أمران اخترقا عقول عدد ممن يُحسب على علماء قادة الجهاد في أيامنا هذه، التي بات توزيع الألقاب فيها (عالم، شيخ، علّامة، مجاهد ...) يخضع لرأي العاميّ، لا الوسط العلميّ الجهاديّ. أولهما، "الحكمة" الانهزامية، فترى أحدهم يدعى الحكمة والتروى وقراءة الأحداث، وفهم مآلاتها، ثم إذا به يخرج بنتائج لا تؤدى إلا إلى الانهزام والتخلي عن جهاد الصائل، وسياسة التفاوضات والتنازلات والصفقات، والمحاورات. وكلها بالنسبة لهؤلاء من "الحكمة" في تناول الأمور.
ويفوت عليهم أن هناك "نقطة توازن في الحكمة" بين حكمة الانهزاميّ وحكمة السنيّ، وهي نقطة يعز على الغالب الأعم أن يضع يده عليها، فلا يكون أحمقاً غرّاً متهوراً، ولا يكون انهزاميّ مستسلم في ثوب حكيم!
وثانيهما، "الورع" البارد، فترى هؤلاء يتورعون عن وصف الأمور بلازم صفاتها، وتسميتها بأسمائها، حتى مع اكتمال شروطها وانعدام موانعها، وهذا يؤدى إلى ورع في التصرفات ينبني على ذلك الورع البارد في التصورات، ما يضع الأمور في غير نصابها، ويعطى فسحة للكفر والبدعة في الغلبة على الحق. فهناك كذلك " نقطة توازن في الورع" بين ورع باردٍ لا يعرف يميز حقاً من باطل، وبين ورع سنيّ يقف على حدود الله، فلا يتخطاها في أيّ الاتجاهين، غفلة عن الحق، أو نصرة لباطل.
د طارق عبد الحليم
8 شوال 1435 – 4 أغسطس 2014