فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      رفع الشبهات في موضوع الولاء والبراء - 2

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال، عن منهجية هامة في فهم النصوص المتعلقة بالتوحيد في الكتاب والسنة. وهو ما يؤدى إلى ضرورة استيعاب ما هو واقع بين حدّي الكفر والإسلام، وما هو واقع بين حدّي السنة والبدعة. والتفرقة بينهما، كما ذكرنا، فيصلٌ في صحة عقيدة الناظر ذاته، فضلاً عن صحة حكمه على عقيدة غيره.

      كذلك يجب أن نفرق بين مطلق الأمر وبين الأمر المطلق. فمطلق الأمر هو مضاف ومضافٌ اليه، يضيف الأمر إلى الإطلاق، فيمكن أن يضاف إذن إلى التقييد كذلك. أما الأمر المطلق، فهو صفة وموصوف، فوصف الأمر بالإطلاق إذن لا يسمح بتقييده. ومثاله في الفقهيات إعفاء اللحية، ففي الحديث جاء الأمر بإعفاء اللحية، لكن اختلف الفقهاء هل هو من باب الإعفاء المطلق أو من باب مطلق الإعفاء. فالإعفاء المطلق يعنى أن لا يمس منها شعرة بتقصير. ومطلق الإعفاء يعنى الأخذ منها بقيد، وهكذا.

      ومناسبة هذا الأمر هو أنه من الكفر ما هو كفرٌ مطلقٌ أي أكبر، وما هو من مطلق الكفر، وهو الكفر الأصغر. ومن الولاء ما هو ولاء مطلق، وهو الأكبر ويدخل في التوحيد، ركنا أو شرطا، ومنه ما هو من مطلق الولاء، وله أشكاله المتعددة، وهو من باب الولاء الأصغر، وما ينتمي إلى المعصية.

      الولاء والبراء:

      الولاء المطلق، أو ولاء الكفر الأكبر

      ورد في القرآن العديد من الآيات التي تظهر أنّ الولاء للإسلام والمسلمين، ولاء أكبر هو من حدّ التوحيد، وأن البراء من المشركين في حده الأعلى، هو من التوحيد الذي يفصل بين الإسلام والكفر.

      قال تعالى "لَّا يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَ‌ ٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِى شَىْءٍ" آل عمران 28

      "وَدُّوا۟ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَآءًۭ ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا۟ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ"النساء 92

      "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا۟ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰنًۭا مُّبِينًا"النساء 144

      "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ"المائدة 51

      "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌۭ فِىٓ إِبْرَ‌ ٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذْ قَالُوا۟ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَ‌ ٰٓؤُا۟ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَ‌ ٰوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَحْدَهُۥٓ" الممتحنة 4

      "وَلَوْ كَانُوا۟ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِىِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ"المائدة81

      "لَا تَجِدُ قَوْمًۭا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوْ كَانُوٓا۟ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَ‌ ٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" المجادلة22

      وغير ذلك عشرات من الآيات التي تجعل الولاء المطلق للكفار كفراً أكبر ينقل عن الملّة. وهذه الصورة هي التي تظهر في ولاء المناصرة والمظاهرة، خاصة في القتال، بين مسلم إسلاما ظاهراً وبين كافر، ضد مسلم آخر، عداءً للإسلام، وكرهاً للدين ولأهله.

      فإن قيل: لكنّ عداء الإسلام وكره الدين وأهله، هو في ذاته كفرٌ، فلا يحتاج إلى فعل آخر كالولاء لتكفير المسلم، ويكون من عادى الإسلام وكره الدين وأهله كافراً بذلك ابتداءً، فما لزوم وضع القيد وصورة الولاء؟

      قلنا، لأن عداء الإسلام وكره الدين وأهله، أمرٌ باطن لا يمكن الاستدلال عليه يقينا إلا بفعل، هذا مذهب أهل السنة والجماعة. ففعل الولاء في صورته الكبرى، دون أيّ قرينة محتفية بهذا الفعل تدرأ تأويله بالكفر الأكبر، هو كفرٌ أكبر لا شك فيه.

      والولاء، كما ذكرنا، أمر له وجهان، وجه ظاهر، وهو عمل يمكن أن نشهد به على الفاعل، وهو الأضعف في حالة الولاء، ووجهُ باطن وهو انعكاس هذا الفعل على إيمان الفاعل وهو الأقوى والأهم. لهذا وجدنا حادثة حاطب تبين لنا الحدود التي يمكن أن يكفر بها فاعل الولاء، ومناطه المكفر.

      قصة حاطب ابن أبي بلتعة 

      فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : الْكِتَابُ . فَقَالَتْ : مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا : مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ عُمَرُ : "يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ " " دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ " " فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت ؟ . قَالَ حَاطِبٌ : " وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام" "وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا" "وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ "ِ "مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ " " أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ " " فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله " أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا . فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ . فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .

      يظهر من هذا التالي:

      • أنّ التكييف الشرعيّ الأصلي لفعل حاطب رضى الله عنه، هو الكفر، وهو ما شهد به حاطبٌ نفسه حين أقرّ أن ظاهر الفعل كفر، ذلك في قوله "وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا".
      • أنّ الدلالة التي دلت على أن هذا الولاء كفر هي مكاتبة العدو وكشف اسرار المسلمين، وفيها معنى المناصرة.
      • أنّ وجود قرينة أو قرائن قوية احتفت بالفعل، تغيّر من تكييفه[1]، وهو باب هامٌ من أبواب أصول النظر والاستدلال، يجب على الناظر التبحر فيه قبل التجرؤ على الفتوى.
      • أنّ شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وأنه شهد بدرا، هي قرينة أخرى اعتبرت في الحكم.

      مطلق الولاء، أو الولاء الأصغر

      وهو ولاء المعصية، فإنّ ذلك الولاء لا يكون في المناصرة التي هي من قبيل الخيانة للإسلام عامة، بل تكون في بعض صور تفضيل المخالف في العقيدة على المسلم، مع تساويهما في الإمكانات، أو المصادقة والمخاللة كما نرى في كثير من الحالات ما يقوم بين عائلاتٍ مسلمة ونصرانية، ويعلن المسلم أنه يحب هذا أو المسلمة أنها تودّ هذه.

      كذلك، وهي الصور الأهم، ما قد يشتبه بالولاء المكفر، من تعاون مسلم ومشرك في حرب على عدوٍ مشتركٍ كافر، متفق على كفره، ، أو على مسلمٍ باغٍ متفق على بغيه. ولذلك صور شتى.

      فلا شكّ أنّ التعاون بين طائفة مسلمة وأخرى مرتدة، لقتال طائفة مسلمة أخرى، عملٌ باطلٌ وحرامٌ شرعاً، ومن الحرام ما هو كفرٌ ومنه ما هو دون ذلك. وهو صورة من صور الولاء، لكن يجب تحديد إن كان من الولاء المطلق المكفّر أو من مطلق الولاء، حسب صورته ومناطه. والنظر في هذا ينقسم إلى نقاط عدة:

      • هل ثبتت ردّة تلك الجماعة، التي قيل إن المسلمين تعاونوا معها، بيقين أم لا؟

      وهذا أمرٌ جللٌ يجب ألا يتصدى له إلا العلماء بحق، إذ يترتب عليه استباحة أموال وأعراض وأموال، لا يجب استحلالها إلا بالحق. وتحديد اسلام طائفة من عدمه، يتوقف على أمرين، عقيدتها المعلنة، وتصرفاتها على الأرض.

      1)       فإن كانت عقيدتها المُعلنة هي الرضا بتحكيم الشرع، ورفض الكفريات الظاهرة والبدع المكفرة كلها، فهي مسلمة، سواء كانت باغية أو غير باغية، مرتكبة لمحرمات أم لا.

      2)       ومفهوم المخالفة هنا لا يعمل، بمعنى أنه لو قالت: نرضى بحكم الإسلام ونسعى له بطريق ديموقراطيّ، فهنا تقع الشبهة التي يجب التحرى عنها، وعن مقصودها، فإن كان ذلك منها إيماناً بمبادئ الديموقراطية التي هي رفض حكم الله للشعب، وقبول حكم الشعب للشعب، فهذه ردة بيقين. وإن كانت ممن يقول هي وسيلة إلى حكم الله الذى هو الغاية، لا غيره، فهي طائفة بدعية كالإخوان، ثمّ يبين لها أن حكم الوسائل هو حكم المقاصد، وأن من اخترع الديموقراطية قصد بها حكم الشعب للشعب، فتحريف المُصطلح عن أصله فيه تشابه وتشويش وتعمية. ثم يّنظر في تصرفاتها التفصيلية، إذ وقوعها في شركيات تشريعية غالبٌ في معظم الأحيان، ويعامل كلّ تصرف بقدره.

      3)       وإن شاب عقيدتها المُعلنة شرك واضح جليّ كأن ذكرت أنها لا تتحاكم إلى الشرع، بل إلى القوانين الوضعية وتتبنى العلمانية، فهذا نقض لعقيدة الإسلام، وردة صريحة بيقين.

      • وهل حكم الردة لجماعة ينسحب على كافة أفرادها أم لا؟

      ثم يأتي هنا وقوع الحكم على المعيّن، فكما ذكرنا، المعيّن لا ينسحب عليه حكم الجماعة تلقائياً، إلا عند بعض الغلاة. لكن يجب استصحاب أصل الاسلام عليه، إلا إن كان كافراً أصلياً، ثم تقام عليه الحجة الرسالية، ويبيّن له الأمر بتفصيله، فإن استمر على عقيدة الكفر، كفر بذلك، وإن لم يفهم الحجة، فإن إقامة الحجة هي الواجب لا إفهامها، وإلا لم يكفر أحد على وجه البسيطة. وإن ظلّ على فهم البدعة ظلّ مبتدعاً، ويعامل على هذا الأساس.

      • ثم هل يعتبر هذا التعاون بين المسلمين ولاءً مكفراً، أم له صور متعددة؟ وهي قضية التعاون، فنقول:
      • القتال بين طوائف المسلمين حرامٌ ابتداءً ويجب وقفه وعدم تبريره وتمريره.
      • إن تعاونت طائفة مسلمة مع طائفة مرتدة بيقين، فهذا حرام شرعاً، بل يكون ولاءً في بعض صوره:
      • فإن كان لقتال إخوة في العقيدة، سواءً طائفة سنية أو فيها بدعة غير مكفرة، فهي قسمين:
      • فإن كان لدحر بغي رأوه واقع عليهم، فهذا حرام شرعاً
      • وإن كان نصرة للمرتدين على المسلمين لهزيمة الدين وعداء للإسلام وأهله فهذا ولاءٌ مكفّر.
      • وإن كان لقتال عدو كافر مشترك، ففيه صور متعددة، إذ: 1) يجب أن يكون للمسلمين الغلبة في القوة داخل ساحة القتال، 2) وألا يعلو الكفار على المسلمين في القيادة، بل تظل القيادة في يد المسلمين، حتى لا يوجه الكفار مسار القتال ويحرفوه ضد المسلمين والاسلام، 3) وأن لا يتمكنوا من إقامة قواعد تظل شوكة في حلق المسلمين تهددهم، فهذه كلها صور ولاء مكفّر، إذ إن الكفار أو المرتدين غرضهم من قتال الكفار ليس مَحضاً، وليس لنصرة الإسلام، بل فيه بغضٌ للإسلام وتربُص به وبأهله. وقد رأينا كيف أنّ الله قد أعلن فرح المؤمنين بنصر الله الذي هو نصر الروم على الفرس، لأنهم، وإن كانوا كفاراً، إلا إنهم أقرب للمسلمين من عبّاد النار. فالحكم هنا من ذلك النوع ويرجع إلى أصل الاعتقاد من ناحية وإلى السياسة الشرعية من ناحية أخرى.

      فإذا اعتبرنا هذه الصور كلها، ونظرنا إلى بعض التصرفات التي وقعت فيها الجماعات الجهادية، كالجبهة أو الدولة، فنقول:

      • ما فعلت النصرة في حادثة أطمة من تمرير سلاح للمرتد جمال معروف، هو من قبيل الحرام شرعاً، إذ يقع تحت بند (فإن كان لدحر بغي رأوه واقع عليهم، فهذا حرام شرعاً).
      • وما فعلت النصرة في قبول التعاون مع بعض الأهالي ممن أخذ سلاحاً من الجيش الحرّ لقتال النصيرية، ثم أعلن ولاءه لهم ورغبته في الخضوع للشرع، فهذه  صورة مباحة بل مندوب اليها لتأليف القلوب.
      • وما فعل الشيخ الشهيد أبو سعيد القحطانيّ من أخذ بيعة من أفراد في الجيش الحرّ للجهاد، فهذا فيه طاعة لله، وقد أثمت الدولة بقتله، بعد أن أخفت ذلك أياماً.

      وقس على ذلك المقياس ما يحدث وما يتجدد.

      والله ولي التوفيق

      د طارق عبد الحليم

      8 جمادى الثاني 1435 – 08 أبريل 2014

      [1] راجع الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن القيم ص11، وص16 وبعدها