فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تلخيص الكلام في شبهات العوام

      وردود على ما ورد في البيان

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      تدور في دوائر العوام من متابعي وأنصار الحركات والتنظيمات الإسلامية كثير من الأقوال، التي خلاصتها شبهات أتت لهم من ضبابية المفاهيم واختلاطها، وتشابك المقاصد والوسائل، وفقر التأصيل العلميّ لما تعتقده تلك الجماعات والتنظيمات الحركية والجهادية، لأصولهم ومعتقداتهم. ويستوى في ذلك كافة الجماعات التي تنتسب للقبلة، كحركة الإخوان والسرورية وحركات التيار الجهاديّ، مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة وأحرار الشام، وخلاف ذلك، إلا قليلا منهم، مثل حزب التحرير والمعتزلة الجدد.

      والعوام، هم من ليس لهم في العلم نصيب، وهذا ليس من التهم أو الذم، بل هو وصف لغالب أهل الأديان، إسلاماً أو غير إسلام. وهي طبيعة الخلق، فليس من الممكن أن يكون العلماء هم غالب الأمة، بل العكس هو الثابت الصحيح. وقد ورد الوصف في حديث رسول الله أكثر من مرة قال صلى الله عليه سلم: "إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة". أحمد وأبوداود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وفي حديث الرويبضة الصحيح "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق  يؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". فليس فيه استهزاء أو تجريح.

      بل إننا نحسب أنّ أكثر هؤلاء العوام من المتابعين والأنصار، هم ممن يحبون الله ورسوله، وهم يثابون على ذلك إن شاء الله، وإن تابعوا من ليسوا على الطريق السويّ، كما قرر ذلك بن القيم وبن تيمية في كثير من أتباع الصوفية. وذلك مقيد بألا يكونوا ممن قاتل وقتل مسلماً، أو ممن سب أو قذف مسلماً، فإن هؤلاء آثمون على قدر جرمهم وفعلهم.

      فإن قيل: لكن الله سبحانه يقول "إن فرعون وهامان وجنودهما"، فهؤلاء الجنود هم من العوام، ومع ذلك ألحقهم الله سبحانه بفرعون وهامان؟ قلنا: هؤلاء مقاتلة ولغوا في الدماء، فحكمهم ما ذكرنا.

      فإن قيل: لكن الله سبحانه يقول "فاستخف قومه فأطاعوه"، وقومه عوام ليسوا مجاهدين؟ قلنا: ليس القياس تاماً، فإن الوضع اليوم ليس موضع أيام الأنبياء، ورايات الإسلام كثيرة، منها الصافي ومنها المخلّط. أما أيام النبوات، فكان النبي وأتباعه، وكان الكفار، ولا ثالث لهما. ومن قال إن الحال اليوم هو كذلك، فرايتنا هي الراية الوحيدة التوحيدية، وباقي الناس على كفر، فهذا هو الحروري الذي قصدنا.

      لكن العَتَب على القادة وطلبة العلم، المنتمين إلى تلك التجمعات، والحديث في كثيرٍ من مقالاتنا وحواراتنا عادة موجّه اليهم، إذ ليس كلّ إمرئ بقادر على فهم مقصودها واستيعاب مرادها، لاحتوائها على مصطلحات شرعية، وارتكازها على معلومات تاريخية لا يتيسر للعامة العلم بها.

      والأمر أنه قد وصلني عدد من الأسئلة التي شعرت أن الكثير من الأتباع والأنصار، يشتركون في توجيهها، إما تساؤلاً أو اتهاماً. فأردت أن أرد عليها، عسى أن يكون في هذا الرد شفاء لما في صدورهم.

      1. 1.      هل قصدتم تكفير جماعة الدولة في بيانكم الأخير؟ قلنا، لا والله، بل قلنا إنهم حرورية، ولا نكفرهم بعد، حتى يستبين أمرهم فيما استباحوا من معاص. فهم ليسوا كفاراً لكنهم حرورية في أصل بدعتهم الكليّ، والخوارج لم يكفرهم كثير من العلماء، وكفرتهم طائفة منهم.   
      2. 2.      هل هم خوارج حرورية، فيجرى عليهم ما يجرى على الخوارج من أحكام؟ أنقل ما قلت في مقالي الأخير" كما أودّ أن أبيّن أنه لا يلزم من نسبة اسم فرقة من الفرق لجماعة ما، يعنى أنها تشارك تلك الفرقة الأم في كلّ صفاتها، بل يُطلق الاسم على المشاركِ في البعض وفي الكل. وفي بعض الأحيان يُطلق الاسمُ مجازاً ردعاً، ويطلق حقيقةً نصاً. والدليل على ذلك ما ورد عن عائشة رضى الله عنها في حديث البخاري ومسلم عن معاذة العدوية "سألت امرأة عائشة رضي الله عنها: أتقضى الحائض الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء". وهذا الاستفهام الاستنكاري من عائشة رضي الله عنها، وهي التي عاشرت الحرورية وعرفت مناطات تسميتهم، يظهر ما قصدنا اليه. هذا، وسؤال المرأة عن قضاء صلاة الحائض، فكيف بمن استحل دماء المسلمين وقتلهم على شُبهات التكفير؟". وهنا فنحن نطلقه حقيقة في بعض الأوصاف، وهي تكفيرهم للمسلمين وقتلهم بأمور صنفوها على أنها كفرٌ أولا، ثم أعلنوا ردة أصحابها ثانيا، ثم قاتلوهم وقتلوهم ثالثا. وهذا لا يعنى، ولا يستلزم، أنّهم يشتركون مع الحرورية في كافة صفاتهم، بل يختلفون معهم في أمور عديدة في الفروع والآراء الاعتقادية الأخرى، لكن يجمعهم بهم الأصل الكلي البدعي الذي تقوم عليه الفرق، وهو في هذه الحالة تكفير المسلمين بالمعاصى! إن كانت ثمة معاصٍ.
      3. 3.      هل جهادهم ضد الروافض، سواء في الشام أو العراق، غير مقبول أو غير صحيح؟ قلنا، لا والله بل قد أبلوا بلاءً حسنا في العراق، ولذلك كانت من حكمة الشيخ الدكتور أيمن الظواهري أنه حكم برجوعهم إلى العراق لإتمام مهمتهم هناك، بدلا من استشراء الفتنة التي رأينا بالفعل. أما فيالشام، فقتالهم ضد النصيرية جهاد مبروك، لكنهم تعصبوا لاسم "الدولة" وجعلوها مقصدهم ووالوا وعادوا عليها، وقتلوا المسلمين وحولوا أسلحتهم الي المجاهدين، فهذا هو ما أخذناه عليهم، ورميناهم لأجله بالحرورية.
      4. 4.      تواضع العالم وتعالم العامي: قالوا، اغتررتم وتعاليتم على الخلق بعلمكم، وهو ما لا يصح: قلنا، إن التواضع من شيم الكرام والعلماء، والتواضع لا يعنى قبول الضيم أو السب والقذف. لكنه يعنى الرد على ما يأتي من أسئلة متأدبة بشكل وافٍ، وألا تترك سؤالاً إلا رددت عليه قدر المستطاع. وقد أخذ عليّ الكثير أنني أرد على كل من وجّه سؤالاً، قلت له، والله استحي أن لا أفعل، إذ يعتقد فيّ الكبر. لكنّ كلّ هذا يدور في دائرة السؤال والجواب. فإن جاء عاميّ فلم يسأل ولكن جعل يقرر تقريرات، فتحاوره مرة أو مرتين، فتجده يتعالم، ويكرر ما هو خطأ مردود. فهنا يكون أمام العالم طريقان، فإن كان الحديث بينه وبين المحاور المتعالم خاصاً، فطريقه أن يحجم ويوقف الحديث لا أكثر. لكن، إن كان حديثا عاماً، فإن الصمت لا يصح، إذ إن من يتابع الحوار قد يغتر بالسكوت، فيقع الضرر متعدياً، فيجب حينها أن يبين أنّ هذا المتعالم هو ممن قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرويبضة. ودعوني أسأل بالله عليكم، ما هو مناط هذا الحديث عن رسول الله؟ أبيننا رويبضات حقاً، أم أن الحديث لا معنى له ولا حقيقة ولا تطبيق في عصرنا؟
      5. 5.      هل الغربة التي تعانيها أي جماعة دليل صحة معتقد؟ مرة أخرى، فإن تطبيق المفاهيم دون تمييز مساقاتها ومناطاتها هو داء العوام بعامة. ولذلك يجب على العلماء أن يبينوا لهم ما اشتبه عليهم من آيات وأحاديث. والغربة هنا مقصود بها غربة المسلم في عصر جاهلية، وقد يكون هؤلاء الغرباء مشتتين في بقاع الأرض، ولا يصح أن يقال أنهم جماعة معينة كما يقع في روع أتباع جماعة الدولة مثلاً. فإنهم يقولون، نحن أصفى الرايات، ونحن محاربون من الدنيا كلها، إذن نحن الغرباء، وإذا فكل من عدانا عدو للإسلام وأهله، الذين هم نحن لا سوانا! وهو منطق مغلوط معكوس. فقد قالته الحرورية من قبل، حين حاربها عليّ وحاربتها الدولة الأموية من بعده، وكانوا "غرباء" بمعنى أن فكرهم غريب، لا أنهم غرباء بسنتهم. فهذه الظواهر التي يدعون بها الغربة لا محل لها في الوصف ابتداءً.
      6. 6.      أليس الشدة في الدين والشجاعة والثبات على المبدأ بدليل على صحة المعتقد؟ ونقول لا والله، فإنه كما ذكرنا في مقالنا السابق "وقد عرف الخوارج بشدة العبادة والزهد وقوة العقيدة والشجاعة النادرة، كما عرفوا بالتضحية في سبيل ما رأوه حقاً تحت شعار الثبات على الحق والمبدأ. ولهم في ذلك أحاديث مشهورة في التاريخ، ومن أشهر خطبائهم أبي حمزة الخارجي وقطري بن الفجاءة[1]". والشدة إن لم تكن في موضعها، وعلى الحق فيها، كانت مذمومة بغيضة لا تجر إلا للهدم والدمار.
      7. 7.      ثم الحديث عن تفجير أحد جنود الجبهة لنفسه في بيت من بيوت الدير. سمعنا ما قالته جماعة الدولة ولم أسمع من النصرة، لكن أولا فإن موضوع التفجيرات الانتحارية هذا ليس مما أقره ابتداء، فما بالك إن كان موجها ضد أحد من أهل القبلة، ولو كان عاصيا، ولو كان مبتدعا حروريا. لكن الأمر إنك إذا نظرت في بيان جماعة الدولة، ترى أنه بيان يدينهم أكثر مما يثير شفقة عليهم. فهم يقولون إن جنودهم كانوا في الدير "يأخذون التوبة من جنود الجولاني"! بالله عليكم، توبة من ماذا؟ ألا يستحي هؤلاء؟ وماذا إن لم يتب جندي من الجولاني، هو إذن مرتد تقتلوه! هؤلاء والله جن جنونهم وركبتهم الحرورية وعششت في عقولهم وباضت وفرّخت. لقد لعب البغدادي لعبته بمهارة حين زعم أنها "دولة"، وخرجت هاشتاجات #باقية وتتمدد. لكنها تتمدد على حساب قتل المسلمين بزعم عدم توبتهم، لا على حساب النصيرية. قلنا أنتم انشغلتم بقتال المسلمين قلتم لا لم نفعل، هذا بيانكم يفضحكم. وهذا والله هو منهج الخوارج حذو النعل بالنعل. هؤلاء أقول لكم خوارج حرورية أهل تكفير للمسلمين، يجب دفع صولتهم ورد عدوانهم، ولا يبدأهم أحد بقتال حاليا حتى يقوى عليهم المسلمون. بل يجمع المسلمون اليوم ويحشدون تهيأ لهم، فإن صالوا قاتلوهم.

      د طارق عبد الحليم

      21 جمادى الثاني 1435 – 21 أبريل 2014

       

      [1]  "نيل الأوطار" للشوكاني جـ7 ص 339 ، "تاريخ الإسلام السياسي" لحسن إبراهيم جـ1 ص 375 . "الملل والنحل" للشهرستاني هامش ابن حزم جـ1 ص 157، راجع "البيان والتبيين" للجاحظ جـ2 ص 277 ، وكتاب حقيقة الإيمان، د طارق عبد الحليم ص89 وبعدها.