فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الجهاد السوري .. على مفترق الطرق!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      تمر كلّ الثورات التي تقصد إلى إزالة الطواغيت بإقامة واجب الجهاد، بمرحلة حرجة، تتمثل على الدوام في الصراع الداخليّ، الذي تمليه أهواء وشهوات من الداخل أو تأثيرات وصفقات من الخارج، أو كليهما معا. وفي الشام الحبيبة اليوم، نرى مصداق هذه الجملة.

      فقد انقسمت الحركة الجهادية اليوم، والتي تُحسب على الحركة الإسلامية، إلى شعب ثلاث، شعبة سنية، وشعبة بدعية، وشعبة خليط.

      أما الشعبة السنية، فهي تتمثل حالياً في جبهة النصرة. والنصرة، كما نراها، قد التزمت بقرارات أمرائها في خراسان، ولم تنحرف بمنهجها إلى الغلو، إلا في بعض أقوالٍ أو أفعالٍ فردية هي قضايا أحوال لا تمثل قاعدة منهجية. وقد التزمت النصرة في منهجها العام بقواعد أهل السنة من تكفير من كفّرته الأدلة الشرعية الواضحة البينة، وتبديع من خرج ببدعة مغلظة، يرمي المجاهدين، وكلّ المخالفين بالكفر، بل ويقاتلهم ويقتلهم على ذلك الاجتهاد البدعيّ، ثم نسبة من عدا ذلك لأهل السنة، على ما قد يكون من معصية أو إثم أو ذنبٍ، يستحق فاعله العقوبة أو الحدّ. وهذه الشعبة السنية هي الأولى بالاتباع والنصرة والدعم، وفي القضاء على هذه العصبة قضاءٌ على أمل في دولة سنية قريبة في الشام، نحسب ذلك والله تعالى أعلم.

      أما الشعبة البدعية، فهم أولئك الحرورية الذين هم سبب البلاء اليوم في جهاد الشام، بل إن خطرهم يتعدى خطر النصيرية، من حيث إنهم يتحدثون باسم الاسلام، ويظهرون التقوى والشدة على "الأعداء"، الذين هم في الغالب الأعم بقية المجاهدين! وترى فيهم مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحفاد ذي الخويصرة وبن ملجم. وهؤلاء قد ضلّ بهم المنهج العقدي لجهل من تصدى للفتوى فيهم، جهلاً مكعباً، فظن أن كثرة النقولات، من باب القص واللزق، هو علمٌ يؤهل للفتوى في الأنفس والأعراض والدماء. فترى أحدهم يتشدق وكأنه قطريّ بن الفجاءة في البلاغة، أو عمران بن حطان في الشجاعة، وما بلغ كعب أحدهما. ذلك أن أولئك الحرورية القدامي، كانوا شجعان حقاً أقوياء حقاً، لا يكذبون ولا يدلسون. أما هؤلاء المفلسون فقد احترفوا الكذب والتدليس والتقيّة الرافضية واتخذوا سبل القرامطة في الاغتيالات طريقاً، فهم أنجس فرقة حرورية ظهرت في تاريخنا ليوم الناس هذا.

      أما الشعبة المخلطة، فهي تلك التي أرادت أن تتخذ بين كفر النظم السلمية الديموقراطية العلمانية، وبين الجهاد والتصور الإسلاميّ للدولة المنشودة، طريقاً وسطاً، كما أرادت إخوان مصر وسرورية الخليج من قبل. وآخر ما ابتليت به الساحة من تلك الفئة، هو ذلك الميثاق الذي راح "شرعيّهم" يحاول تبرير ما جاء فيه من التواء وغموض وخروج عن النهج السنيّ جملة وتفصيلاً، دون فائدة، بالمصلحة ومتطلبات المرحلة، وواقع الساحة، ثم باللجوء إلى أنّ ما ورد هو تعميمات يمكن حملها على أفضل الاحتمالات، وسبحان الله العظيم، ولما اللجوء إلى التعميمات المتشابهات، والفرار من الواضحات البيّنات؟ وقد رد عليه أكابر منهم شرعيو النصرة وغيرهم. وقد قامت الحرورية، كعادتها، بإعلان كفر تلك الجبهة قولاً واحداً. وهؤلاء لا يؤخذ منهم قول ولا تُعتبر فتواهم سواء أصابوا أم أخطأوا. وقد نصحنا أولئك النفر القائمين على قيادة تلك الشعبة، بكلمات شديدة تناسب ما يتوجهون اليه من مقدمات خرابٍ وضلال، أن يرجعوا عمّا هم فيه. فتجربة الإخوان في مصر لا تزال غضة طرية، لا تحتاج كثير عقل لإدراك فشل تلك السياسة القائمة على شرك الوسائل، كما بينا في أحد مقالاتنا عن إخوان مصر من قبل.

      وهذه الشعب الثلاث، تواجه، سواء عرفت أم لم تعرف، عدواً شرساً، يتمثل في جهتين، جهة عربية خليجية عميلة، لا ترى طواغيتها إلا مصلحة كراسيهم وعروشهم، ولو انهدم صرح الدين، وتحطمت راياته. ويدعم هذه الفئة، جمع خبيث ضالٌ مضلٌ من أصحاب العمائم والغتر واللحي، من حاملي شهادات لا تساوى في حقيقتها ثمن الورق الذي طُبعت عليه، يُشرعِنون لهؤلاء الطواغيت أفعالهم، ويبرّرونها، ويعطونها غطاءً شرعيا يتمحك به هؤلاء لهدم الدين، الذي يدعون نصرته. هؤلاء هدفهم واحدٌ وواضح، أن يقيموا، بدلاً من بشار، دولة سلولية النهج والتوجه، تظهر الإسلام وتبطن النفاق والكفر.

      والجبهة الثانية، هي العدو الغَائيّ، الصهيو-صليبية، التي على رأسها الولايات المتحدة، والتي هي سيدة الموقف، في غالب الأحيان، ترسم سياسات آل سلول، بالتعاون مع طاغوت الأردن خاصة، وتعمل على إقامة دولة علمانية "ديموقراطية"، بشرط ألا تؤدي الديموقراطية إلي إسلام! وإلا فالخيار الثاني هو دولة سلولية شبه ملكية تابعة لحكام الخليج. وها قد أعلنت الإدارة الأمريكية دعم الائتلاف العلماني بقيادة الجربا وبقية المرتدين في جبهته، ليطيل أمد الصراع من ناحية، ويضرب أيّ إتجاه إسلاميّ "متطرف"، وهو ما تحاول الجبهة الإسلامية أن تتعلق بذيوله في ميثاقها الأخير.

      هذا هو الموقف باختصار، لا غبش فيه ولا ضبابية ولا التواء. ولا يحتاج لأدلة عليه، إلا كما يحتاج النهار إلى دليل. وعلى أساس هذا الواقع يجب أن تتحرك القوى المخلصة لمواجهة الانحراف والبدع.

      د طارق عبد الحليم

      30 رجب 1435 – 29 مايو 2014