فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عن تنظيم الدولة .. لعلهم يتقون! 1

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      بعيداً عن الجدل والملاحاة والردود، نريد أن نتجرد هنا لله، ونستمع للعقل السديد، ونحكّم الفطرة السليمة، في موضوع الفئة التي تحاصر المسلمين اليوم، وتقاتلهم قتال ردة في الشام.

      لا أريد أن أعود للماضي القريب، الذي تحدثنا عنه مراراً، من حسن ظنٍّ بتلك الجماعة، ومن محاولة التوسط والإصلاح، التي تكشّف لنا خلالها، فساد في المنهج، ظهر صغيراً مستخفياً أولاً، ثم قويت دلالاته، وتعددت علاماته، ثم ظهر جلياً متبجحاً، فلم يدع فرصة لتآلف ولا تسامح.

      وحتى يعلم القارئ ما ننطلق لمناقشته هنا، فإننا نتحدث عن تنظيم "الدولة" التابعة للبغدادي، فنصفها بالبدعة الحرورية، لا مجرد رميّ في عماية، لكن تحقيقاً وتأصيلاً. كما نصفها بالكذب والإدعاء الباطل، ثم نصفها بناءً على ذلك، بهدم مشروع الجهاد الحقيقيّ، الذي يُفترض أنهم كانوا جزءاً منه، قبل أن يتبجح فيهم الباطل وينتفش بريشه. ونقيم على ذلك أدلة فيما يلي:

      أولاً: نسبتهم للحرورية

      ثانيا: نسبتهم للكذب والتدليس

      ثالثا: أثرهم على الجهاد

      رابعاً: من معهم، ومن ضدهم .. شهادة العلماء! 

      ولعل في هذا السرد، ذكرى لمن بقيت فيه بعض تقوى لله، أو قليل من فطرة سليمة، أو ذرة من عقل سديد.

      أولاً: نسبة تنظيم "البغدادي" للحرورية:

      التاريخ وأصل البدعة:

      الحرورية، الخوارج، فرقة مبتدعة، ظهرت أيام فتنة عليّ ومعاوية، رضي الله عنهما. وقد ميزها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحديث وردت فيه صفتان أساسيتان لهؤلاء الخوارج:

      • التزامهم الشديد بالعبادة والشدة في الدين.
      • "يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان"، ومعناه أنهم يقاتلون المسلمين بعد أن يرموهم بالردة، ويدعون أهل الكفر، ولو كانوا على مرمى حجر منهم، إذ إنّ قتال المسلمين، المرتدين بزعمهم، أولى.

      كما ميزهم العلماء في قتالهم عن أهل البغي، فأسموهم بأسماء خاصة، منها الحرورية، لمجادلتهم ابن عباس في حروراء، والمحكّمة، لأنهم طلبوا تحكيم شرع الله، وكان شعارهم "لا حكم إلا لله"، شعار يخدع البسيط الجاهل العاميّ، وكأن علياً رضى الله عنه لا يعرف عن تحكيم شرع الله شيئاً، لكنه الهوى والظاهرية والجهل، ثلاثيّ لا يجتمع إلا أفسد الدين.

      وقد كان لابد أن تقوم الفرقة التي خرجت خروجاً عملياً أولاً على عليّ، فكفرته ومعاوية رضى الله عنهما، أن تتبنى دعماً نظرياً لمواقفها، فبدأت مرحلة تنظير البدعة، ولم يكن لهم إلا أن يقولوا بكفر مرتكب المعصية، إذ رأوا أن علياً ارتكب "فعلا" مكفراً بتركه تحكيم شرع الله! وهذا الترك، في مناط عليّ، على مذهبهم، هو "معصية لله"، فلم يكن لهم بدّ إلا أن يقولوا بكفر مرتكب المعصية ليسلم لهم تكفير عليٍّ ومعاوية. فكان أن بدأت بذرة تكفير مرتكب المعصية، من إلباس "معصيةٍ" لباس الكفر، ثم الحكم بكفر فاعلها، وقتاله على ذلك. ثم كان لابد أن ينسحب هذا التكفير "بالمعصية" على كلّ ما هو معصية إذن، كالسرقة والزنا والقتل والربا والنظر للأجنبية. ثم اختلفوا فيما بينهم، وانشعبت الفرقة إلى أكثر من عشرين فرقة، واختلفت على مسائل لا حصر لها بعد ذلك، فمنهم من كفّر بالصغيرة، ومنهم من كفّر بالكبيرة، وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب الفرق. ثم، أصبح لهم فقهاً مختلفاً في مسائل لا تحصى، بناءً على ذلك الأصل الباطل.

      لكن، يبقى الأصل الكليّ، كما يسميه الشاطبيّ، الذي تجتمع عليه الفرقة وهو "إلباس "معصية" لباس الكفر، ثم الحكم بكفر فاعلها، وقتاله على ذلك"، كما أشرنا إلى ذلك من قبل في عدة مقالات.

      وقد اجتمعت الأمة على تضليل الخوارج، كما ذكر بن تيمية، قال "فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ"[1]اهـ.

      وقد كفرتهم الفئة التي اختارت التكفير، ومنهم بن العربيّ والقرطبي، بناء على ما جاء في الأحاديث من مروقهم من الدين، وعن قتلهم قتل عاد.

      كما اعتمدت الفئة التي رأت فسقهم، لا كفرهم، على دلالات، لخصها بن حجر في قوله "وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْأُصُول مِنْ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج فُسَّاق وَأَنَّ حُكْم الْإِسْلَام يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَان الْإِسْلَام ، وَإِنَّمَا فُسِّقُوا بِتَكْفِيرِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَأْوِيل فَاسِد وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِسْتِبَاحَة دِمَاء مُخَالِفِيهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْك"[2] اهـ.

      لكن الفريقين اجتمعا على ضرورة قتالهم وقتلهم، إن صالوا، بلا خلاف بينهم في ذلك، لنص الحديث أولاً، ولعموم دفع الصائل ثانياً.

      حرورية مذهب تنظيم "الدولة"

      ثم إننا إذا نظرنا إلى تنظيم "الدولة" اليوم، الذي يسير على خطى "الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر بقيادة الزيتوني والزوابري، حذو القذة بالقذة، لوجدنا أن أوصافهم، من أفعالهم وخطابهم العام، تطابق ما عليه فرقة الخوارج الحرورية تمام المطابقة.

      والحق، أنّ هذا التنظيم، أمره في ذلك أمر الخوارج الأول، قد تدرج في إظهار مبادئ فرقته، كما تدرجت الخوارج، فلم يظهر منهم أولاً أيّ بادرة خروج، حتى أتى ما يستدعى أن يخرج الخبئ، حين أرادوا "التمدد". فهم قد رفعوا شعاراً، وهو إقامة دولة الإسلام، واعتمدوها في العراق، بموافقة أمرائهم، بعد أن اتفق أمراء الجهاد في القاعدة مع بقية الجبهات، على ضم الجبهات كلها في جبهة واحدة، وأسموها "الدولة" لتكون صيغة تقف في وجه عملية التقسيم الكردي الرافضي، والتي ورثها بعد أبي عمر البغدادي، هذا البغدادي الجديد، الذي لم يكن لأمراء القاعدة ولا غيرها علم به من قبل. ثم لما "تمددوا" أطلقوا عليها صفة الأبدية (#باقية)، وزعموا أنّ غيرهم لا يريد إقامة دولة إسلامية، طالما هي ليست "دولتهم" تحت زعامة "أمير مؤمنيهم"، الذي خلع يداً من طاعة أمرائه. ثم كان أن زعموا أنّ الخروج على تلك "الدولة" فسقٌ وبغي، فقالوا إن غيرهم فساقٌ وبغاةٌ إذن، يجب قتالهم لخروجهم على "أمير مؤمنيهم" القرشي الحسني البغدادي ...إلى آخر ذلك. فكانت بذرة "حرورية" نشأت لتنمو وتتسرطن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      ثمّ، لمّا قاتلوهم، وكانوا وقتها لا يزالوا يقاتلون النصيرية على بعض الجبهات، كان لا بد أن يتزامن، بل ويتزامل بعض معارك المجاهدين "الفساق البغاة" ضد "تنظيم "الدولة" مع بعض الجبهات التي تقاتلهم كذلك، فانقدح زناد الحرورية، وأطلّ الأصل البدعيّ برأسه ساعتها، فرفعوا شعار "ومن تولهم منكم فإنه منهم"، كما رفع أجدادهم شعار "لا حكم إلا لله". ومن ثمّ أسبغوا على بعض "الأفعال" التي قد تكون صائبة أو باطلة عاصية، صفة الكفر، وأرجعوها إلى مناطه، كما أرجع أجدادهم "إن الحكم إلا لله" مناط عليّ رضى الله عنه إلى مناط الكفر. فإنه لا شك في إنه "لا حكم إلا لله"، ومن نازع في هذا كفر. لكن القضية هل نازع عليّ رضى الله عنه في أصل القضية؟ كذلك فإنه لا شك أنه "من تولهم منكم فإنه منهم"، لكن القضية هي: هل تولى المجاهدون الكفار تولى المظاهرة المُكفرة؟[3].

      فكان أن انتقل التنظيم، إلى الحرورية المطلقة، فقام بتكفير المجاهدين من كافة الجبهات المناوئة، نصرة وأحرارا وغيرهما. وقد سمعنا في تسجيلات صوتية، كما ذكر لنا ثقات نعرفهم منذ عقود، ممن هم على أرض الشام يقاتلون اليوم، أنّ هؤلاء يعتبرون غيرهم من المجاهدين مرتدين كفار، وأن قتالهم أولى من قتال النصيرية! وقد ساعدوا في حصار حمص، كما قاموا اليوم بحصار الدير، وأعلن أمراؤهم ومقاتلوهم أنهم إنما يقاتلون كفاراً مرتدين.

      والأمر أننا إلى هذه اللحظة، لم نر تأصيلاً لهذه المسألة، خرج من "شرعييهم" أو "علمائهم"، الذين سنتناولهم فيما بعد. ولا أدرى كيف تتقى الله جماعة أن تبعث بجنودها لقتل المسلمين دون أن تأصل المسألة وتخرّجها على أساس شرعيّ مُحكم؟ ولو ذهبت تسأل هؤلاء "الشرعيين العلماء" عن المسألة قالوا لك، ما موّهوا به علينا طويلا، لا نلتزم إلا بما يصدر عنّا رسمياً! عذر أقبح من ذنب، فهم يرسلون جنوداً على عقيدة عمّية، لا تأصيل لها، ولا يستطيعون هم تبنيها رسمياً، تقية وتدليساً، لقتل مسلمين، واغتيال رؤوسهم.

      إذن، النقطة هنا، هي مطابقة أفعال هذا التنظيم لأفعال الحرورية، وإن لم يسموا أنفسهم بذلك فإن الحرورية الأول لم يسموا أنفسهم خوارج، ولا حرورية، ولا محكّمة. بل زعموا أنهم رافعوا لواء الدين وحاملوا لواء السنة! وقد رأينا مطابقة أفعالهم هذه لعقيدة الحرورية من حيث الأصل البدعي، حتى لا يموّه أحد على العامة، أنهم لا يقولون بكفر السارق والزاني والمرابي. فهذا الذي قد رأينا بعض "علمائهم" يحتج به، من قلة العلم، بل من شدة الجهل يشهد الله.

      ثانيا: نسبة التنظيم للكذب والتدليس:

      وهؤلاء الحرورية الجدد، كما أثبتنا، يختلفون عن حرورية العصور الأولى في أمر هامٍ جداً، فهم يستحلون الكذب، والتقية، والمداراة، والتدليس، لا يستخفون به. وقد طفحت كلمات متحدثهم بكذب وتدليس، لم يستح منه. بل خرج مؤخراً بكلمة جديدة أشد تدليساً وكذباً. والمعضلة أننا قد عرضنا كلماته على أقوال من كذب ودلّس عليه، كلمة كلمة، كما تولى الشيخ الفاضل د هاني السباعي بذلك كذلك، بغاية التفصيل، إلا إن هذا المتحدث، فضّ الله فاه، لم يستح أن يتحدث بمثل هذا الغثاء مرة أخرى. ولم يكن عند "الشرعيين العلماء" من مناصريهم، من يعلق على ما كتبنا، أوما ذكر الشيخ د السباعي، تعليقاً يبين فيه أين يذهب هذا الرجل من التدليس والكذب. فإن كان هذا موقف "الشرعيين العلماء" من مناصريهم، فكيف نلوم عامتهم؟

      ثم إن أمر الكذب والتدليس لأكبر من مجرد كلمات متحدثهم، بل إن شهوداً على الأرض ممن لا يتبعون النصرة ولا الأحرار ولا جبهة علوش، قد رووا لنا مباشرة، لا نقلا، أحداثاً كذب فيها أمراء من ذلك التنظيم، كذباً بواحاً. وكيف لا إذا صدقنا قول الشاعر

      إذا كان ربُ البيت بالدفَ ضاربا         فشيمة أهل البيت كلهم الرقص!

      ونحن هنا لا نسب ولا نشتم والله، ولكن نرصد ظاهرة واقعة عليها دلائل وشهود.

      ثالثا: أثر التنظيم على الجهاد:

      ومن نافلة القول إذن، أن نتحدث عن الأثر شديد الخطورة على مسيرة الجهاد في الشام، بل وتعدى ذلك إلى مسيرة الجهاد العالميّ، مما سيؤخره طويلاً ويدفعه للوراء، حتى بعد القضاء على هؤلاء الحرورية، كما حدث في ظاهرة الزوابريّ وأثره على الجهاد في بلاد المغرب العربي.

      والأمر هنا يتعلق بموضوعين، أولهما تخريب عقيدة العامة، وهو الأهم، إذ إن كافة من انخدع بهؤلاء هم من المساكين الذين لا يعرفون في دين الله شئ، إلا محبة أن يروا للإسلام دولة، ولو كانت كرتونية، ولو كانت حرورية، ولو كانت حبرا على ورق، ولو كانت وهما وسراباً. فالمسألة بالنسبة لهؤلاء هي حلم وأمل لا يريدون أن يفيقوا منه على واقع، لا يستطيعون مواجهته.

      والآخر، أنّ العدو المتربص، يستخدم كلّ حيلة ليطيل أمد هذا التنظيم، من حيث إنه يقوم له بدور لا يريد أن يتورط هو فيه، وهو قتال بريّ لهؤلاء "المتطرفين". وخطتهم هي أن اتركوهم يقاتلوا بقية الجبهات، وأطيلوا أمدهم ما استطعتم، حتى لا يكون هناك أملٌ في الجهاد أن تتوحد كلمته، بل لا مانع أن تنفخوا في قوتهم، حتى يغتروا، كما فعلتم مع جيش صدام، الذي قلتم عنه إنه خامس أقوى جيوش في العالم، فصدق الأبله، وصدق البلهاء، ثم قضيتم عليه في أيام معدودة، كما يصدق اليوم بلهاء الأتباع أن لهم قوة حقيقية على الأرض، في مواجهة النظام العالميّ.

      بل لقد خرج المتحدث باسم التنظيم مؤخراً ليضيف طامّة على طوامه، وهي الدعوة لإعلان خلافة! وهو ما سيتخذه الغرب ذريعة أخرى للقضاء على ما يتبقي من المسلمين حاملي السلاح، بعد هذه الحرب التي يشنها الحرورية عليهم. أيّ خلافة يتحدث عنها هؤلاء، وليس لهم أرض ولا تمكين ولا عنوان، إلا اسمٌ تسموا به، وسيسمون "بغداديهم" "الخليفة" بعد أيام، كما نتوقع، فيكون، ويكون المسلمون معه، أضحوكة العالم كله.

      أسباب هي كلها من مآلات هذا التصرف الساذج واقعياً، والتصوّر المُنحرف عقدياً.

      يتبع إن شاء الله تعالى

      رابعا: من معهم ومن عليهم -  شهادة العلماء

      د طارق عبد الحليم - 15 رجب 1435 – 14 مايو 2014


      [1]  مجموع الفتاوى ج28،ص518.

      [2]  الفتح ج12،ص314

      [3]  وقد وضعنا تحقيقاً في هذا الأمر في مقالتي "رفع الشبهات في موضوع الولاء والبراء" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72572 & http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72573