثانيها، أنّ أمر سوريا ليس بالأمر العاجل حالياً، فنظام بشار أثبت أنه أقوى من نظام المالكي كثيراً، وهو ما يجعل الصهيو-صليبية راضية عن بقاء التهديد الداعشيّ له، مع تحجيمه إن لزم الأمر.
والقرار قد تغافل بطبيعة الحال، عن إجرام العوادية في سوريا، في دير الزور وحلب وكافة المناطق التي غزتها عصابتهم. وهو ما يؤيد ما قلنا من أنّ الأولوية لحراسة الأكراد، ثم دعم الحكومة المجوسية الجديدة، المتوقعة بذوق سنيّ صحويّ، ثم إفساح المجال للعوّادية أن يستمروا في سفك دماء السنة، في المناطق التي يسكنها السّنة أصلاً.
وكما نوّهنا من قبل، فإن الضربات الجوية التي توجهها أمريكا، محدودة ونوعية ومحسوبة، تقصد إلى إرسال رسالة إلى العوادية، أن التزموا ما سمحنا لكم بالتورم فيه، لا تعتدوا. فهذا ما سيكون من الأكراد والرافضة كذلك، وإن كنا نتوقع أن تحاول الرافضة في بغداد والجنوب قتال العوّادية من خلال العشائر والجيش الكرتوني، حتى يبقوهم مشغولين على الدوام.
والحق أنّ أحداً التنظيمات السنية، خلافا للعوادية الحرورية، لم يبدى رغبة في التصادم المباشر مع القوى العالمية، بل أرادت أن تقف في وجه التطهير العرقيّ المالكي الصفويّ، وفي إعادة الحجم السنيّ إلى العراق، ولترسيخ حقيقة الحكم الإسلاميّ وتمطينه قدر المستطاع. ومع ذلك، ومع عدم التهديد المباشر، فقد صدر القرار بفضّها. وما نتوقع إلا أنْ تُوجّه بعض ضربات لمواقع النصرة وغيرها من الكتائب المستقلة في سوريا، لإضعافها.
فماذا بعد هذا القرار إذن؟
لا أظن أن القرار اليوم في يد أحد من المحاربين في العراق وسوريا. أمّا عن الحرورية العوادية، فإن الغالب أنهم لن يتعرضوا لضربات حقيقية شديدة، على الأقل في هذه الفترة التي ينشطون فيها في قتل أهل السنة في الدير وفي مناطق أخرى. وإن قصفوهم، فسيكون قصفهم في شمال العراق، لإلزامهم بالحدود المتفق عليها، للدويلات الأربعة، ليس إلا. ولكن سيأتي عليهم دور في المستقبل الأبعد، حين تستقر الحدود، فيقلموا أظافرهم، ويتركوهم ناراً على "المرتدين" من أهل السنة، وسلاماً على من حولهم من الأنظمة الأخرى.
فكل المقاتلين اليوم، بحق أو بباطل، لا يملكون إلا التربص، وانتظار ما تأتي به الأيام. لهذا فإن قتال العوادية اليوم، هو مما يجب أن تستمر عليه قوى السنة، دون هوادة، فإنهم، في مقابل القوى الصليبية، سواء. ثم العوادية يقتلونهم، ولا يراعون ولاءً ولا براءً ولا غيره، كما يتنطع به أصحاب الورع البارد.
ثم يجب الحذر، شدة الحذر، من عودة الصحوات الحقيقية، لا "صحوات" الحرورية، التي تشمل كل مخالف لم يبايع مَسْخهم. فإن الدور التالي لنشر فكرة التدخلات العسكرية، هو تسريع تكوين تحالفات مع الجاهزين من الخونة، فلا بد من الحذر، وإن كانت تلك الصحوات لا تزال أفضل من الحرورية، فهم لا يستهدفون العوام من السنة المسالمين، كما يفعل مرتزقة بن عواد، لكنهم، الصحوات الحقة، خطرٌ عظيمٌ على مسيرة الجهاد، وطريق التمكين.
د طارق عبد الحليم
22 شوال 1435 – 18 أغسطس 2014