فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      خطاب مفتوح إلى جماعة الدولة - الإنصاف فيما يجرى على أرض الشام من اختلاف

      نص خطاب أرسلناه إلى جماعة الدولة منذ ستة عشر يومان ولم ننشره حينها بناء على طلبهم النصح سراً. لكننا، يعلم الله قد استنفذنا جهدنا في هذا الطريق، خاصة بعدما اغلقه العدناني بما قاله في كلمته الأخيرة باسم جماعته.

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      "وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَ‌نًۭا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَ‌ ٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"آل عمران 103.

      أتوجه إلى إخواننا في "الدولة الإسلامية" بالتقدير والمحبة في الله، وبالفضل والعرفان لما يقومون به من نصرة دين الله ومحاولة إقامة شرعه.

      وابتداءً فإنه لا شك أنّ مشروعَكم هو حلم أمة، تريد أن تنهض وأن يكون لها كيان مستقل بين أمم الدنيا. لكنّ الغايات لا تبرر الوسائل. والمقاصد لا تدرك بانتهاج ضدها. هذا ليس من طبائع الأشياء.

      وقد نعينا على السرورية والإخوانية وسدنة السلولية ممن يطلقون عليهم علماء، كناصر العمر وسلمان العودة والطريفي ومن شابههم ومالأهم، ونقدنا من شوّه عملكم وحرض ضدكم مثل المحيسني والقنيبي، ومن تطاول على جهادكم مثل العطوي والمطيري. وكتبنا فيهم مقالات تكشف طبيعة نفسيتهم وحركتهم وعدائهم للجهاد ابتداءً، فهم طرف التفريط في معادلة الحلّ الإسلامي.

      لكنْ، أحبائي، هناك لا تزال حكمة مبنية على علم شرعيّ واقعيّ يجب أن تسيطر على من أراد الوسط السنيّ في ساحة الجهاد، وتمنع من الانزلاق من طرف التفريط إلى طرف الإفراط.

      وهذا المقال[1]، هو رد على رسالة موجهة للشيخ الفاضل الدكتور هاني السباعي ولي، وصلتنا منكم. وقد أرسلناها أولا اليكم، في التاريخ المدون أسفل الصفحة، بغية النصح سراً كما طلبتم، لكن مرت أيام دون أن نسمع منكم رداً عليها.

      وإنه بعد قراءة الرسالة التي أرسلتموها لنا، فقد رأينا أن نبين بعض الأمور، كما نراها، إحقاقا للحق الذي نراه، ونصحاً للحركة من محب مشفق. وقد قيل "رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوبي". ونؤكد على أن الخلاف بين الإخوة في العقيدة لا يفسد للود قضية، وهو مع الأسف ما لا نراه من غالب مناصري الدولة، فحتى مجرد التساؤل يفسد كل القضايا ويسقط كل الخصوم.

      وحتى لا يزايد علينا أحد، أود أن أشير إلى أن مثل مضمون هذه الرسالة قد وصل إلى جبهة النصرة، عتاباً ونصحا بشأن تجاوزات عدد من أنصارهم في الخصومة، وعلى ظواهر تكفيرٍ وتحريض وسفاهة بدرت من بعض شرعييهم، على السواء، بل وعلى ما نُسب للشيخ الجولاني من خروج عن بيعته بلا مبرر واضح مقنع.

      ونحن لم نتوجه اليكم بهذا الخطاب إلا لأنكم الطرف الممانع للصلح ووحدة الصف، بغض النظر عن أولويات البيعة وخلافها، فعليّ رضى الله عنه كان خليفة حقاً، لكنه رضى التحاكم للصلح، وهو على صفته، ولو خرج المحكمين بقرار فلا نحسبه كان رافضا له، فليس هو ممن ينقض كلمته بعد أن تغادر حلقه.

      فهذا الخطاب ليس عداء لكم، ولا كراهة ولا استفزازا، لكنه محاولة إيضاح لما رأيناه من انحراف عن مناحي السنة، وإن تعلق بنصوصها العامة وشواهدها الكلية.

      وقد ألمحتم بقول "ونحثكما على فتح قنوات اتصال لتسمعا من إخوانك في الدولة الإسلامية لاسيما وقد تيسر الكثير منها في هذه الأيام. وعتبنا على كثير من الشيوخ وطلبة العلم؛ إذ أنهم تجشموا عناء التواصل مع كل الجماعات والفصائل إلا معنا!" وفي هذا ظلم بيّن، ومخالفة للواقع وتجاوز للحق. فقد قمت شخصياً، بالمبادرة بالاتصال بالشيخ تركي البنعليّ، وقبله بالشيخ أبو بكر القحطاني، وتواصلت مؤخراً مع أحد الإخوة الأفاضل ممن قالوا إنه من أمرائهم. وحاولت مراراً أن أواصل هذا التواصل، دون فائدة، وكانت تأتينا الردود على فترات طويلة جداً، وبشكلٍ مختصر موجز. وقمت بمحاولة وساطة بينكم وبين د سامي العريدي الذي تابع معي في كل مرة أتصل به، دون أن يعود إليّ الأخ الشيخ تركي بردّ من القيادة، بعد أن وعد بذلك، سلباً أو إيجاباً. وقد طلب الشيخ هاني السباعي، مرات عديدة، أن تتواصلوا معه عبر سكايب لعدم تعوده على خاص تويتر، وحملت شخصياً اليكم هذا الطلب، ولكن لم يلق أي أذن صاغية. كما طلب من النصرة والدولة تحديد مسوؤلين للحوار معه فلم يلق استجابة من الدولة على وجه الإطلاق. فهذه الفقرة مردودة، بل تجشمنا عناء التواصل مع الدولة مراراً، ولم نفلح.

      ونحن لا نقلل من شأن أحد، ولكن حين نطلب إتصالاً نعنى على مستوى القيادة، لنبحث عن مخرج للأزمة، لا لتسكين هواجس أو تطمين نفوس.

      ثم نعود إلى ما أردنا الحديث عنه.

      أحسب أنّ الخطأ الأساس في مسار حركة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" اليوم يأتي من عدة عوامل متتابعة.

      فالأمر الأول فيها، كما نتصور، هو أنه بعد وصول الشيخ الجولانيّ إلى الشام، وما أحرز من تقدم، شعر الشيخ البغدادي منه بنوعٍ من الرغبة في الانفصال، فقد يكون بيّت عزله، ثم أعلن التمدد. وما يظهر أنّ الجولانيّ قد كانت لديه تلك الرغبة لسبب ما، ذكر إنه ما رآه من ممارسات لم يرض عنها، بل خشى منها على جهاد الشام، وهذا ما لن نعلمه على وجه اليقين. لذلك لجأ الشيخ الجولانيّ إلى رفض التمدد، وإلى شق عصا الطاعة، واللجوء إلى الشيخ الظواهريّ، بعد أن أخذ موافقة الشيخ البغدادي على ذلك، ثم بعد موافقة الشيخ البغدادي على تحكيم الشيخ الجليل د أيمن الظواهري حفظه الله رجع عنها ورفضها. وقد وردت شهادات عديدة بهذا من أطرافٍ موثوقة.

      ولا نزال لا ندرى عن بيعة الشيخ البغداديّ للشيخ الظواهري، لكن كلّ ما جاء في عدم وجودها فهو قرائن لا أدلة، ولا نزال ننتظر كلمة الفصل في هذا من أيّ من الشيخين.

      وقد أراد الشيخ الجليل د أيمن الظواهري، بحكمة عالية، أنْ يوقف هذا التدهور، فحَكَم في دعوى التحكيم بأن تعود الأمور إلى نصابها، الدولة إلى العراق، والجولاني في الشام إلى أنْ يتمّ الوصول إلى حلّ، فقد رأي ما سيحدث بعين البصيرة، وهو ما حدث بالفعل.

      والحق أنّ رفض الدولة لحكم الشيخ الظواهريّ بعد الموافقة علي تحكيمه، لا يقل شناعة عن أمر شق الجولاني عصا الطاعة. فقد ركبت الدولة رأسها ونبذت ما كانت تعهدت بالموافقة عليه. ومن ثم، تراكمت الأخطاء، وبدأت دورة الغلو، بين الأمراء المنتمين لها ثم من الأنصار على تويتر، ثم تطورت إلى تسونامي تكفير اجتاح البلاد وأدى إلى قتل الكثير من المسلمين وسبي النساء دون ذنب. آخر ذلك ما أعلنه أبو دجانة القزبيز، أمير في الشرقية، من كفر الجبهة واستحلال دمائهم واستحياء نسائهم وتتبع جرحاهم! وهذا إيغال في الغلو والبعد عن الشرع، بل يصل إلى حدّ الإجرام، في رأينا، ممن يعلن مثل هذا الإعلان، ويقتل مسلمين موحدين، ارتدّوا بزعمه! وقد أنكرنا على أبو الليث[2]، ممن ينتمى إلى الجبهة، في خطبة جمعة حين تحدث عن أولوية قتال الدولة على قتال النصيرية. هذا تطرف شديد من الجانبين.

      وما أظن ذلك إلا لإعتمادكم، كغيركم حتى لا نظلمكم، على فتاوى من يطلقون على أنفسهم "شرعيون"، وأكثرهم حديثوا عهد بعلم، والأهم أنّ غالبهم لم ينضج سياسيا ولا علميا، بعد أن حاد عنكم غالب من هم من أهل السبق العلمي والجهادي. وأنتم أدرى بما يفعل عدم النضج العلمي والسياسي بأصحابه! ثم استرشاد هؤلاء بالشيخ الحازميّ. ولا يخفى عليكم أن هذا الانغلاق الشرعيّ، الذي أبعدكم عن كثيرٍ من أصحاب النظر قد آتى أكله في الطريقة الي تتعاملون بها مع المواقف، التي تسمونها "التمسك بما نحن عليه من حق". وهي دعوى عريضة، إن جاءت ممن يحتاج لدربة في الفتوى وخبرة في الدهر وأحواله.

      ثم الأمر الثاني هو التعامل مع مصطلح "الدولة"، وما جرّه ذلك المصطلح من أزمات على ساحة الحركة الإسلامية كلها في الشام.

      فقد انطلقت "الدولة" من قناعات وتصورات، لا أقول إنها أخطأت فيها، قدر ما أقول إنها قد خُلّط عليها أمرها فيها، فاستصحبت أفكارا وأوضاعا سياسية وتركيبات اجتماعية لا تنطبق على أرض الواقع من ناحية، ولا تسير على نهج الشرع أو رواية التاريخ من جهة أخرى، حتى وإن أقر عليها الشيخان أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وهي إنها "دولة".

      وقد ساءلت في مقال سابق لي، لا بأس من نقل جزء منه هنا لأهميته، قلت "غموض مفهوم "الدولة" لدى مسؤوليها، وبالتالي لدى أتباعها ومن يتبع الأحداث. فالدول، من حيث هي دول، لا تزال تنظيمات اجتماعية، تقوم بأدوار معينة، في مجالات الحياة، وهو ما قد تقوم به جبهات أو إمارت، أو ماشئت. وفي رأينا أن توصيف "الإمارة" أقوى من توصيف "الدولة"، إذ توصيف الدولة أمرٌ لا دلالة عليه في الشرع، بل هو تاريخي وضعي، أمّا الإمارة، فهي مما ثبت شرعاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته وتابعيهم. ومن تمسك بتعبير الدولة إنما وقع في شرك تسمية محدثة، وتعريف وضعيّ، بنكهة إسلامية! وإلا فيجب أن يتحدد معنى "الدولة" المقصودة هنا، وما تشبيهها بدولة المدينة إلا إسقاط لتسميات مؤرخين مُحدثين على وضع الجماعة المسلمة في المدينة وقت النبوة. ولم يكن معروفا أيامها "دولة" مكة في مقابل "دولة" المدينة. وما هذا التمسك إلا أثر من الآثار الخفية لسايكس بيكو[3]، التي تعطي تعبير "الدولة" احتراماً وحقوقاً أكثر من الإمارة أو الولاية أو الخلافة".

      الشاهد أنّ "الدولة" هنا، قد ألزمت نفسها، وعاملت غيرها، بمفهوم غير واضح ولا مستقر. فإن عنت بإطلاق لفظ "الدولة" ما يقصد به القانونيون في العصر الحديث، فلابد لها من عاصمة، وحدود مستقرة، لا تتغير كل فترة حسب ما تفقد من أرضٍ، أو تستولي عليها. وأظن أن "الدولة" لا تقصده، من حيث إنه اتباع لمفهوم سايكس بيكو في تقسيم أرض الله! وقد كانت الدولة الكندية عرضة للإنقسام عام 1996، من قبل الجزء الفرنسي فيها، وكانت تستعد لتغيير كلّ ما هو متعلق بكيانها إن حدث الانشقاق، إذ تغير الحدود يملى تغيرات كثيرة تتبعه، في منطق الدول الحديثة. وإن لم تكن تقصد هذا المصطلح بمعناه الوضعيّ، فلماذا تحارب دونه، وتوالى وتعادى دونه، بل وتغرس في عقول أتباعها وأنصارها كلّ هذا التحيز والتعصب للمصطلح، حتى إنهم يفاصلون عليه. ثم إن "المدينة المنورة" لم تكن دولة، ولم يُطلق عليها أحدٌ اسم الدولة إلا المؤرخين المحدثين في القرن الماضي. ولذلك قال د أيمن الظواهري "ليس هناك شيء الآن في العراق اسمه القاعدة، ولكن تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين اندمج بفضل الله مع غيره من الجماعات الجهادية في دولة العراق الإسلامية حفظها الله، وهي إمارة شرعية تقوم على منهج شرعي صحيح وتأسست بالشورى وحازت على بيعة أغلب المجاهدين والقبائل في العراق". فكما قلنا في مقالنا السابق، إن توصيفها الحقيقي في العراق هو "الإمارة"، وهي بإذن الله مشروع دولة، إن التزمت بالسنن.

      بل وإن حركة حماس، التي تتحكم في قطاع غزة منذ سنين، لا تعتبر دولة على وجه الحقيقة.

      إذن، فنحن نرى أن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ليست إلا إمارة شرعية، تقوم على تنظيم جهادي على الأرض، وإن اختار لنفسه أن يسمي كيانه "الدولة". ونرى أنّ هذا كان مقنعاً في وقتٍ ما بالعراق، من حيث أنّ هناك دولة المالكيّ الرافضية، ودولة الأكراد ذات الحكم الذاتي، فلم لا يكون هناك "دولة" للسنة، إغاظة للعدو، واستعدادا لما هو آت؟

      وقد أدى هذا التشبث بمصطلح الدولة فيما أرى، إلى أن تشدد التنظيم في قتاله غيره من الجماعات الجهادية، كما جاء في رسالتكم، قلتم ".. بل نحن دولة، غاية جهودنا منصبة على كافة الجوانب والوزارات؛ فمنها العسكري ومنها الأمني ومنها الإداري ومنها التنظيمي ومنها الاجتماعي ومنها الشرعي ومنها الحسبوي ومنها التعليمي والتربوي ومنها الإعلامي، ومنها غير ذلك". والأمر، إخواني، أنّ بقية التنظيمات تقوم بهذه الخدمات كذلك. ويكفي أن نشير إلى وهن هذه التسمية ما ذكرنا من أنّ "وزارة الإعلام" أو "هيئة الإعلام" لديكم لا تتمكن من إصدار بيانٍ طالبنا به، ولو كل شهر، للدفاع عن عقيدتكم التي تعلنوها، ثم يعلن خلافها أشهر أنصاركم، بل ومن يعمل لحسابكم كذاك الأغيلم الشاميّ!

      وأنا لا ألومكم، ولا ألوم أنصاركم على ما يعتلج في الصدور من آمال "الدولة"، وهو حلمٌ سبق أن قلتُ فيه "وأسارع بالقول كذلك إنّ الإعلان عن "الدولة الإسلامية في العراق" أولاً، ثم إعلان تمددها إلى الشام ثانياً، قد أحيا في قلوب الكثير الغالب من المسلمين أملاً كان بعيداً فقربته، وأوردتهم ظلاً في صحراء الهزيمة ومدّته. وكان هذا، ولا يزال حياً في قلب كاتب هذه السطور، يشهد الله"[4]. لكن هذا الحلم، قد تحول على الأرض إلى أخطاء في التطبيق، تجاوزت حد السنة، وأهريقت بسببه دماءٌ مسلمة بغير حق.

      ومن أخطر ما أدى اليه هذا النظر، هو أنه أوجد فجوة بين ما تقولون في العلن من إنكم على مذهب السنة والجماعة، وإنكم لا تكفرون المسلمين بالمعاصى، ومثل هذا مما في عقيدة أهل السنة المعروفة، وبين ما يتمّ على الأرض من تجرء مخيفٍ في قتل وسلب أموال من قرى وأماكن بدعوى أنها تخضع لجبهة النصرة، ثم قتل أبو سعيد الحضرميّ، وهو من أسوأ أفعال هذه "الدولة". وبدعوى أنّ جبهة النصرة قد ارتدّت بتعاونها مع الجيش الحرّ. والشاهد على ذلك ما رأينا من بشاعة ما فعل أبو عبد الرحمن العراقي، مما أقرته عليه الدولة، بعدم إعلان محاكمته، رغم أن ذلك تفعله الدول حقيقة حين يرتكب أحد أبنائها جرماً له صدى في الواقع الإعلاميّ. وعذركم، أنه لا يمكن أن تعلنوا عن كل شئ لأنكم "دولة"، والعكس هو الصحيح.

      كذلك قتل الكثير من محاربي الكتائب، ممن يأخذ أسلحة من الجيش الحرّ لمحاربة الروافض، وإن أعلن استسلامه للشرع، ويطلب من يعلمه الدين ويسوسه به. ولا نرى مانعا شرعيا من أخذ بيعة هؤلاء ثم تعليمهم الإسلام، أما أن نكفرهم، ونقتلهم، ونكفر من يأخذ بيعتهم ونقتله، فهذا إيغالٌ في الغلو. وليس كلّ من أخذ سلاحاً من الجيش الحرّ بمشركٍ، إذ إن الجيش الحر يجنّد أيا من كان لمحاربة الرافضة، للإستيلاء على السلطة، سواء كان علمانيا أو مسلما جاهلا، فهذا نوع من تقاطع المصالح. كما حدث في أفغانستان.

      كذلك فإننا لا نقول بكفر الجبهة الإسلامية قاطبة، بل بتخليطهم وبخيانة وخبث وممالأة بعضهم لآل سلول. ثم منهم المبتدع المسلم ومنهم العاصى والجاهل، ومنهم المخلص المغرر به. وهذا التكفير العام قد أعان عليه مذهب الحازميّ هداه الله.

      ثم قول أن حماس دولة، هو قولٌ غير صحيح، ولا يشهد له واقعٌ من حيث هم اليوم لا قدرة لهم على أي جانب من حدودهم، وإن كانت لهم حدود ليست "لدولة" العراق والشام. ثم يا إخواني، أية دولة هذه التي لا يُعرف لها قائد ولا وأمير ولا أي فرد رسمي فيها إلا بكنية، لا إسماً ولا رسماً؟ وهل سمعنا من قبل عن أمير مؤمنين لا يعرفه الناس؟

      وقد وقفنا بجانبكم حين أخرج المحيسني بيانه التحريضي ضدكم، ووقفنا معكم حين كتب المكيري عنكم، وشنعنا على العطويذ حين رماكم بما لا يليق بمسلم إلا من فجر في الخصومة.

      هذا، إخواني، لا ينقص من قدر العمل الذي تقوم به "الدولة" سواء كانت دولة أو غيرها. المشكلة تكمن في نظرة قادتها وأتباعها وأنصارها لأنفسهم وكيانهم، مقارنة بغيرهم، مما ينشأ شعور استعلاء وتسيّد، ثم عنف وتحكمّ، مما ينفّر من ناحية، ويجعل دم "الغير"رخيصا" من ناحية أخرى. ومما يعكس رغبة في الاستيلاء على الأرض و"التمدد" الذي بات كابوساً لا حلماً، بالنسبة للكثير من "المسلمين" في أرض الشام.

      ثم الأمر الثالث، هو توجيه قوتكم وقواتم "لتحرير" مناطق قد حررتها كتائب مسلمة، استقرت فيها، وان اتخذت موقفا فقهياً مخالفاً في موضوع تطبيق كافة الحدود آنياً. وقد شاركتكم في هذا التوجه الباغي جبهة النصرة كما حدث في مركدة. إلا إنكم أوغلتم في هذا التوجه، وآخر ذلك ما حدث في غريبة والبوكمال، وتلك الحشود في درعا والقنيطرة، بينما قوات الجبهة تقاتل النصيرية في الساحل. فقد جعلتم همكم تقوية ما أنشأتم لأنفسكم مما أسميتموه "دولة"، ثم رحتم تنقضوا غزلكم بأيديكم، فتقاتلون المسلمين، وتتركون المشركين، وهي الصورة الحقيقية على الأرض اليوم. وإن تأوّلنا لها، فلا يغير هذا من أمرها شيئا. والاحتجاج بقتال علي رضى الله عنه لمعاوية رضي الله عنه احتجاج باطلٌ، لأن علياً كان خليفة للمسلمين بلا خلاف. ثم لم يكن هناك في قلب "دولته" كفار نصيريون يقاتلونه فعلا لا قولاً. ولو نظرنا لرأيناه سكت عن قتلة عثمان وعن نابغة الخوارج بين جيشه، لقتال فئة باغية، فكيف بكم لا تقتدون بهديه، فتقاتلون إلى جانب من ترون بدعتهم، الكفار المتفق على كفرهم؟ ألهذا سبب غير دعم كيانٍ لا يزيد لساعتنا هذه على اسم وحلم؟

      ثم نرى أن "الدولة" هي التي لا تسعى للصلح، ولا للتوافق، بل تسير في تطبيق أيديولوجيتها دون محاولة التقارب، وما قولة "كفوا عنا نكف عنكم" بدعوة للتصالح، بل هي دعوة هدنة لا أكثر ولا أقل، إلى حين!

      وقولكم "لا ينسب لساكتٍ قول" صحيح، ولكن السكوت له دلالات في مواضع معينة، تصل إلى حدّ الدليل، ان استمرت، والتعلق بهذا القول بإطلاق، لا يخيل إلا على سذج الناس، أو من أخذ بالظاهر بإطلاق.

      ثم هذا التطور الأخير، والذي واكب خطاب الشيخ الظواهري حفظه الله، ورثاءه لأبي خالد السوريّ، وتوجيهه أصابع الاتهام لمن قتله، ولمن يرفض التحكيم المستقل، ولمن يرسل مفخخات لقتل المسلمين ويدعو لتكوين رأي عام ضد قتل المسلمين، ثم ما كان من هجوم على الشيخ الظواهري، سكتم عنه مما يوحى، بل ويؤكد رضاكم عنه. فهذا الهجوم البالغ السوء وقلة الأدب والسفاهة، من كثير ممن هم من أتباع الدولة على د الظواهريّ، وسكوت الدولة عنهم، خاصة من ينتمي لقسمهم "الشرعيّ، بل هو هجوم صريح من الدولة. ولا نظن أن عذر "وماذا نفعل، هؤلاء مستقلون"، يجدى بعد.

      ثم الأمر الرابع هو أن سكوتكم على هذا المنهج الذي تنشره عصابة وليم وضلال ومن معهم يوحى بأنكم لهذا المنهج داعمون، ولمذهبهم مؤيدون. ومع سكوتكم علي هذه العصابة التكفيرية، فقد هاجمتم من أهل العلم من أعلنتم ثقتكم الكاملة به وتبجيلكم له من قبل، مثل الشيخ الجليل أيمن الظواهري، الشيخ أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وهاني السباعي وسليمان العلوان، وغيرهم من أهل العلم والجهاد المخضرمين، بسبب فتاور ممن هم في طور طلب العلم لا يزالوا، بل ممن تحدث عن هؤلاء بكلّ مدح وافتخر بانتسابه اليهم في يوم من الأيام، لكنه هوى النفس، لعنة الله عليه. والعذر، هو أنكم تتبعون "الدليل"، بينما هؤلاء يتبعون قول الخليل! عذر أقبح من ذنب، بل هي دقة النظر ونضج الرؤية واستيعاب العلم، ما يفرق بين هؤلاء وبين من ركنتم إلى فتاواهم.

      لقد تحول حلم "الدولة" إلى عبئ على عاتق الجهاد، بعد أن أفلحتم، بسكوتكم على أنصاركم وإعلامييكم وشرعييكم، في استعداء كافة ذوى الرأي الرشيد علي الساحة من رؤوس للجهاد، أصحاب السابقة، إلى علماء ودعاة عُرف عنهم الالتزام بالسنة منذ عقودٍ قبل ظهور تنظيمكم.

      وأستحلفكم بالله، أن تتذكروا كم من تنظيم قام واختفى، وكم من "دولة" قامت وبادت. لقد نسيتم، في خضم هيستريا (#باقية)، الي باتت تذكرنا بنداء (هاي هتلر) يتعبد به أنصاركم، أنّ صداما قد تركته الصهيوصليبية يمرح في العراق، حتى مسّ مصالحها، فدمرته ودمرت معه البلاد كلها. أفلا تتعظون، وترون أن في الإتحاد قوة، أم إنكم ستقفون بعشرات الدبابات ومئات السيارات في وجه الصهيوصليبية، بعد أن تقتّلوا بعضكم البعض؟ وأيّ نصرٍ يجلبه الله على مثل تلك الجماعات؟ والله إنه سبحانه ليتركنكم تأكلون بعضكم بعضاً، ثم يأخذ بقيتكم بيد عدوكم. كيف تتصورون أنكم ستقضون على آلاف من المسلحين، ليسوا مجاهدين في نظركم، حتى يخلوا لكم وجه الشام، وتقوم "دولتكم" على جماجمهم؟

      هذه يا إخواني، فوبيا، ليست تخطيطا ولا تعقلاً ولا تنظيماً، ولا نهاية لها إلا الانحسار ثم الانكسار. بل أتجرأ على القول بأنه إن لم تُصرف هذه الطاقة في مقاتلة النصيرية لا غير، فهو عبث أطفال، ولعب صغار، لا أكثر ولا أقل.

      الخلاصة، إننا أمام جهتين متنازعتين:

      • جهة، وهي "الدولة" لا تتعاون مع أي تنظيم له أية صلة بآل سلول، وهو وأمر جيد نقيّ، لكنها، من ثم، تعتبر هذا التعاون، في غالب صوره كفراً يستحق فاعله القتل، وهي تفرق بين قتال نفس الجهة في موضعين، إن كانوا وحدهم فهم بغاة، وإن كانوا بجانب من ينتسب أو يحصل على سلاح من الجيش الحرّ فهم مرتدون. ولا يخفى ما في هذه التفرقة من سذاجة فقهية لا تصدر إلا من حديث عهدٍ بعلم. ومن هذا التصنيف الحاد، نشأ الاعتقاد السائد حاليا أنها القوة الأعلى يداً، والقدرة على سحق الخصم، على أساس ردته. فتراهم يقاتلون ويحررون مناطق بها مسلمون تم تحريرها من النصيرية من قَبل على يد مجاهدين. هذا ما اتبعته فئات الخوارج على مدى التاريخ. ولا نصفكم بالخروج، لكن بالاشتراك مع الخوارج في صفاتٍ معينة، ثم بأنّ هذا منهج لن يؤدى إلا إليه مآلا.
      • وجهة، وهي النصرة، ترى التفرقة بين المتعاونين، ومقصد كلا منهم في التعاون، فمنهم المسلم الجاهل، ومنهم المرتد كالمجلس العسكري وعصابة جمال معروف، ومن ثم تستبيح هذا التعاون مع تلك الكتائب بشروطها، لقتال الروافض أساساً، ولدفع صولة "الدولة"، كما يقولون، إن لزم. وقد يكون في هذا تجاوز، وقد يخرج إلى معاصٍ في التطبيق، لذا يجب ضبطه حتى لا يستحيل الأمر إلى تعاونٍ محرّم.

      ولا نرى أنّ الخلاف بين التنظيمين قد نشأ أيدلوجيا، أو عقدياً، بل نشأ من باب من يسيطر على ماذا، كما علمنا التاريخ على مرّ العصور. ثم استُحضرت له الأيديولوجيات، لدعمه وتجييش المناصرين حوله. وما الصراع على موضوع البيعات إلا فرعا من هذا الباب.

      من ثم، فإننا نرى الجهاد في الشام، قد أخذ منعطفاً خطيراً، نتيجة تصرف "الدولة" الذي وصفنا، إلى جانب مآخذنا على النصرة، والتي لا محل لها هنا. وأنّ هذا المنعطف لن يأتي إلا بانحسار الجهاد، ولو ظنّ مسؤلوا الدولة غير ذلك، إذ نراهم قد استغرقتهم نشوة ما يرونهم على أرض "حرّروها"، ولم يروا الصورة في كليّتها، وفي مآلاتها.

      و"يقول البعض "ماذا غيّرك؟ ولماذا تبدّلت من نصرة الدولة إلى نصرة النصرة"؟ أقول، خطأ مُكعّب! فأولاً أنا والله لا أنصر طرفاً على طرف، يميناً أقف به بين يدي الله، ولا أنصر نصرة ولا غيرها. لكن أرى من طرفٍ تجاوبا ومحاورة ومن جانب سكوتا وازورارا. وأرى من جانب سفاهة ما، فأرى من الآخر أضعاف أضعافها. ثم إني لم أتبدل، ولكن

      • ·         رأينا ظلما عليكم فناصرنا، قولا وكتابة، ففرحوا وصرنا مشايخا وعلماء،
      • ·         ثم رأينا اعوجاجا فنقدنا، فهاجموا، والقادة صامتون،
      • ·         فنقدنا السكوت والهجوم، ولم نوقف جهد الصلح والوفاق، فرمينا بأقبح الألفاظ والأوصاف من تكفير وردة وغيرها، فانحرفنا عن مرمى عصابة الطائشين، والقادة صامتون.
      • ·         ثم رأيناه منهجاً يفاصل عليه غالب الأنصار والأمراء، فزدنا حدة في النقد، والقادة صامتون،
      • ·         فقلنا إنكم إذن لعلكم على هذه العصابة راضون، ولها موافقون، بل وموجهون،
      • ·         ثم رأينا ظلماً على الطرف الآخر فناصرناه.

      فلا يعيب علينا إلا ظلوم جاهل مفتئت على الحق.

      ووالله يا أحبة، إن في أيديكم، بعون الله تعالى، أن تسطروا صفحات مجدٍ حقيقي وبطولة صادقة، إن وجهتم جهدكم إلى إزالة النظام الفاشي البشاريّ، بدلا من محاولة توطيد "دولة" على حساب المقصد الأصلي لأقامة دولة للإسلام، وهي توحدي الصف وقهر العدو.

      ولو أنكم أظهركم الله على عدوكم في العراق، فهذا كلّ ما نأمل. لكن، إن استمر منهاجكم في الشام كما هو، وقاتلتم وقتلتم بقية مجاهدي الشام، وهو ما لا نراه ممكن أو عمليّ، ونجحتم في تكوين دولة حقيقية، فستكون دولة بغي، لكنها على كل حالٍ أحسن شرعاً من حكم الروافض بلا شك.

      ونحن، الآن، والشيخ د هاني السباعي، لا زلنا على استعداد للحوار والنصح والبيان، والسعي لصلح نرى فيه الحل الوحيد لهذا الوضع المتردى في الشام، وتعديل الانحراف الذي يسير فيه الجهاد، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. ولا نبغي إلا وجه الله، وتحقيق أمل الأمة الذي نراه يتحطم على صخرة العناد.

      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      د طارق عبد الحليم

      02 جمادى الثاني 1435 – 02 أبريل 2014

      تاريخ النشر

      18 جمادى الثاني 1435 – 18 أبريل 2014


       أرسل هذا الخطاب إلى قادة الدولة من طريق أحد قضاتهم منذ 2 جمادي ثاني 1435. أي منذ ستة عشر يوما.[1]  

      [2]  قتل أبو الليث مؤخراً في البوكمال على يد فصيل ينتمى "للدولة".

      [3]  ولنا في مفهوم سايكس بيكو كلام في مقالٍ سابق، نعود اليه بعد إن شاء الله.

      [4]  مقالنا " مسائل في السياسة الشرعية تخص الجهاد في الشام" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72553