فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الفائزون والخاسرون في النظام الشرق-أوسطي الجديد

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      الخطر الذي يواجهه المسلمون اليوم في بقعة الأرض التي كانت يوماً موئلا للإسلام وموطناً لدينه وشرعه، أكبر مما يتخيل أولئك الذين يحملون السلاح، يضربون به يميناً ويساراً، دون اعتبار معطيات الواقع المحيط، ولا أقول معطيات الشرع وأصول السنة ومقاييس البدعة. فالسنة والبدعة، كلتاهما اليوم تحت التهديد بالإزالة من التحالفات الجديدة، والتي ما نشأت أساساً إلا للقضاء عليهما، بصفة أنهما ينتميان للإسلام، إما صدقاً وحقاً من أهل السنة، أو زيفاً وحمقاً من أهل لبدعة. لكن هذا القسيم، بين سنة وبدعة، لا يتجاوز أقدام هؤلاء المغفلين من أهل البدعة، عن تلك المخططات الرائجة اليوم.

      فقد تحالفت اليوم كلّ شياطين البشر، على تعدد مشاربها وتضارب أغراضها، على ضرب كلّ ما له صلة بإسلام، من قريبٍ أو من بعيد، من سنية أو بدعية، على السواء.

      تحالف العلمانيون المشركون من أهل الديار العربية، مع الروافض المجوس الأنجاس من أهل فارس، مع الصهيو-صليبية الأمريكية-الغربية، التي هي الداعم الأول لقتل المسلمين في كلّ مكان، مع التيجان الطاغوتية الخليجية السلولية، التي لا ترى إلا بقاء عروشها هدفاً في الحياة، ولو مُزِّقت مصاحف الدنيا، وانفرط عقد الاسلام كاملاً، تحالف كلّ هؤلاء لضرب المشروع الذي كانت قد بدأت تظهر بوادر من ثماره، أولاً فيما عُرف بالربيع العربي، الذي استلم قيادة دفته العلمانيون، وحابت مساعى الإخوان البدعيون في أن يلتقطوا من ثمرة أيّ شئ كان. ثم ثانيا، ما ظهر على الساحة العراقية-الشامية، من عمليات جهادٍ، ظهر أنها قد تمهد لمشروع إسلاميّ حقيقيّ، لو كان أصحابها من ذوى العقول. لكن، قدر الله وما شاء فعل، فإن الخطر الجهاديّ للقضاء على الحكم الرافضي في العراق، والحكم النصيري في سوريا، قد ألجأ كل تلك القوي المتضاربة المصالح، أن تضع أيديها معا، للقضاء عليه. ثم، قدر الله وما شاء فعل، أن تنقسم قواه من الداخل، إلى ثلاثة أقسامٍ، قسم سنيّ يتبع النهج السنيّ القويم، ما أمكن، يستمع للعلماء وأهل الرأي والمشورة، وقسم ركب رأسه، وقتله جهله، فخرج إلى بدعة الحرورية، فصار معولاً إضافياً في يد التحالفات الكفرية، يقتل المسلمين ويقتل معهم الأمل المنشود والعهد المعقود. وقسمٌ ثالث، لا يدرى ما يفعل، يسير في البدعة الإرجائية الإخوانية السرورية، ويريد أن يتوسط بين الإسلام والكفر، رجاء أن يجد لنفسه موطأ قدم في ظل تلك التحالفات، وهيهات هيهات! فما سقوط الإخوان في مصر منهم ببعيد.

      من كان يُصدق أنّ عروش طواغيت العرب، الذين أذلتهم الدولة الصفوية الرافضية الجديدة، يتقربوا تقرب العبد الذليل لسيده المجوسيّ، بهذه الذلة الوضيعة؟ من كان يصدق أن تضع الدولة الصفوية الرافضية الجديدة يدها في يد الصهيو-صليبية بهذا الشكل العلني السافر، دفعا لخطر الجهاد، سنيّ أو بدعيّ حروري أو بدعي إرجائي، من أن يسيطر على الشام، أو العراق. من كان يصدق أن يصل الفُجْر السلولي الخليجيّ إلى حد هذا التواطئ الإجرامي مع العسكرية العلمانية المصرية، التي صارت تتحالف مع المجوس، بعد أن وَلوَل مناهضي محمد مرسي أيام حكمه بأنه يفتح الباب للرافضة في مصر!

      وقد بدأت تلك التحالفات في رسم شرق-أوسط جديد، تهيمن عليه القوة الصفوية، بشكل عام، وتُوطد أقدامها في بلاد العرب، بعد أن دعمت حكومة المالكي المسيطرة حتى اليوم على العراق، وجارى نصرة حليفها النصيري في سوريا، ومن ثم لبنان. والهدف الأساسيّ من هذا التحالف الرباعي الزاهر، هو هدف ثنائيّ باطن، مجوسيّ-صهيو-صليبي، تتقاسم فيه دولة المجوس والغرب الأمريكيّ غنائم المنطقة العربية، وإن كان ذاك التحالف مؤقتاً وخاضعاً للتغير العالميّ الأوسع نطاقاً بين الشرق والغرب، بين الصين وروسيا من ناحية، والغرب الأمريكي الأوروبي من جهة أخرى.

      الخاسرون في هذا التقسيم الجديد، هم عروش الخليج، إذ إن التحالف الثنائي، المجوسيّ-الصهيو-صليبي، المؤقت، سيقوم بتقسيم المملكة السلولية والإمارات الخليجية، فتُفكّكها، ثم تعيد تركيبها مرة أخرى، على الشكل الذي يوافق المصلحة الغربية في البترول والاستراتيجية الجيو-سياسية، ويوافق المصلحة الصفوية في توسيع الرقعة الرافضية، كأن يترك لهم الجنوب  في الجزيرة، يحكمه الحوثيون، وأن يُترك لتيجان سعود نجد، فيعودوا إلى ما بدءوا به، ويكتفوا بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام! وتسيطر حكومة علمانية-رافضية على المنطقة الشرقية، حيث يتواجد الرافضة بكثافة بالفعل، كما تتواجد قوة أمريكية عسكرية هائلة بالفعل.

      أما كيف سيتحقق التصور الجديد على الأرض، فهذه علامة استفهام كبرى. قد يتحقق عن طريق غزو صفوي محدود، عقب زعزعة استقرار المنطقة الشرقية، ودعم الحوثيين في الجنوب. أو عن طريق تدخل أمريكيّ مباشر، بحجة حفظ المصالح الأمريكية في المنطقة، بعد إشاعة عدم الاستقرار الذي تتولاه الرافضة، وهو التصور الأقرب. وهو ما يفسر المحاولة السلولية الخليجية للتقرب من الصفوية، عسى ألا يحدث ما لا يحمدوا عقباه.

      أمّا "الجيوب" الجهادية التي تعمل في العراق والشام، والتي تتمثل في الجماعات والكتائب والجبهات المسلحة، فإن المخطط الرباعيّ، كما ذكرنا، سيتركها لتستنفذ قواها بالحرب الداخلية، بيد الحرورية أولاً، ثم بيد النظام الجديد في الشام، والذي تود الجبهة الإسلامية، هباءً، أن تتولاه، نيابة عن السلولية الخليجية. وهو ما يفسر الميثاق الأخير، والخطاب الرفيق المتحضر، بالنكهة "الإخوانية والسرورية"، الذي تبثه الجبهة الإسلامية في الإعلام الغربيّ.

      والحل؟ كما انتهينا في مقالنا السابق "ورطة المسلمين في العصر الحاضر"، أن سيكون لنا متابعة، نحاول أن نصل فيها إلى ما يمكن أن يكون حلاً، أو شبه حلّ.

      د طارق عبد الحليم

      8 شعبان 1435 – 6 يونيو 2014