فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السلفية الجهادية .. تسميات تستوجب الحذر!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      من أثقل الأمور على عقلي، وقلبي، هو التنطع في التسميات، وافتعال المصطلحات، التي هي، عند التحقيق، لا تضيف ولا تبين ولا تعين على فهم ما تحتها من موضوعات. بل العكس، تعين على زيادة الخبط والخلط، وتوسعة دائرة الباطل باعتساف بعض الحق تحت تلك المسميات.

      وأضرب مثلاً بتعبير "السلفية الجهادية". ووالله لم أكن يوماً مرتاحاً لمثل ذلك المصطلح، الذي هو، عند التدقيق، فيه من الغرر والتضليل ما فيه. وقد سبق أن تحدثت في هذا الأمر، حين كنت في مصر إبّان حركة 25 يناير. ولكن نصح بعض الإخوة بعدم الحديث فيها بتوسعٍ لحساسية الأمر بالنسبة للعوام من متبعي "السلفية الجهادية"، فسيرمونني بكراهة الجهاد، ومحاربة السلفية!

      والتضليل هنا يأتي من أن مركبات المصطلح، "السلفية" و"الجهادية" يحملان وجه حقٍ بإفرادهما. فالنسبة إلى السلف، تعنى حبهم واتباع خطاهم، فرضاً! والنسبة إلى الجهاد تعنى الإيمان به كمفهوم شرعيّ، وكطبيعة فطرية في النفس البشرية.

      لكنّ المشكلة تأتي حين تضع اللفظين جنباً إلى جنب، فيتولد منهما أكثر من معناهما المفرد. وإذا بصورة جديدة تتشكل لجماعة من الناس، لهم إسلام خاص، أو طبعة خاصة من الإسلام، يتبعون فيها السلف، ويؤمنون بالجهاد! وهذا محض خطئ في الفهم وقصور في التصور.

      فإن الله سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة المنتسبين لأهل السنة والجماعة، لم يأتوا بمثل هذا التصنيف، في أيّ فترة من الفترات، على ما مرّ بأهل الإسلام من عصور ذهبية ونحاسية!

      عرفنا "الجهاد" و"المجاهدين" و "السلف الصالح"، لكن لم نسمع عن "السلفية" أو "الجهادية" إلا في هذه الأيام النحسات.

      وقد يقول قائل: "وماذا في هذا التعبير؟ هو مجرد تمييز لصنفٍ من المسلمين يرى أنّ اتباع السلف وأن الإيمان بالجهاد ضرورة ووسيلة، فما العيب في هذا؟ ونقول: هذا بالضبط ما يعيب مثل هذه التعبيرات والمصطلحات، التمييز بباطل متلبسٍ بحق.

      ذلك أن "الإسلام" يحوى مفاهيم وتصورات، وأحكام شرعية تغطى كلّ مناحي الحياة البشرية، نصاً أو اجتهاداً. ومن ينكر منها مفهوماً يقينياً، أو حكماً ثابتاً بنصٍ أو إجماع أو تواترٍ، فقد خرج عن الملّة، بفرض ثبوت الحجة عليه. ومن تلك المفاهيم والأحكام الثابتة بالنص، أحكام الجهاد. ومن تلاعب بها دون إنكارها كليّه فقد خرج إلى الفسق أو البدعة. قال تعالى: "ٱنفِرُوا۟ خِفَافًۭا وَثِقَالًۭا وَجَـٰهِدُوا۟ بِأَمْوَ‌ ٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَ‌ ٰلِكُمْ خَيْرٌۭ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، وقال رسول الله صلى الله عليه سلم في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد "النسائي، وهو في دفع الصائل.

      كذلك، فإنه من الثابت، عقلاً وتواتراً أن اتّباع السلف الصالح هو وسيلة النجاة، وطريق الهداية. ففي الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين رضي الله عنه، قال :"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم فييما صح عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، "وإياكم ومحدثات الأمور"حسن صحيح رواه بن ماجة والترمذي، ومفهومها اتباع ما كان عليه السلف. وقد روى عن مالك "لا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".

      من هنا، فأن يوصف جمع من الناس بهاتين الصفتين خاصة، يجعل المسلم يعتقد أنّ الصفتين فيهما خصوص، ويمكن أن يكون من لا يتصف بهما على حقٍ كذلك. كأن يقال "السلفية الصيامية"، أو السلفية الزكاتية"، أو "الخَلَفِيَّة الجهادية" وما شئت من تركيبات، لا يصلح منها شئ. إذ فيها تخليط وخبط، وإن صحت مفرداتها على العموم.

      ولا شك أنّ استعمال "السلفية" كتعبير، أدى إلى أن يجعل هناك شرعية مستقلة لها دون أن تؤمن "بالجهادية"، والمدخلية الجامية السلولية والبرهامية المرتدة دليل على أنّ ذلك يوهم العوام أنّ الخلاف على تفصيلة في الشريعة، لا أنّ المنضوين تحت التسميات الأخرى إما مبتدعة أو مرتدة.  

      فصفة "المسلم" الإيمان بمشروعية الجهاد، وأنه واجب على المسلمين في كل وقت ومكان، دفعاً للصائل على أرضهم. ومن يقر بهذا فهو مسلمٌ يعرف دينه، ومن ينكره، كمفهوم، كان كافراً، ومن يخالف في توقيته، فهو إما جاهل أو مبتدع أو مجنون. ولا يحتاج الأمر إلى أن يوصف من يؤمن بهذا إلى الاندراج تحت "فرقة" السلفية الجهادية.

      ومن صفات المسلم السنيّ أن يكون متبعاً للسلف، في قواعدهم وأصول نظرهم واستدلالهم، وفيما يجتمع بينه وبينهم من مناطات، يستهدى بفتاويهم ويسير على منهاجهم. ومن لا يؤمن بهذا، فهو المبتدع الضال المنحرف بلا بد. فما الداعى إلى نسبة "السلفية" هذه؟ فليس هناك إلا سنة أو بدعة، لا غير.

      فسموا الأشياء بأسمائها، رحمكم الله.

      د طارق عبد الحليم

      6 شوال 1435 – 3 أغسطس 2014