كما قلت سابقا، فقد ترسخت نفسية العبيد في قلوب العرب من استعباد قرون، واستبداد أجيال. ما أن يخرج عليهم رجل يسوسهم، أيّا كان شأنه، حتى يقدسونه، بالحرف الواحد. خرج السيسي في مصر، فبرزت نفسيات العبيد يفوضونه ويقبّلونه ويرفعون حذاءه على رؤوسهم، وأصبح هوالمنقذ والراعي والبطل. وخرج البغدادي في العراق، فخرج أتباع "الخليفة" يمجدون انتصاراته، ويفوضونه، وإذا بألفاظ تمتدحه كأنه من رعيل الصحابة الأول، مولانا، أميرنا حبيبنا محطم الدنيا قاهر الجبابرة، مسقط الطواغيت ..الخ، كأنك تقرأ مانشيت فيلم سينمائي يصف البطل! وصدق شوقي "ملأ الجو هتافا .. بحياتي قاتليه ** أثر البهتان فيه .. وانطوى الزور عليه" لم نسمع أحداً من الصحابة يصف عمراً بهذه الألفاظ، ولا عليّ. كان بالنسبة لهم عمر أو عليّ أو أمير المؤمنين، لا غير. وإنما بدأت هذه النقائص تظهر مع المُلك العضود، وبالذات في عهد العباسيين، ومن طبقة محددة هم الشعراء الساعون للعطاء، لا العلماء ولا العامة. ثم هؤلاء كانوا يمدحون من فتح بلاد الكفار بالفعل وسارت جيوشه من بغداد إلى منتصف أوروبا. ثم، لا نسمع في بلاد الغرب هذه الأوصاف لكائن من كان. لم نسمعها عن تشرشل الذي قاد أوروبا للنصر على هتلر. وإنما سمعناها عن هتلر، الديكتاتور المجنون.
من هنا فإن مثل هذا الجمع اليوم لن يجرى على يديه نصر حقيقيّ واقعيّ، إنما هي مسرحيات محددة الهدف والوسيلة، مرسومة المعالم والحدود.
والله إن الخليفة الحقيقيّ لن يأتي إلا من حاضنة مسلمة واعية، تعرف حجمها وحجم قيادتها، ودورها ودور قيادتها، وكرامتها وكرامة قيادتها، وكلاهما مفقود في أيامنا هذه. فكيفما تكونوا يُولّ عليكم.
د طارق عبد الحليم
11 يوليو 2014 – 13 رمضان 1435