الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد
الفكر الحروريّ، فتنة من الفتن التي نُكب بها المسلمون في عصرنا هذا، ثلاث مرات، الأولى في جماعة شكري مصطفي في مصر في السبعينيات، ثم جماعة الزوابري في الجزائر في الثمانينيات والتسعينيات، وأخيرا جماعة إبراهيم عوّاد الخارجيّ في العراق والشام، وهي الجماعة التي لا زالت ترمي مجاهدي السنة بقوس واحدة آثمة، مثلها مثل الرافضية الخبيثة، والنصيرية الكافرة، والعلمانية المتزندقة، والصهيونية الملحدة.
والقتال اليوم في العراق والشام، يجرى بين كافة الجبهات والهويات التي ذكرنا. يجري القتال بين الروافض والسنة، والروافض والحرورية بشكل جد محدود، والروافض والعلمانية، والسنة والروافض، والنصيرية والسنة، والحرورية والنصيرية، بشكل جدّ محدود.
والمصيبة الأكبر في هؤلاء جميعاً، هي الحرورية. إذ هم يتلبسون بمسوح الإسلام الحق، كما يتلبس الروافض بالاسلام الحق، والنصيرية بالاسلام. لكن هؤلاء أخبث طريقة، إذ هم يعلنون أمام العوام، الجهلة الغرّ الأصاغر، ممن يتبعهم، أنهم على منهج النبوة، وأنهم هم السنة، وغيرهم كافرٌ مبطل. فتراهم يستتيبون الناس من ردة لا من معاصٍ، فيجعلونهم يشهدون على أنفسهم بالكفر، ثم يتوبون عنه! ثم يتطهروا وينطقوا الشهادتين! ثم يقولوا لسنا بحرورية! سبحان الله، بل والله هم أصل الحرورية وعين كيانها. ومن تردّد في تحديد هويتهم، من عالم أو جاهل، فقد خرّف أو انحرف.
فالأمور متشابكة متداخلة، والرايات مختلطة. والتساؤل الذي يجابه المسلم السنيّ العاميّ، الذي قد لا يعرف حقائق العقائد وتفاصيلها، مع من أحارب، وتحت أية راية أقف؟ أكلها مستوية، إن حاربت الروافض والنصيرية، حتى العلمانية منها؟ وهو تساؤل يجابه الأفراد، كما يجابه التجمعات والكتائب والفصائل المستقلة في العراق والشام.
وأود أن أشير إلى ما بيّنا من قبل كما بيّن غيرى، مثل الشيخ أبو قتادة، الشيخ المقدسي، والشيخ السباعي، وغيرهما من أعلام الأمة السنية، موقفنا من هؤلاء. بل ودعونا إلى أن ينضم أتباعهم لجبهات سنية، وأن ينبذوا تلك الجماعة المارقة، التي مرقت من دينها بتكفيرها للمسلمين، ثم استحلال دمهم وأموالهم.
وقد دوّنا في بطلان خلافة بن عوّاد، ومن ثمّ في بطلان بيعته، مقالات وأبحاث، يرجع لها القارئ الكريم على صفحات موقعنا. لكن، هل يعنى بطلان خلافته المسخ، وبيعته الجبرية، أن لا يقاتل أحدٌ في صفه في جميع الأحوال، أو يبايعه أو جماعته، فرداً كان أو جماعة؟
الإجابة بنعم، إلا في حالة استثنائية واحدة، وهي أن تخلو الساحة من أيّة راية سنية، تقاتل الروافض والنصيرية والعلمانية الظاهرة والمستترة، أو لتجنب القتل حفظا للنفس. وهذا الاستثناء ليس لذاته، بل لغيره، بمعنى أنه لدفع أكبر الضررين وتجنب أشرّ الشرين. وما يجوز للفرد هنا، لا يجوز للجماعة، إذ إن تكونت جماعة، ولو كانت ضعيفة، فقد وجب استقلالها عن الحرورية. وهنا قد يفترق النظر، فيرى عالم مجتهد أنّ الحرورية اليوم، أقل ضررا من النصيرية أو الروافض. وقد يخالف في هذا مجتهد آخر، فيرى أنّ الكلّ يعرف شرّ الروافض والنصيرية، لكنّ الحرورية أخفى على العامة ومن ثم تتدسس وتعسعس بين صفوفهم، فتنشر بدعتها بلا رقيب.
أمّا إن وُجدت راية سنية واحدة، يجتمع تحتها جماعة وإن قلّ عددها، وإن كانت لها معاص لا تبلغ البدعة، فلا يصح بيعة الحرورية بحال من الأحوال، بل الصحيح أن ينضم لها كل سنيّ، حال ضعفها، ليقوى شوكتها.
والأصل هو إضعاف شوكة أهل البدعة، والانتصار للسنة، لا مجرد "الانتصار". فقد رأينا انتصارات وهمية كثيرة جرت على الأرض، لم تكن في حقيقتها حروب مواجهة، قدر ما هي عمليات إحلال، تسليم وتسلم، حرورية بدلاً من نصيرية أو رافضة. لكن الحرب الحقيقية والقتال لم نره بعد.
يجب أن تنتبه الفصائل والكتائب أن هدفها هو إعلاء كلمة الله، على نهج وسنة رسول الله صلى الله علي وسلم، لا على سبيل البدعة والخروج عن السنة، كما ورد عن السلف "لا يصلح العمل إلا خالصاً لله، صواباً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم"، فإن كان خالصاً ليس صواباً فهو بدعة، وإن كان صواباً ليس خالصاً فهو نفاق. فإن ادعى فصيل أنه يقيم حدود الله، وهم على عقيدة بدعة حرورية أو رافضية أو إرجائية، لم يكن هو المقصود للشارع من تطبيق الحدود.
فعلى الكتائب والفصائل، والأفراد، ألا يبايعوا جماعة إبراهيم عواد، إذ إن ذلك، في الواقع الشاميّ، حرامٌ لا يحلّ، ونصرة للباطل على الحق، حيث يمكنهم أن يعملوا وحدهم، أو أن يجتمعوا مع جماعات سنية أخرى، وهو متاح لهم، لا مع جماعة بدعية، فإنهم والله لن يفلحوا إذا ابداً. عليهم ألا يغتروا بانتصارات موهومة، صاغتها سياسات أمريكية لتقسيم العراق والشام، ويظهر على السطح للواهم المغفل أنها نصر مجيدٌ وسؤدد مديد!
أمّا القتال في صفهم ضد الروافض والنصيرية والعلمانية، إن لزم الأمر، مع تَحيّز الرايات وتميزها، فهو أمرٌ آخر يخضع لظروف القتال، ولهذا حديث آخر.
د طارق عبد الحليم
7 شوال 1435 – 4 أغسطس 2014