فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      هل ذبح البشر من الإسلام – جُرْمُ على جُرم؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      تواترت أخبار الحرورية العوّادية من كلاب أهل النار، على ذبح المسلمين كما تذبح الشاة، وتلذّذهم بذلك الفعل، واستخدامه وسيلة لقتل أعدائهم من مسلمي السنة، ومن غيرهم. وتعلّلوا في ذلك بأن هؤلاء كفار حكمهم الذبح، وأنهم يتّبعون "سنة" رسول الله صلى الله عليه وسلم! حاشاه، وأخزاهم الله، وزادهم عمى على عماهم وطمس على قلوبهم.

      والتعلة الأولى، التي هي إنهم كفّار، مردودة عليهم، كتبنا فيها ما يملأ عقولاً تفهم عن الله، كما دوّن وخطب كافة من انتسب للعلم مثل المشايخ أبي قتادة والسباعي والمقدسي والعلوان والحدوشي وغيرهم كثير من الأفاضل، فلا حاجة للإعادة. وهذا هو محض سبب تسميتهم بالحرورية، إذ يكفّرون المسلمين بما ليس بكفرٍ إلا في فقههم الدنس، ثم يقتلونهم على ذلك.

      أمّا أن هؤلاء يذبحون كالشياة، فهذا جرمٌ على جُرمٍ. هذا فقه العميان، من الحرورية الظاهرية العوّاديّة، كلاب أهل النار، أخزاهم الله.

      نعم قد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه سلم قد حكم على البالغين الذكور من بني قريظة بالذبح، إقرارا لحكم سعد بن معاذ رضى الله عنه، لشناعة جرمهم، وخيانتهم للعهد الوثيق. كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال "والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح".

      والأمر هنا، ككلّ أمر آخر يعقله الناس، يجب النظر في معانيه ودواعيه. فالمعاني تُعنى باللفظ، والدواعي تُعنى بالأسباب والأفعال.

      والأصل هنا هو أنّ من ادعى أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بعث لذبح الكفار، فقد سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقض إسلامه، وخرج من الملة. فإنّ الله بعثه صلى الله عليه وسلم هدى ورحمة للعالمين، يهديهم للإسلام، ويعلمهم طريق الإيمان والإحسان، لا جزاراً، حاشاه، يعتني بذبح المشركين ليل نهار!

      أمّا عن لفظ "الذبح"، فإنه لم يرد نصاً واحداً فيه ذبح المرتد، بل في حديث البخاريّ "من بدّل دينه فاقتلوه"، فقتل الرتد بعد استتابته فرضٌ على وليّ الأمر المسلم. فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة "القتل"لا "الذبح"، إذ المقصود إنهاء حياته، لمفسدته على المجتمع، لا تعذيبه، فسيلاقي من العذاب عند الله ما ليس له قرين في الدنيا. فهذا نصّ في القتل، لا في الذبح. ويتضح ذلك في حديث مسلم عن شدّاد بن أوس رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته". وهنا يتضح الفرق بين القتل والذبح، وواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن البهيمة في سياق الذبح خاصة، ومن قال إن قوله صلى الله عليه وسلم "فليرح ذبيحته"، يعني بها بشراً، فقد خَرُب عقله وفسدت فطرته.

      أمّا عن حديث "لقد جئتكم بالذبح"، فالذبح هنا لا يُحمل على نصّه، وإنما يراد به القتل لمن لا يؤمن، وقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وصحابته، وقتلوا كثيراً من المشركين بالسيوف، وهي أداة الحرب في عصرهم، ولم يُعرف أنه ذبح إلا بني قريظة، وأقر بن مسعود على ذبح أبي جهل لشدة كفره وجرمه. لكنه لمّا فتح مكة، عفا عن الكلّ إلا من كانت له سابقة لا تحتمل عفوا، ولم يأمر الصحابة بأن يسيروا بين الناس، ليوقعوا على استمارات توبة، وإلا ذبحهم، كما تفعل الحرورية من أتباع المجرم بن عوّاد. بل أخذهم بظاهر قولهم "أخ كريم وابن أخ كريم".

      أما عن قوله تعالى "فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ"محمد 4، جاء في تفسير الجلالين "فاضربوا رقابهم أي اقتلوهم وعبر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقاب". وهذا في وقت الصدام والحرب كما في تفسير السعدي وغيره "{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في الحرب والقتال"، وهذا الذي تفعله حرورية العوّادية ليس في حرب ولا قتال، بل هو محض دموية تذكرنا، حين نرى الفرحة والتشفي في أعين القاتل والمتفرجين، بحلبات القتل في العصر الرومانيّ، أو بما يسمونه اليوم "رياضة الدم"[1]، مما يجرى في الشوارع الخلفية في شيكاجو ولوس انجيلوس من سفك الدماء تشهّياً.

      أما عن دواعي الذبح، كما ثبت في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بني قريظة فإنّ الوسيلة الوحيدة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل نفس بالحق، هي قطع الشريان الرئيسيّ في العنق. فإنه ليس أمامهم غير ذلك إلا الطعن، وهو غير مأمون في إنهاء الحياة بأسرع وقت وأخف عذاب. وهو ما تعارف عليه بني آدم قبل اختراع الرصاص وأدوات القتل الحديثة، كما كان الغرب يستخدم "المقصلة" لقطع العنق، إذ ليس من وسيلة آنذاك إلّاها.

      أما اليوم، فإن طرق القتل، لمن يستحق، ممهدة بغير ذلك الذبح، تبعا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في إحسان القتلة. ولا يحلّ هذا الذبح إنْ وُجدت طريقة أخرى أسرع وأرحم في قتل المستحق للعقوبة.

      ولا يقال، لماذا إذن نرجم الزناة، وهناك طريقة أرحم لقتلهم، ذلك لأنّ النصّ الصريح جاء بالرجم، والرجم لفظ له مدلول واحدٌ لا يتعداه، ولا يحتمل غيره، كما يتعدى فيما بين القتل والذبح. كما أنّ المقصود في الرجم العذاب، قال تعالى "وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌۭ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ"النور 2. فالعذاب هنا مقصودٌ للشارع، لكنه ليس مقصوداً في حال الردة، ولا يقول ذلك إلا من يتألى على الله، ويبدل مقصده سبحانه.

      هذا كله بفرض استحقاق المسلم للقتل بردة عن يقين واستتابة، أمّا ما يجرى بساحات عصابة بن عوّاد فهذا ليس إقامة لحدود ولا غيره، بل هو مجرد إجرامٌ صريح حروريّ يستحقون عليه القتل، ولكن بإحسان القتلة!

      د طارق عبد الحليم

      14 شزال 1435 – 10 أغسطس 2014


      [1] Blood Sports