فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الرجوع إلى الحق فضيلة .. اعتراف واعتذار!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      كنت قد قمت بعمل دراسة مقارنة، نشرت بتاريخ الأحد 23 فبراير 2014-4 رجب 1435 تحت عنوان"دراسة مقارنة للحركة الجهادية في مصر والشام والجزائر"1" ضمنتها شرحا مقارناً لما جرى، ويجرى في البلدان الثلاثة، من تحركات إسلامية، تسعى، بطريق أو بآخر، بحقٍ أو بباطل، إلى تحكيم الشريعة، حسب تصوراتها العقدية، وركزت في هذه الدراسة على حركة الإخوان في مصر وحركة الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وحركتي تنظيم الدولة وجبهة النصرة في الشام.

      ويمكن النظر إلى هذه الدراسة من خلال ثلاثة محاور، التأريخيّ، والتوصيفيّ، والاستنتاجيّ، وقد بنيت محور التأريخ على ما عاصرنا  وأرّخنا له، شخصياً، في أحداص مصر، وعلى ما كتب بعض كبار المهاجرين، وخاصة الشيخ أبو مصعب السوري، بشأن الجزائر، وعلى ما كان يصلنا من معلومات من أنصار تنظيم الدولة وبعض قياداتها، دون الاستماع إلى طرف حركة النصرة وقتها، لغيابهم الإعلامي آنذاك. ثم قمت بتوصيف الحركات تلك بناءً على تقييمي الشخصي لها، من واقع تلك المعلومات. وخرجت باستنتاجات بُنيت على تلك المعلومات، التي ظهر خطؤها وكذب حامليها وتدليسهم[2] بعد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، مما جعل تلك الاستنتاجات خاطئة مجانبة للصواب.

      وقد رأيت، أيامها، كما قلت في الدراسة "أمّا عن ضرورة نصح الدولة، أونصح غيرها، فهو مما لا نعارض فيه، ولا يُعارض فيه مخلصٌ أمينٌ ومنصفٌ رصين، راجٍ للحق وساعٍ اليه. أمّا عن مناصرتي للدولة، فقد بيّنت من قبل أنها ليست على إطلاقها، وأنها تصدر من أمور عدة، هي نصرة مظلوم تمالأت عليه كلّ قوى الفجور والخصومة الدينية، ثم ما ثبت من قواعدها وما نطق به قادتها، وهو مُحكمٌ ظاهرٌ، ثم تعامل شانئيها مع عدو صهيو-صليبي عميل لقتالها وتشويه صورتها. أما عن بعض أخطائها، فلا والله لا ننصر خطاً ولا نعين باطلاً أبداً، ونسأل الله أن لا ينتهي أمرها إلى ما انتهي اليه أمر "الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر كما سنبيّن".

      فقد بينت إذن سبب مناصرتي في هذه الدراسة لموقف تنظيم البغدادي. والأمر أنه لم يثبت، وقتها، عندي إلا أقوال إما إذيعت على الملأ، أو نقلت لي مباشرة من بعض مسؤوليها. ثم، إذا بها، مع مرور الوقت، يظهر مخالفتها لحقيقة هذا التنظيم، مخالفة تامة، بل ومعاداته للحق وبعده عن السُنة. ومثال ذلك أنه أشاع أنّ جبهة النصرة تتعامل مع كفار النصيرية ضده، ثم إذا بقيادته العسكرية محتلة بقيادات البعث الصداميّ، بل هو يتعاون مع قوات بشارٍ النصيرية ضد المجاهدين. وبعد أن كنت أعتقد أنّ الغلو والتكفير في هذا التنظيم طارئ عارض فرديّ، فإذا به منهج وعقيدة لقيادتها قبل أفرادها، كما تبيّن في خطاب كاذبها المبهت العدناني، وإذا بها تتخذ التكفير وقتل المجاهدين وسيلة لإخلاء الساحة لنفسها.

      لكني، في نفس الوقت، أرسيت مبدأ هاماً، رجعت إليه بعد أن ظهرت الحقائق بلا تدليس أو تشويش، حيث قلت "ثم أبيّن أصلاً آخر هنا، وهو أنْ ليس كلّ من رفع سلاحاً ضد عدو رافضيّ كان إسلامياً، وليس كلّ من رفع سلاحاً ضد علمانيّ أو رافضي كان سنياً مستقيماً. هذا من خادِعات الفهم ومنزلقات النظر. فإن من المجاهدين من انحرف بهم المنهج إلى تكفير أو غلو، ومنهم من انحرف إلى إفراطٍ وتسيّب وممالأة. ومن المحاربين للروافض من هم علمانيون مرتدون، فيجب التمييز والدقة في التوصيف حسب حال كلّ فرد وطائفة". وهو الوصف الذي انطبق على ذلك التنظيم الحروريّ بتمامه، مما يبيّن أننا كنا ننطلق من مبدأ صحيح، لكن على معلومات مغلوطة، "وَمَا شَهِدْنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَـٰفِظِينَ".

      كذلك، فإن القلق كان قد بدأ يساورنا منذ حينها، في توجه هذا التنظيم، فكتبنا في نصحنا "أن الدولة يجب عليها أن تحرص على نقاء صفوفها، وصفوف داعميها في الداخل والخارج، من الغلو والإفراط والتكفير البدعيّ. لذلك ما نرجوه وندعو له ونشدّد عليه، هو أن لا تصرِف الدولة نظرها، نظرياً أو عملياً عن التصرفات الخرقاء والأقوال الفجة التي يقول بها بعض منتميها، سواء على الأرض أو على صفحات التواصل الإجتماعيّ. بل يجب عليها أن تأخذ على أيديهم بمنتهى الشدة والحزم، منعا للوقوع في باطل التجربة الجزائرية في عهد التكفيريين". وقد ظهرت هذه الشكوك بعدها في تساؤلات عدة، في مقالات عدة بعدها، حتى أثمرت تبرءاً ومفاصلة تامة، مع الشيخ الفاضل د هاني السباعي، بعد أن وضح منهاجها الحروريّ البدعيّ، ثم فهم مسارها وأهدافها مؤخراً بعدما ظهر تعاونها مع النصيرين والبعثيين، لتقسيم البلاد، وضمان حصتهم في هذا التقسيم الجديد.

      والانحراف عن جادّة الصواب في الاستنتاج سببه إما منهج سديد يَبنِي على معلومات مغلوطة، أو منهج منحرف يَبنِي على معلومات صحيحة، أو منهج منحرف ومعلومات مغلوطة. والأول يقع لأهل السنة والجماعة، والثاني يقع لأهل البدعة وأهل الضلال والفساد، والثالث يقع لجهلة الأتباع والمناصرين.

      ولست والله ممن يستكبر على أن يكشف خطأ وقع منه، وإن لم يكن موقفي آنذاك بخطئ مطلق، من حيث إنه بني على منهجٍ سديد، مع عدم توفر المعلومات الصحيحة، لكنه خطأ نسبيّ من حيث إنه مجانب للحق، وكلّ مجانب للحق فهو باطل.

      وقد أرفقت هذا التوضيح في نهاية المقال المذكور، ونبّهت على ضرورة قراءته مع المقال، حتى لا يقع للقارئ له إشكالا أو يتوهم منه ضلالاً. وهذا حق الله عليّ والتاريخ.

      د طارق عبد الحليم

      22 يوليو 2014 – 24 رمضان 1435


      [1]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72537

      [2]  كما كذب عليّ المدعو أبو بكر القحطاني في سنّ إبراهيم عوّاد، وفي شهاداته العلمية.