فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حملة كشف الرويبضات

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"[1].   

      أتوجه بهذه الكلمة، إلى كلّ مناصر أو متابع أو مجاهد أو متعاطف، مع أي فرقة من فرق الجهاد كانت النصرة أو الأحرار أو الصقور، أو من شئت.

      إن العقل مناط التكليف، فبدون اتزانه، يفقد المرء كلّ أهلية، فيصير كالطفل، أو المجنون أو المعتوه، بل أشدّ خطراً، إذ هؤلاء يحذَرَهم الناس، أمّا من فقد بوصلة عقله وحار منطقه، تراه يمشى بين الناس يرغي ويزبد، ويتحدث ويتقعر، ويتمطمط ويقلقل، فيحسبه الناس عاقلاً، بل يحسبه الجاهل عالما من التغفل.

      وعقلك يا أخي، ويا أختى، المناصر أو المتابع أو المجاهد أوالمتعاطف، ليس بصندوق قمامة تلقي فيه بأي شئ وبكل شئ، بل هو أغلى ما تملك. وعلى شاكلة ما تضع فيه، سيخرج منه، بلا محالة.

      وقد رأيت على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن دخلت معتركها منذ شهور لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، وليتني لم أفعل! أصناف شتى من المناصرين أو المتابعين أو المجاهدين أوالمتعاطفين.

      منهم صنفٌ يسأل ويتحرى الإجابة، ثم ينثنى بلطف بعد "بارك الله فيك" أو "جزاك الله خيرا" أو ما شابه، سواء رأي صحة ما قلت له أم لم يوافقك عليه، وهؤلاء فضلاء، لا ينقصهم إلا معيار تمييز العالم من الرويبضة، حتى إن انثنوا إلى رأي كانت لهم في اتباعه حجة أمام الله. ومن هولاء من لديه أثارة من علمٍ بمطالعات متفرقة، فيجب أن يحذر، أو تحذر، من أن يهيؤها لك الشيطان أنها قواعد علمٍ يُبنى عليه قول شرعيّ.

      ومنهم من يمر بصفحتك، فلا تسمع منه إلا كلمة إطراء أو موافقة، وهؤلاء فضلاء كذلك، إذ يعرف واحدهم أنه ليس من أهل الجدل العقيم، فيستمع ولا يشارك.

      ومنهم من يحاورك، ويكثر الجدل، ثم يرجع عليك بحجج، ثم يعارضك، ثم يخالفك، ثم يسفّه رأيك، ثم يسُبك ويلعنك أن لم توافقه على ما يقول. وهؤلاء أخبث الناس وأكثرهم خساسة وأوضعهم مكانة وأشدهم خطراً على عقول شبابنا. وهم من يصح فيهم الحديث الذي نقلنا، كما يصح فيهم قول رسول الله صل الله عليه وسلم "اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"[2].

      والغرض هنا هو كيف نميّز هؤلاء الرويبضات، ومتصنعى العلم، لابسي ثوبي الزور؟

      هذا أمرٌ غاية في الخطورة، إذ هو اليوم، كما كان بالأمس[3]، مانع من أن يرى الناس الحق حقاً، والباطل باطلاً. وهو ما يزرع بذور التعصب.

      والطريق إلى العلم معروف، فإنما العلم بالتعلم، فلابد من دراسة متأنية لعلومٍ شتى، من مصادرها الأصلية[4] لا مما كُتب عنها، منها العقائد، ومنها كتب الحديث وكتب المصطلح، وبعض كتب الطبقات والرجال، وكتب التفسير، والسير وعلوم القرآن، والفقه والفقه المقارن وكتب الأصول ويليها كتب القواعد وفن الاستقراء والجدل والمناظرة، وكتب التاريخ، الاسلامي والعالمي[5]، فنحن جزء من عالم الله وأممه، ثم كتب اللغة والأدب بعامة. ثم كثيرٌ مما يجمع شتات عدد من تلك العلوم مثل فتاوى بن تيمية، وكتب بن القيم وغيرهما. ولا يحسبن أحد أن الاطلاع على فتاوى بن تيمية أو غيره تصور عالماً، بل إن مثل ذاك الاطلاع المجتزأ من أخطر الآفات، إذ يضع صاحبه في مرتبة على سلم العلم، لا هو بعالم، ولا بجاهل، فتكثر كبواته، وتتوالى زلاته، وتتضح لعين البصير غفلاته، ويصبح ممن ضلّ وأضل.

      المعيار هنا هو "العبرة بالنتائج" ولا علينا بالادعاءات. ألم يقل رسول الله صل الله عليه وسلم "البينة على من ادعى"؟ فمن ادعى علماً سألناه، أين بينتك؟ أتكفي في البينة قول مناصريك ممن هم أكثر منك جهلا، أن يقولوا "قال شيخنا"؟ أهذا معيار العلم؟

      لا والله بل يجب على النبهاء ممن نخاطب أن يقوموا بحملة "كشف الرويبضات"، وذلك بأن يسألوا كلّ متحدث على صفحة اجتماعية "قل لي من أنت؟ ما نتاجك؟ ما خراجك؟ انسب لي علمك؟ ماذا أخرج هذا العلم من كتب ومولفاتٍ وأبحاث ومقالات، تلقاها العلماء أو بعضهم بالقبول؟

      فإن عجز وتلجلج، وقال "وهل يجب عل كلّ أحد أن يضع مؤلفات؟ قلنا ها قد بدأ التدليس، والكذب والخداع. فإن إفراز العلم غير اختياري، بل هو فطرة في العالم، كما يفرز النحل العسل.

      وإلا فأنت الرويبضة، الرجل التافه يتحدث في أمر العامة.

      إخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي:

      هذا حق الله عليكم، الذي وهبكم العقل، فلا تجعلوا رويبضات يستبيحوا حرمته، فإن كنتم تنصحون الناس بعدم التدخين، حرصا على صحة البدن الذي أعطاكم الله إياه، فكيف بمخدرات العقل والفكر التي ينشرها الرويبضات ليل نهار، وتتعاطونها دون تورع، بل ويحسب البعض أنهم بها مهتدون.

      فلنبدأ الحملة إذن..                                                     

      إسأل كل من ترى له قولاً في الشرع: البينة البينة أو اقطعك. أنشرها في Just paste it، أو ضعها على فيس بوك أو في بعض تغريدات، ودعنا نقيم عملك. ولا نتركك تستبيح حرمات عقولنا.

      ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد 

       د طارق عبد الحليم

      27 جمادى الأولى 1435 – 28 مارس 2014

      [1]  رواه أحمد بإسناد حسن، وأخرجه ابن ماجة ووافقه الحاكم، وصححه الألباني.

      [2]  البخاري كتاب العلم

      [3]  والله كأني أرى السبعينيات تعود للحياة، وما مرّ بنا فيها تنشق عنه الأرض مرة أخرى!

      [4]  ويجد القارئ كثيرا منها في مراجع ما كتبنا فليرجع اليه من شاء، أو إتصيد وقتا فأكتب فيها ثبتا مما مشينا عليه بصفة شخصية لعل فيه فائدة.

      [5]  وقد قمت بتحضير وتدريس 29 مادة من هذه المواد لطلاب الدبلوما في الشريعة بين عاميّ 1998 و2007 في مركزى "دار الأرقم" بتورونتو.