فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      هل ترى في مصر من باقية؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      سألني الكثير، إخلاصاً أو لؤماً، لماذا لا تتحدث عن مصر وأحداثها، وتترك الشام ونوائبها؟ أليس في نوائب مصر ما يكفي أن يغرق في مستنقعه ألف كاتب وكاتب، يستهلكون أقلامهم، وسيتنزفون عقولهم جرياً وراء تلك المصائب المتتابعة هناك؟

      والحق، أنّ مصر اليوم، قد باتت كالعجوز العقيم، لا حاجة لأحدٍ فيها، فقد انهارت مؤسساتها الأساسية، وتصدعت بنيتها كدولة، في السلطات الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، إذ اجتمعت كلّ هذه السلطات اليوم في يد رجل واحد، هو أخبث الرجال وأحطهم قدراً وأبعدهم عن المروءة والخلق والكرامة، السيسي أقصد.

      فما بالك بأمة أسلمت أغلبيتها قيادها، طواعية واختياراً، إلى مثل ذاك الداعر الخسيس؟ أسلمت له كلّ ما تملك، وأعز ما تملك، فاغتصبها، ثم اغتصبها، ثم اغتصبها، ثم أسلمها لرجال عصابته، يغتصبونها بدورهم مرات تلو مرات، يستبيحون حرمتها في كلّ مجال. كيف لا و"رجال" ينتسبون لها يتشرفون أن تحمل نساءهم بِضْع السيسي! أيّ والله! فما عاد هناك عفة تعرفها مؤسسات هذه الدولة، ولا رجالها، ولا نساءها، فصاروا أنجس من قوم لوط.

      ماذا يريد هؤلاء أن أحكي عن مصر، بعد أن دونت فيها أربعة كتب كاملة في عامين؟ إن أمرها قد قضى وانتهى. انقسمت مصر إلى فئتين، فئة الكفر والالحاد، من كفار أصليين كالقبط، ومن مرتدين عن ملة الإسلام، بما فيهم القضاة والعسريون والشرطة والإعلاميون، وأصحاب المصالح في عالم التجارة، والفنانون القوادون والقوادات، والداعرون والداعرات، وفئة يقولون إنها مغيبة، وهي والله أنجسهم جميعا، وهم من يجمعهم اسم "شعب السيسي". والفئة الثانية فئة تريد أن ترى المعروف وتنكر المنكر، لكنها ضلت طريق ذلك بإضلال الله لقادة ما يسمى بالحركات الإسلامية، على درجات من الضلال، بلا استثناء أحدٍ منها.

      وقد رأينا في مسائل العمران وأصول الاجتماع البشريّ، أنّ هناك علاقة تبادلية بين "الحاكم" و"الرعية"، تسير على سنن ثابتة، تجعل الحاكم وليد الرعية، والرعية حاضنة للحاكم ومنتجة له بالقوة[1]. ولا محل هنا للبحث فيمن أثره أسبق، أو تأثيره أقوى في هذه العلاقة، لكن الثابت اليقينيّ هو أنها واقعة مؤكدة. فالأمة المصرية قد وصلت بيئتها إلى أن تفرز السيسي، بكل انحطاطه وفسقه وخيانته وكفره. والسيسي لم يخرج إلا عن بيئة غاية في الانحطاط والفسق والخيانة والكفر، وجهانٍ لعملة واحدة، البيئة المصرية والسيسي!

      الأمر إذن، لا يكمن في "انقلاب" قام به السيسي، بل هو في حقيقة الأمر "تصحيح" يوائم البيئة التي رعته وأفرزته، ويساير مستواها، ويحقق قدرها في الانحطاط والفسق والخيانة والكفر.

      ومن ثم، فالانقلاب على السيسي، هو انقلاب على البيئة المصرية المنحطة الفاسقة الخائنة الكافرة كلها. ومن ثم، فإن المحاولون لهذا الانقلاب يجدون صعوبة، بل شبه استحالة أن يتم هذا الأمر، كما يتصورون. فإن القوة العسكرية التي يواجههم بها السيسي، قد استندت على "أمة" منحطة فاسقة خائنة كافرة. وهذا هو سبب بقائه، لا قواته العسكرية، في حقيقة الأمر، كما يتصور الناظر العَجِلُ إلى الموقف. وهذا نفس ما رددناه من قبل، في سلسلة مقالاتنا عن "التمكين"[2].

      أمر التغيير في مصر، أو الانقلاب على بيئة السيسي، ليس بأمر يحدث بسلاسل بشرية، أو انتفاضة طلابية، أو مسيرة أهلية! هذا وهمٌ وسرابٌ تعيشه بقايا حركة الإخوان، وتزرعه في عقول الفئة القليلة التي لا تزال في فطرتها بقية من صلاح، فتخرج بها عن نهج الاصلاح السديد.

      وقد دعونا مرات إلى أنّ السلمية ليست طريق الخلاص، بل هي خيانة لمنهج الاسلام في التغيير. لكن، لمّا تكشفّ أمرُ البيئة المصرية الحالية، من انحطاط وفسق وخيانة وكفر، وهو ما كان حجمه الهائل مفاجئاً للجميع، وجب أن تتبدل النظرة التي تدعو لجهاد بديل. إذ، من سيجاهد؟ ومن يجاهد؟ الغالبية العظمي ممن يتسمون بأسماء المسلمين، لا يعون منهج الاسلام ولا يعرفون توحيدا من شرك ولا ولاءً من براء. وهم أنفسهم سيكونون، بل هم بالفعل اليوم، أول من يقف في وجه "الارهابيين"، وفي صف السيسي وقواته.

      الأمر إذن، ليس في السلمية، التي لا ينشأ عنها إلا مزيد من قتل الأنفس وانحراف التصورات وانتكاس الفطر. وليس للجهاد الحقيقي محلٌ اليوم، إذ لا تتوفر آلته البشرية، ولا بيئته الحاضنة.

      الأمر إذن لله، هو يحكم في عباده، وينفذ فيهم قدره، ولا أراه في مصرإلا شؤماً قادماً أشرّ مما كنا فيه، حتى يقال "فهل ترى لهم من باقية".

      والله المستعان

      د طارق عبد الحليم

      5 رجب 1435 – 5 مايو 2014


      [1]  القوة هنا لا تعنى قوة السلاح والعتاد، لكن تعنى قوة القهر والاضطرار التي تفرضها السنن وترتكز فيها الفطر.

      [2]  جيل الاستبدال وجيل التمكين http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-71806

      جسر العبور .. من الاستبدال إلى التمكين http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72110

      حقائق ثابتة على طريق التمكين http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72452

      مفاهيم في طريق التمكين -1  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72463

      مفاهيم في طريق التمكين -2  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72467

      مفاهيم في طريق التمكين -3  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72470