فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الوضع في العراق .. والشام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      لا شك أنّ التحول السريع في معادلة السيطرة على الأرض في العراق، متمثلة في السيطرة على نينوي والتحرك نحو صلاح الدين، يمثل تجديداً لأمل تحرير العراق من الحكم الرافضيّ التابع لإيران. كما يمثل فزّاعة لكافة الدول العربية الخليجية الخائنة المحيطة بالعراق على وجه الخصوص. بل وتمثل ضربة حقيقية للترتيب الصهيو-صليبي في المنطقة، من تقسيم العراق، والشام.

      لكن أمر الحسم، والانتصار الحقيقيّ لا يزال أبعد مما يتخيل بعض هواة السياسة على الساحة.. فإن القوى العالمية التي تلعب دوراً في المنطقة اليوم، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام انتصار قوى إسلامية، أيا كان اتجاهها، وأيا كان توحشها ضد بقية الإسلاميين. بل سيكون لها ردّ فعلٍ قويّ، وإن كانت فرصه محدودة للغاية في القضاء على الوجود الإسلاميّ، متمركزاً في هذه المناطق. بل نحسب أن لا أمل لدي القوى المعادية اليوم في إعادة السيطرة على تلك الأراضي المحررة، بل سيقتصر أملهم على تأخير نصر كامل، أو إيقافه.

      والقوي التي تلعب دوراً اليوم على الساحة العراقية، ومن ورائها الشامية، هي:

      الولايات المتحدة: خاصة وهي التي قامت بغزو العراق وتدميرها من قبل، ثم تسليمها للصفوية، على أمل أن يتمكنوا من السيطرة عليها. لكن الدور الأمريكي اليوم لن يكون حاسماً في هذا الوضع، إذ تعاني أمريكا من أزمات مالية وبطالة داخلية، ترهقها عسراً، وتعاني من تناحر سياسيّ قد يعرقل اتخاذ قرارات حاسمة. كما أنها لن تسمح بدخول قوات برية للعراق، إذ في ذلك انتحارٌ سياسيّ للحزب الذي يتخذ هذا القرار، ولو كان في صالحهم العام. ومن ثم، فلن يكون هناك إلا خيار الضربات الجوية المكثفة، كما حدث في ليبيا، على أمل أن يصاحبها تقدم بريّ رافضي. وهذا السيناريو، لن يحقق ما حقق في ليبيا، خاصة في المنطقة الشمالية. إذ إن المقاومة الليبية كانت تستخدم هذه الغارات الجوية ضد قوات القذافيّ المرتزقة. والوضع في العراق منعكس تماما، إذ إن الضربات الجوية ستكون ضد المفاومة العراقية الحقيقية في الشمال، لمساندة المرتزقة الصفوية. شتان بين الحالين.

      ولا ننسى هنا أن الكيان الصهيونيّ لم يتحدث في شأن هذه الأزمة بالكلية منذ أولها، إذ تولت أمريكا الحديث والفعل نيابة عنه. لكن، إذا اقترب الخطر من حجوه، فسيكون من المصمون أن يدخل بكثافة في الحرب العسكرية ضد أي قوة جديدة ظاهرة في العراق. فهم في هذا الباب، أبعد خطراً من أمريكا.

      دول الخليج والأردن: وهم بلا شك اليوم في أشد حالات الانزعاج والرهبة. وقد توددت تلك التيجان الساقطة إلى الصفوية مؤخراً، وتبنت دعم كلب مصر السيسي، ليكون لها درعا ومؤيداً ساعة الخطر. فكما قلنا سابقاً، إن وجود أي تنظيم إسلاميّ، خاصة لو كان حرورياً، على حدودها سيقلب موازين القوة داخلها، ويمهد لسقوطها بلا بد. وهذه العروش ليس لها أي دور في العراق حالياً، إذ لن تدعم أية قوة ضد إيران. لكنها ستستمر في دعم قوى إسلامية في الشام، لمنع انتشار النار في الهشيم.

      إيران: والصفوية اليوم، في حالة ارتباك بلا شك. إذ إن دعمهم لحكومة المالكيّ ماديا وعسكرياً قد ضاع هباءً، وظهر جلياً ضعف المرتزقة الصفوية في العراق. إلا إنه يجب أن لا ينسى المقاتلون على الأرض أن هناك رافضة عراقية تتمركز في الجنوب. وهؤلاء لم يكون دحرهم هيناً، إذ هم يحاربون على أرضهم وعن عقيدتهم. فالموصل وكركوك والفالوجة ليست كالبصرة.

      التنظيمات الإسلامية المقاتلة: وهنا بيت القصيد. إذ إنه إن كُتب لهذه التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم البغداديّ الحروريّ، ومعه أنصار الإسلام وجيش المجاهدين، أن تنتصر، وأن تعيد أرض العراق لأهلها، فإنه، من المعلوم بالضرورة من عقيدة تنظيم البغدادي، أن سيكون ناراً على قادة الفصائل الإسلامية التي تحارب معه اليوم جنباً لجنب. وستبدأ عمليات اغتيالٍ ومداهمات لمراكزهم، وقتل لمواليهم بلا شك. فعقيدة هؤلاء، التي لا تتبدل ولا تتحول، أنهم على الحق كله، وأن غيرهم على الباطل كله، فهم يملكون الحق وغيرهم لا يستحق الحياة إن لم يكن معهم عليه. هذا معروف متفق عليه، لا ينكروه هم أنفسهم. وهذا ما سيؤدى إلى حمامات دم ستتبع انتصارات قادمة إن تحققت. ولا يغرّن أحد عدم التفاتهم لهذا الأمر اليوم، فهم والله يعملون تقية ويستخدمون يقية الفصائل لصالحهم حتى إذا تم الأمر، ضربوهم بيد من حديد. وهذا الأمر هو الخطر الداخلي الأكبر على التقدم الإسلاميّ في هذه المعركة، ضد الصفوية.

      ثم إن هذا التنظيم، سيوالى الضغط على المجاهدين في الدير بسوريا، يُقتل من يقتل، حتى يسقط في يده، بعد أن تصله الإمدادات من العراق. لكن خريطة الشام أعقد من خريطة العراق كما سبق أن ذكرنا في مقال سابق. فتبقى الخيارات مفتوحة أمام العلمانية والسلولية أفضل منها في العراق بلا شك.

      ولا أرى بصيص أمل في تغيير تنظيم البغدادي لعقيدته التكفيرية الحرورية، فقد ابتلاهم الله بنصر وهم عليها، وهو ما يجعلهم يتمسكون بها أشد التمسك، بل ويفتن بها بعض ممن لم يكن حسم أمره من قبل، لصالحهم. فهي فتنة كبيرة، لا دخل لصحتها من باطلها بنصر أو هزيمة. والله وحده صاحب الهداية.

      ولا يعلم الغيب إلا الله. والنصر الحق لا يكون إلا لمن اتقى وسار على السنة. وانتصار أهل البدعة، كان وهو كائنٌ وسيكون. لكنّ الخيار الحروريّ، وإن صاحَبَه دمٌ سنيّ سيراق على جوانبه، لا يزال أفضل من الصفويين. إذ إن الأمة قادرة على استيعاب الخروج بعد جيلين أو ثلاثة، كما حدث في الدولة الرستمية بالمغرب العربي، وعلى تعديل مسارها العقديّ بعد زوال المؤسسين الأوائل.

      نصر الله السنة وقمع البدعة وأهلك الصفوية والعلمانية والصهيو-صليبية

      ولله الأمر من قبل ومن بعد. ولا يعلم جنود ربك إلا هو.

      د طارق عبد الحليم

      13 يونيو 2014 – 15 شعبان 1435