الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد
(1)
شغلني أمر خطاب الشيخ الجليل الظواهريّ كثيراً، وبتّ أتساءل، لماذا؟ لماذا ذكر الشيخ الجليل د أيمن الظواهري البغداديّ بكلمات طيبة، رفع بها رأسه وجماعته بين الناس، بعد أن أثبت لتوه أنه خائنٌ لبيعته منحرفٌ عن أمرائه؟ إلا أنّ الله سبحانه جعلني أرى ما يحاول هذا الحكيم.
فإن د الظواهري، وكلّ صاحب علم، يعلم النفس البشرية، ومدي ما يصل اليه البشر إن أخذتهم العزة بالإثم، وتعرضت كرامتهم للإهانة والتحقير. وكانت صفعة إعلان كذب الرجل على الملأ وحدها كافية لتدميره، وللقضاء على البقية الباقية في نفسه من كرامة وتقدير للذات. لكن ّالشيخ الكريم، بتقديره وحكمته، أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فتحدث الي البغدادي برقيق الكلام وطيبه، فأعطاه ما يرفع به رأسه بين أتباعه، وفتح له باب العودة للجماعة مرفوع الرأس لا خفيضها، فهو ذو النسب الأصيل، وهو المكرم، وهو الشيخ .. فإذن عدّ الي سابق عهدك أميرا تحت قيادة أمرائك، وأنت معززاً مكرّما، وهو ما أردف به الشيخ الظواهري طيب الكلام، أن نصحه بالعودة مرة أخرى. وهو ما نرجوه والله، ألا تأخذ البغدادي العزة بالإثم، ويركب رأسه، ويمنعه منه مَنْ حوله من صغار رويبضات غلاة، لا حيثية لهم ولا قيمة إلا بوجود هذا التنظيم الذي يسيرون في ظله على طريق "خالف تعرف"، فيعود مكرماً ويدخل فيما دخل فيه الناس.
لكن لم يغب عنا مدلول هذا الحديث الطيب والكلم الرفيق كذلك، وهو أنه إذا لم تعد يا شيخ بغدادي، فلست مكرماً إذن، ولا اغترار بنسبك ولا غيره، وساعتها نضعك في حجمك الحقيقيّ، ونصفك بما أنت أهل له، وما ألبست نفسك لباسه، متمردٌ خارجيّ عاص لأميرك، زعيمٌ لعصابة مسلحة، لا أكثر.
وما دعاء الشيخ الظواهريّ لجبهة النصرة ومناشدة البقية بإيقاف القتال، إلا من نفس هذا الباب، حتى لا يُقال أنّ جماعة الدولة رجعت لهزيمة أو انكسار. والشيخ الظواهريّ يعلم تمام العلم، أنّ النصرة وغيرها لن يمنعهم هذا الكلام من دفع الصائل عن أنفسهم، لكنه أكمل مبادرته الطيبة بهذا الأمر، عسر أن يكون الباب واسعاً بما يكفي لولوج هذه "الذات" المنتفخة منه، بعد أن عاشت ردحاً من الزمن تتحدث عن دولة موهومة، وإذا بها إمارة منشقة لا أكثر.
فهل أدرك البغدادي هذا المخرج الكريم، وهل رأي الباب العريض الذي تركه له أميره الشيخ الجليل الظواهريّ مفتوحا، يلجه إن أراد كرامة حقيقية في الدنيا والآخرة؟ العلم عند الله سبحانه، وندعو الله أن يكون.
(2)
كلمة إلى شهب سوريا المسلم الصامد .. الضحية والمطية
لك الله يا شعب سوريا المسلم السني الأصيل. تركوك خارج معادلة الصراع التنظيمي، مع أنك الضحية التي تعاني، والتي بسبب نصرتها وإخراجها من أهوالها، قام هذا الجهاد الذي انحرفت به أهواء المبتدعين. ثم أصبحت مطية تخدم تصورات فجة مريضة لفئة عقيمة بدعية، تريد أن تسود على رقابك، وأن تقوم لها "دولة" على أشلائك، فكنت أنت مطيتهم في هذا الهدف الحقير، الذي هو هدف حق حَمَله أهل باطلٍ.
لقد أصبح الحديث اليوم، موجّه إلى تحقيق معادلات تخص التنظيمات على الأرض، بينما الشعب السوري المسلم يعاني الأمرين من جهة من يدّعون الجهاد، ثم من جهة النصيرية والنظام!
إن الأمة السورية "المسلمة"، لها اليوم حقوق وعليها واجبات. فحقها أن يدافع عنها المجاهدون، ويقفون صفاً في وجه من يقتلهم ويهدم حلم جهادهم، سواءً من النصيرية الكفار، أو من الحرورية كلاب أهل النار.
أما واجبها، فهو أن تمدّ يد العون لأبنائها من مجاهدي السنة وإن كان فيهم خطأ واعوجاج، ممن يريدون لها الخير والنجاة من الكفر والبدعة. يجب أن يقوم أبناؤها، ممن هم في عمر الشباب والرجولة، وأن ينضموا للمجاهدين من السنة، في أي كتيبة كانت، خاصة في المنطقة الشرقية التي يريد حرورية العصر أن يستولوا عليها، فيدعموا المقاتلين السنيين فيها ضد غزاة الحرورية. فوالله، ثم والله، لن يرى شعب سوريا إلا الذل والمهانة إن تحكّمت فيه الحرورية، كلاب أهل النار، فهم على المسلمين نار ولعنة، فإن أصحاب البدعة لا خير فيهم، وإن تحدثوا بسنة ونطقوا بقرآن، هكذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم. فقتالهم واجب، ولا يغرنّكم دويهم كالنحل بالقرآن، كما وصفهم بن عباس رضى الله عنه.
يا أهل الشام، لأن يحكمكم سنيّ، ولو كان فاسقا، خير لكم من أن يحكمكم حروريّ، فالفاسق يتوب من معصيته، والحروريّ لا يتوب من بدعته، إذ يراها دينا يتقرب به إلى الله.
الصراع اليوم يا أهل الشام، بين جهتين، كلتاهما تتواطؤ عليكم، إحداهما النصيرية الكافرة اللعينة، يمتد ظلمها منذ أيام حافظ الأسد اللعين، ثم اليوم هذه الطائفة التي تدعى الجهاد، وتعتقد عقيدة تكفيرية حرورية، وعلى رأسها هذا البغدادي. والطائفة اليوم التي تنافح عنكم، وعن عقيدتكم السنية هم أولئك المجاهدون الذين لم يتلوثوا بمال آل سلول ولا بموالاة العلمانيين، من الجيش الحر، كرها في دين الله، أوغيرهم من الكتائب التي لا تحارب عصبية أو حمية أو لدنيا يصيبونها.
الواجب عليكم نصرة هؤلاء كلهم، وأن تجيّشوا من رائهم شبابكم ورجالكم، قبائلا وعشائرا، يقيمون لكم دولة الإسلام السنية، التي تقضون بها على النصيرية الكافرة، وعلى الحرورية المبتدعة.
أما المهاجرون الذين جاؤوا لأرضكم، فمنهم من هم من الفضلاء المجاهدين، ومنهم من ضل طريقه إلى فسطاط المبتدعين. فمن اتبع منهم الحرورية فحكمه حكمهم، يقاتلوا ويقتلوا. ومن شارك أهل السنة قتالهم ضد النصيرية وأهل البدعة الحرورية، فهم منكم، وهم أهلكم وعشيرتكم.
ثم يجب على قاعدة الجهاد أن تحزم أمرها في توجيه القتال على الحرورية، إذا لم يستجب البغدادي لمبادرة الشيخ الجليل الظواهري، وأن يكون لها قول واحدٌ في تجييش المجاهدين ضد هؤلاء الحرورية، فالأمر لم يعد ضبابياً، ولم يعد مستغلقاً، ولا خفياً، بل واضحاً جلياً كالشمس في رابعة النهار. وأيّ تأخير أو تردد في هذا، هو مشاركة في دماء تسيل، لا يجوز أن نتأخر عن حقنها يوماً واحداً.
إن موضوع الصلح لم يعد فيه أمل، فأصحاب البدع لا يعودون عن بدعتهم، وقد كنا نحسبهم قبل من الطوائف المتناحرة، تبغي أحداهما على الآخرى، ولذلك سعينا في الصلح طويلاً. لكن لمّا تبين لنا أنّ هذه الجماعة من أهل البدعة، ثم من أهل ردّ البيعة ومخالفة الجماعة، عرفنا أن لا أمل في رجوعهم إلى الحق، إذ لا يرجى لصاحب بدعة من توبة. والشيخ الجليل الظواهريّ لابد أنه مدرك لهذا، حفظه الله، والسلف الصالح قد أغنانا عن تضييع الأوقات مع أمثالهم. ولا زلت أرى أن لا يُصال عليهم في هذا الوقت، إلا إن صالوا، حتى يتوفر الجهد لقتال النصيرية، ثم بعدها يفرغ أهل السنة لقتال هؤلاء حتى إن لم يصولوا، فالسنة قتلهم ابتداءً.
فالحل إذن يكمن في أمرين، لا ثالث لهما:
الأول أن يستجيب البغداديّ لبادرة أميره الشيخ الجليل الظواهريّ، ويلج من باب الكرامة الذي فتحه له على مصراعيه، فيكفي الناس شرّ الفرقة ونكد الاقتتال.
والثاني أن يستمر على ما هو عليه، سائر في طريق البدعة وشق صف الجماعة، فيكون لزاماً ساعتها أنْ يُدْفع بهؤلاء الحرورية خارج الشام، بعد أن يعمل فيهم السيف عمله. وأن تقوم جبهة جهاد سنية تتبع قادة قاعدة الجهاد في العراق، بديلاً عن الحرورية، مع تحذير الخلق منهم في العراق.
والله المستعان
د طارق عبد الحليم
4 رجب 1435 – 4 مايو 2014