فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الاستدلال بالكتاب والسنة، وتجاوز كلام الأئمة

      حديث في النقاب والحجاب

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      وردنا سوال من أخ كريم عن محاورة بينه وبين أحد الإخوة في الرقّة، بشأن الحجاب والنقاب[1]، ورابطه أسفل الصفحة.

      والرد على السؤال من أوجه ثلاثة

      1. رد المعقب
      2. الاستدلال من الكتاب والسنة
      3. موضوع الحجاب والنقاب

      أولها، أن رد المعقب عليكم، إن كان قد ورد بهذه الصيغة، فهو ردّ لا يدل على خلق طالب علم، ولا متأدب، فيجب تحذيره، ثم حظر الحديث معه.

      ثانيا، موضوع الاستدلال بالكتاب والسنة، وتجاوز كلام الأئمة.

      وهذا هو لبّ الموضوع الذي أورده الأخ، وطلب الإجابة عنه، وهو الجزء الأهم منه.

      ذلك إننا قد رأينا استخداماً خاطئاً لما ورد على ألسنة عدد من الأئمة، مما يدل على أنه يجب إتباع الدليل، وأنه إن جاء الدليل مخالفاً لما عليه قول الإمام فاضربوا به عرض الحائط، وسائر هذه النقول، التي هي في محصلتها تدعو إلى اتباع الكتاب والسنة، وإن لم يكن فيها ما يدل على تجاوز أقوال الأئمة.

      وتفصيل ذلك، أنّ اتباع الدليل مطلوب على الجملة من كلّ مسلمٍ مكلفٍ، لأننا كلنا نتبع ما أتت به الشريعة قال تعالى "ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ"الأنعام106. لكننا مأمورون باتباعه على مراده سبحانه لا على مرادنا. وهي النقطة التي تزل فيها أقدام وتتيه عنها عقول. ولو أن كل ناظرٍ في كتاب الله وحديث رسوله زعم أنه يعرف مراده، وأن الأمر جليّ سهل قريب، لحصلنا في كلّ مسألة آراء بعدد الناظرين فيها. ومن ثمّ، فإن من هو أقدر على أن يعرف مراد الله، ومن هو أقرب إلى إصابة الحق منه، هو الأولى بالإتباع، لا من حيث هو بشر أو معصوم أو واجب التقليد، بل من حيث هو أقرب إصابة الحق من غيره. وهؤلاء هم الإئمة الأعلام، وثم أهل العلم، ممن أقر لهم الناس بهذا، في كلّ زمان.

      فإن العامي الناظر في نصوص الكتاب مثلاً، إن رأي عاماً، فلا يعرف إن كان له مخصص، أو مطلقا إن كان له مقيد، أو مبهما أو مشكلا له مبيّن، أو منسوخ له ناسخ. ثم هو لا يعرف سبب نزوله، وخصوص السبب من عمومه، ثم مناط نزوله، ثم تفسيره، وما قد يكون من تفسيره بالحديث أو بالقرآن، أو بغيره كما ورد في أنواع التفسير، ثم دلالته من حيث استشهاده، به من منطوق أو مفهوم، ثم درجة مفهومه، أهي إشارة أو مخالفة أو غير ذلك من دلالات الكلام وفحوى الخطاب. وإن كان حديثاً شريفاً، فمثل ذلك، وزد عليه مدى صحة الحديث، ودرجته، وصحته لذاته أو لغيره، ومدى دلالته على مناط الواقعة، وأي القواعد الكلية يندرج تحتها، ثم تردد النظر في الاستدلال به، من حيث المصالح والمفاسد. ثم الأصعب هو تعارض الأدلة، فهل ورد ما يعارض الدليل الذي جاء، ومدى قوة المعارض، ونوعه في ذاته، وقواعد الترجيح حين التعارض، كما لو تعارض حديث آحادٍ مع قياس جليّ، أو قياس بعلة غير جلية من أنواع العلل المعروفة. وغير ذلك مما لو سردنا، لخرج الحديث عن مراده وطال.

      من هنا، فإن من لم يتحقق بذلك، فإنه من الصعب، بل يكاد يكون من المستحيل، أن يقرر أن ما ذهب اليه هو مراد الله سبحانه مما أوحى به إلى رسوله صلى الله عليه سلم. وحتى لو أصاب، فقد أخطأ كما ورد عن أبي بكر رضى الله عنه، فهو من هذا الباب.

      من هنا فقد ورد الإجماع على أنْ ليس للعاميّ أن يجتهد في مسائل الشرع، وأنّ اجتهاده هو اختيار إمامه، ولا بأس من السؤال عن الدليل، ليطمئن القلب، ويتم الإحساس بالاتباع، لا للمعارضة. فإن أراد المعارضة، نشط في العلم، وترقى فيه، حتى يمكنه أن يقرع حجة بحجة، ودليلاً بدليلٍ، على حسب القواعد التي أسلفنا، فإنه مسؤول عن قوله بين يديّ الله سبحانه. والطامة الكبرى اليوم هي فيمن سمح للعاميّ أن يكفّر غيره، وهو من منعته العلماء من أن يفتي في استنجاءٍ من خراء، والله المستعان.

      وقد رأينا التجرأ على الله، وعلى مراده، قد زاد وتضخم في الخمسين عاماً الأخيرة، بما جعل الساحة الإسلامية مَعْرَضاً للفتاوى، من عوامٍ، أو طلاب علمٍ، أو أنصاف علماء. وما ذلك إلا لخلو الساحة من العلماء، بموتٍ أو سجنٍ، أو صمتٍ، فصح قول المعصوم "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"البخاري. وقد ساد الساحة اليوم أمثال هؤلاء الرؤوس، فكان نتيجة ذلك ما نرى عليها من تناحر، على مستوى الأفراد أو الجماعات، والله المستعان.

      ثالثاً: موضوع السؤال، وهو في فحواه الترجيح بين أدلة من قال بحلّ الحجاب، ومن منعه وأوجب النقاب. والقول في ذلك أن السنة قد ورد فيها ما يدلّ على الرأيين، مع ترجيح بينهما. وأدلة كلا الفريقين موجودة في كل مكان، يمكن الرجوع اليها، فليس غرضى هنا هو سردها أو ترجيح رأيّ بيقين، بقدر ما هو توجيه نظر وطريق استدلال.

      وهذا الأمر، أمر الحجاب والنقاب، حكم شرعيّ على أي الوجهين ثبت. ومن ثم يجب التعامل معه في هذا النطاق، لا في أنه أمر كفر أو ردة.

      وتجد عند كثير من الإئمة من يقول بأن وجه المرأة ليس بعورة، كما جاء ذلك عن الهيثمي والنووي والرمليّ، وكلهم بنى على ما جاء عن عائشة وبن عباس. ثم إن غيرهم تتبع ذلك، فضعف قول بن عباس، وقال إنه منقطع، وصححه البعض كما فعل الألباني، وكذلك حديث عائشة، قيل بإرساله.

      كما قال البعض في حديث الفضل بن عباس هو قضية عين، لكن قد يقال، قد تكون قضية العين مقصودة للتيسير على الأمة، مثل تبوله صلى الله عليه وسلم واقفاً مرة، فلا تأثم من كشفت وجهها، إلا إن كان يسبب الفتنة بذاته، كما ورد عن الجصاص والسرخسي وعيرهما، كالشابة الجميلة، وهو في حقيقة الأمر العلة التي أرجع لها التحريم معظم من حرّم كشفه، أعنى خشية الفتنة. فهو إذن محرّم لغيره، فيحلّ عند الحاجة، كما هو معروف في الأصول. كذلك فإننا نجد أن الله سبحانه قد اعتبر هذه العلة في الشرع من حيث أحلّ للقواعد أن يضعن زينتهن، وما ذلك إلا لإنتفاء الفتنة.

      وهذه النقطة الأخيرة، تقودنا إلى تعريف الحاجة، ومدى إمكانية رفع الحرج في قبول الاجتهادين، خاصة في زماننا هذا. وما نعنى هنا، هو أن نقول، أنّ النقاب هو ما ندب له الشرع، خاصة في حالة المرأة الشابة، ثم يُترك الأمر بعد ذلك مع عدم تحريم الرأي المخالف أو تجريمه، إذ فيه أدلة وإن كانت مرجوحة، فخلافها ليس توحيداً كذلك. ويكون معوّل الاختيار على المرأة أو وليها، إن كانت جميلة، وفتنتها بالوجه واقعة، ويكون في حقها واجبا. وهذا ليس بالأمر الغريب، إذ هذا ما يسميه العلماء بتحقيق المناط الخاص. وهو موكول لكلّ مكلّف حسب فهمه، في حدود ما دلّ الشرع، من حيث انطباقه على نفسه، لا على غيره.

      وأدعو الله أن لا يكون هذاالأمر من الأمور التي تضاف لخلافاتنا اليوم، فإنّ هناك ما هو أشد على الواقع الإسلاميّ من هذا الخلاف الذي وسع الصحابة، ومن بعدهم، وجاءت فيه الآراء المختلفة. ولننتبه لما هو من خلاف يراق به الدم الحلال، فحرمة الدم أولى من حرمة الوجه.

      والله تعالى أعلم

      د طارق عبد الحليم

      13 جمادى الثاني 1435 – 13 أبريل 2014

      http://justpaste.it/f36m

      [1]  http://justpaste.it/f35v