الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد
حكمت عائلة الأسد النصيرية الكافرة سوريا قرابة نصف قرن من الزمان باسم البعث الشركيّ، وحكم الطاغية صدّام حسين العراق، حكما دموياً طوال ربع قرن من الزمان، باسم بعث ميشيل عفلق الشركيّ. لكن كلا النظامين كانا مكشوفين لأهل السنة، سواء لعلمائها، من تاريخ البعث والنصيرية وحقيقة الحكم العلمانيّ الديكتاتوري، أو لعامتها، من واقع ما يرون على الأرض من استهتار بالدماء والاعتقالات والفساد المستشرى، والبعد عن الدين وإقصائه. من ثمّ كان الكره والرفض حقيقة واقعة في نفوس غالب أهل العراق والشام لهؤلاء الحكام، وإن كانت القبضة الأمنية من القوة بحيث عطّلت وأخرت أيّ محاولات جادة لخلع أولئك الطواغيت.
كان البعد عن الدين وإقصائه سمة عامة مشتركة، ولا تزال، بين كافة الأنظمة العربية المرتدة. وكان من الآثار الجانبية المدمرة، التي أوجدها هذا العداء للإسلام، هو إيجاد تصور له، إمّا مصنوع علي يد تلك الأنظمة، وهو الإسلام المستأنس المدجّن، يستبدلون به الإسلام كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، أو تصورات لا حصر لها، رفضت الصورة الرسمية منه، لكنها لم تعرفه على صفائه، علماً وعملاً، فضربت في عمايات، وأخرجت بدع متتاليات، كلها يدّعي إسلاماً، بفهمه وتصوره.
لكن أمر العراق والشام اليوم أمرُ جدّ، ما هو بالهزل. أمر العراق والشام اليوم هو أمر تزييف وتشويه لحقيقة الإسلام، التي كان أهلهما يريدانه، وإن اختلط عليهما حقيقته.
فقد خرجت الجماعة العوّادية، من رحم التطرف العقديّ، الذي يصاحب الطغيان والتطرف الإلحادي، عند من لم يكن له قلب يفقه به أو آذان يسمع بها. فإن ذلك الطغيان والتطرف الإلحادي لم يُخرج كوارث بدعية في كلّ الأحيان، بل ظلّ هناك علماء ربانيون وأتباع أوفياء للمنهج الذي تربوا عليه، وإن كانوا ثلة قليلة، بحسب طبيعة الحق وطبيعة الخلق. لكن أصحاب بن عوّاد هربوا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولم تمكنهم نفوسهم الضعيفة وفهومهم المُختلة من أن تقف بهم الحالة البندولية التي تصاحب مثل تلك التغيرات في الوسط الأعدل.
ظهرت هذه الجماعة الضالة، إذن، في ظروف ممهدة لها، تتمثل في ضعف البنية السنية من ناحية، وتخاذل الجماعات الديموقراطية الإخوانية من ناحية، وتقبّل الشباب الجاهل لأي حلّ يهيأه لهم أيّ اتجاه كان، وتطرف الحكومات المرتدة في مطاردة الإسلام وإقصائه، فحانت فرصة نادرة، للبدعة الحرورية خاصة، أن تنمو وتترعرع.
اليوم، قد آتت هذه العوامل ثمارها، فتورمت الحرورية، تنظيماً وفكراً، في أنحاء من العراق وسوريا، وسمحت لهم الأنظمة الغربية أنْ يسيحوا في الأرض، لمدة معلومة، حتى ينتظم لهم الوضع في العراق، ويعيدوا ترتيب الأوراق. وهو وقت كافٍ ليقتل هؤلاء المجرمون قادة الجهاد السنيّ، نيابة عن القوات الصليبية أو الرافضية النصيرية. ثم بعدها، يعيدوه إلى حجمه، إما بإزالته كلية من على خريطة الأرض، أو الإبقاء على جزء منه، ليكون دائماً فزّاعة للمسلمين من أيّ حديث عن خلافة أو دولة إسلامية.
ومسيرة الدم التي بدأها هؤلاء العوّادية، نيابة عن القوى العالمية، لن تقف. وأمراء الدم لن يتورعوا عن فعل كلّ فاحشة وقتل كل نفس يرونها مرتدة في دينهم الذي يدينون به. فقد أدخلوا مسيرة الجهاد عامة في نفقٍ مظلمٍ، لا يرى أحد منه مخرجاً إلا ما شاء الله.
لا بد من عملية تصحيح لمسار الجهاد. لا بد من ضوء يوقد، ينير الطريق في نهاية النفق المظلم.
إن الاستسلام لهذه الحالة المخزية هو مسؤولية قادة الجهاد وعلماء الأمة. والتأخر في إصدار موقف موحّد من تلك الجماعة الظالمة القاتلة، لا يعود إلا على مسيرة الجهاد ضد الطواغيت العربية بالتأخير والبلاء.
ونحن نتفهم موقف عدد من العلماء ممن يسير في هذا الطريق كما يسير المرء في حقل ألغام، لما يحيط بهم من مخاطر غير منظورة. لكن يجب أن يكون مفهوماً أنّ كلّ من يتحدث في هذه الأمور عامة، وفي قضايا دفع الصائل في بلادنا خاصة، سواء عاش في بلاد العرب أو في بلاد الغرب، كلها سواء، معرّض لكثير من الابتلاءات، فالمتربصون من الكفار والمرتدين والمبتدعين، والحكومات الغربية العميلة والغربية كلها متربصة بكلٍّ. وهي فتنة وضريبة يدفعها كلّ حسب ما قدّر الله له وكتبه عليه.
د طارق عبد الحليم
20 شوال 1435 – 16 أغسطس 2014