فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعقيب على تعليق أبو معاذ الشرعيّ بالدولة-عن كلمة الشيخ د هاني السباعي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      ما دفعنى لكتابة هذه الكلمة إلا قول أبي العلاء المعريّ

      إذا عيّر الطائيّ بالبخل مـــادرٌ            وعايــــر قسّا بالفهاهـــــــة باقــلُ

      وقال السُهى للشمس أنت خفية      وقال الدُجى للصبح لونك حائـــلُ

      فيا موتُ زرْ إن الحياة ذميمــةٌ            ويا نفس ُجِدِي إن "خصمك" هازل

      سمعت كلمة الشيخ الأخ الفاضل د هاني السباعي، التي أذاعها اليوم، الأربعاء 24 جماد الأولى 1435، والتي وجّه فيها أسئلة محددة للشيخ الجليل د أيمن الظواهري، ليحي من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

      ثم قرأت ما كتب الأخ أبو معاذ الشرعي[1]، فأصابني إعياء مما قرأت، فقد والله خرج به الأخ أبو معاذ عن اللائق أولاً، وعن مقتضيات الشرع وأحكامه وفقهه ثانيا. والعجيب هنا هو هذا الرد السريع على خلاف عادة رجال الدولة الذين قالوا كثيرا إنهم يحْذرون ولا يتكلّمون قبل التأكد والمراجعة!

      والحق أنّ ما ذكر الشيخ الفاضل السباعي هو عين ما قلته في مقال اليوم عن بيعة الشيخ البغدادي للشيخ الظواهري. قلت ما نصه "ثم أمر بيعة الشيخ البغدادي للشيخ الظواهري حفظه الله، فهي بيعة لم تثبت بيقين، لا صفتها ولا حقيقتها، لكن قرائن عديدة قد تميل بالكفة إلى وقوعها حقيقة، ولن تظهر بيقين إلا إن أكدها الشيخ الظواهري بنفسه وصوته، أو أنكرها الشيخ البغدادي بنفسه وصوته. فندعوهما لذلك. وسنبني هنا على أنها قد وقعت بالفعل لإحتفاء القرائن حولها، لكن لا نبنى على يقين منها". فإن كانت هذه البيعة قد وقعت، فإنه لا شك في التالي إذن، وهو أنّ الشيخ البغدادي قد وقع في نفس ما وقع فيه الشيخ الجولانيّ، لكن بعده زمنياً"[2]. ثم رتبت أموراً على ثبوتها، أذكرها لاحقا إن شاء الله.

      ولا أريد أن أشق على أخي أبو معاذ، لكن الحق أحق أن يقال.

      فإنه من ناحية اللياقة، فقد جرّد الأخ أبو معاذ كلا من الشيخين الفاضلين الجليلين، د السباعي ود الظواهري، من أية ألقاب اكتسبا حقها من خلال تاريخٍ طويلٍ من الجهاد، ومصارعة الطاغوت باليد واللسان. وهما، حفظهما الله، معروفان اسماً وشكلاً وتاريخا وتجربة. بينما غيرهما، لا نعرف لهم اسما ولا شكلا ولا تاريخا ولا تأليفا ولا تدويناً، عدا إضافة كلمة "الشرعيّ" التي لا نعرف لها اليوم حدّا ولا رسما! إلا ما ظهر من بعض كلام على “Just Paste it” من حين إعلان "الدولة الإسلامية" من شهور خلت، والذي أصبح، بفعل فاعلٍ، دينا يُعبد عند كثير من العامة والخاصة، رغم حبنا له وتقديرنا لما يمكن أن يؤديه من خدمة للإسلام والمسلمين، إن رشد من يعضده ووعى من يناصره. فمن ساوى مجهولا بمعلوم فقد حاف وطفّف.

      وهذا التصرف، مع الأسف، قد لاحظ البعض أنه أصبح سمة عامة للدولة، وهو شدة الهجوم على كلّ من، وما، يُشتم منه رائحة مخالفة. وتعدى هذا إلى أنصارهم على تويتر، وفيس بوك.  وكأن هؤلاء حازوا الحق كله، وظهروا عليه بلا منازعة منازع، وبرؤوا من الخطأ عامة، فهم على الصواب في كلّ ما يصدر عنهم وعمن حولهم! وهذا غاية في التعصب وآية في الغلو. بل إنّ هذا يدفع بعض من تعاطف معهم، يقف مع الكلّ ضدهم، ويجعل من نافح عنهم، من أمثالي، يشعرون بضيق صدر، وحيرة أمر. فإذا بهم يقلبون الكلّ ضدهم، بما يقولون ويفعلون، تحت مقولة "نحن على الحق، فليذهب بقية الناس إلى الجحيم"!

      إن هذه الظواهر التي تتكرر، لابد وأنها نشأت عن أصل مختلٍ في فهم مُعين. ولسنا والله ممن ينصر خللا أو يؤيد سقماً.

      وأسارع فأقول إن نقد الدولة، لا يعنى نصرة للنصرة، فأرجو ممن بقي في عقله ذرة منطقٍ أن يفرق بين الأمرين، فقد والله رأينا المنطق العادي البشري البسيط يتساقط كأوراق الشجر في الخريف، خلال هذه الأزمة الطاحنة بالشام.

      ثم، الأمر الآخر هو: ما الذي هزّ كيان الأخ أبي معاذ حين تحدث الشيخ الفاضل د السباعيّ عن البيعة؟ ما هو سبب تلك الحساسية من موضوع البيعة، وما السر في استباق الأحداث بقولٍ مثل "افترضْ إنْ خرجَ علينا الظواهري غدًا وزعم بأنَّ له بيعة؛ فهذه قضية هي نفسها بحاجة إلى إثبات أولًا؛ خاصة مع إنكار الشيخ البغدادي". وهو يتحدث عن "الظواهري" كأنه كان تلميذا مع أبو معاذ يركبان الحلزونه سويا في أزقة العراق أو الشام! عجيب! أهذا تمهيد لردّ كلمة الشيخ الظواهري إن قالها؟ أتعلم يا أخ أبا معاذ، حجم كلمة الدكتور الظواهري الذي عرك الجهاد قبل أن يبلغ بعضهم سن الفطام؟ لا يا أخ أبو معاذ، إنا والله نرتفع بقدرك، مع عدم معرفتنا به تحقيقا، عن أن تقع في هذا التعصب المقيت. ثم لماذا استباق الأحداث، وافتراض أن الكبراء يتناقضون؟

      بلى، مسألة البيعة بين الشيخ الظواهري، والشيخ البغدادي هي لبّ المسألة، إذ إن موضوع بيعة الشيخ الجولاني، كما ذكرت في مقالي، محسومة، وخطأ الشيخ الجولاني في نقضها مؤكد. فإن ثبت أن الشيخ البغدادي وقع في نفس الخطأ فما ندرى والله ما الذي يجعله أكبر من أن يُنقد، أو أعظم من أن يُوجّه، إلا تعصب أتباع وهوى أشياع ليس له في ميزان الحق وزن ريشة. إلا أن تكون، يا أبا معاذ، وأتباع الدولة، قد رفعت أميرك إلى مرتبة الولاية الصوفية، أو الإمامة الرافضية، ونحن نجلّكم جميعا عن هذا، لكن ظاهر تصرفاتكم تنبأ عن هذا التوجه، والله المستعان.

      ونحن نعلم أن من شرعيّ الدولة من هم أفاضل حاورناهم من قبل، كالشيخ تركي البنعلي والشيخ أبو بكر القحطاني، لكن أين هم من هذا التهجم المتسرع اليوم؟ وهل يصمتون عليه؟

      نعم نكرر هنا، أن مسألة البيعة بين الشيخ الظواهري، والشيخ البغدادي هي لبّ المسألة، وينبني عليها ما أورناه في مقالنا، ونعيده هنا للتنبيه:

      • " إنّ العشائر والتجمعات التي بايعت الدولة في العراق، ولم تبايع القاعدة، بل بايعت الدولة مباشرة، وهذا لا دليل فيه على النقطة المطروحة إذ يمكن أن تبايع كافة التجمعات في العراق الدولة، نيابة عن بيعة القاعدة في خراسان.
      • إنّ تنظيم القاعدة في العراق قد حلّه الشيخ الظواهريّ وأعلن ضمّه للدولة، وهذا لا يدل على عدم وجود البيعة كذلك، إذ قد يكون اندماجاً لا استقلالاً.
      • إن الشيخ الظواهري أعطى للدولة حرية العمل المطلقة، مع المشاورة في أحد بياناته، وأشاد بها في كافة بياناته. وهذا كذلك لا يثبت عدم وقوع بيعة، فإن موضوع البيعة، أصلاً، الأصل فيه السرية والتكتم، وقد يكون ذلك لمنع الضغط على الدولة من انتمائها لأكبر تنظيم "إرهابيّ" في العالم.
      • إن التحكيم بين الدولة والنصرة، والذي قام به الشيخ الظواهري حفظه الله، يثبت عدم مبايعة الدولة له. وهذا لا يثبت شيئا من حيث أنّه يمكن لمتخاصمين أن يرجعا لأميرهما معاً للتحكيم بينهما.
      • أنّ تمدد الدولة الإسلامية لا انحسارها هو شرع الله، وهو صحيح لا ريب فيه، لكن الأمر أمر توقيت لمنع الانشقاق، ومراعاة جلب المصالح ودفع المضار. لا تقييد الأصل، ولكن توقيته.

      إذن، فإن كافة هذه التبريرات لا تثبت، ثبوتاً يقينياً، عدم وجود بيعة للشيخ الظواهري لازمة في عنق الشيخ البغدادي. ولا معوّل على كافة ما يقوله الأنصار على صفحات التواصل الإجتماعي، فهي ليس بذات صفة إثبات أو نفي. ومن ثم، فإنه، في هذه الحالة إن ثبتت بيقين، يصعب القول أنّ الشيخ البغدادي لم يقع في نفس ما وقع فيه الشيخ الجولانيّ من قبله.

      أمرٌ آخر لم يتضح يقيناً، وإن كانت القرائن عليه قوية جداً، وهو أنّ الشيخ البغداديّ رضي بتحكيم الشيخ الظواهري بينه وبين الشيخ الجولانيّ، ثم لمّا أتى جواب الشيخ الظواهري على غير ما أرادت الدولة، لم يأخذ به، والرضا بهذا التحكيم قد ثبت من عدة جهاتٍ، منها من هم من الدولة. فلماذا رجع الشيخ البغدادي عن نتيجة التحكيم؟ وهي نقطة تردّد فيها الكثير من الأقوال لنفيها أو تبريرها، ولكنها كلها لم تسلم من تجريح معتبر.

      وقد وردت شهادات لا يمكن إغفالها، لفضل أصحابها، ومنهم من عرفت وعاشرت معاشرة طويلة، وهم أهل للتعديل عندى. وهذه الشهادات تضع ثقلاً على كاهل الدولة، يجب عليها تبريره. ولا يكفي الرمي بالتهمة أو الكذب أو غير ذلك لدحض هذه الشهادات".

      أما ما وجّه الأخ أبو معاذ، هداه الله، من اتهامات للشيخ الجليل الظواهري، مبطنة باتهامه لمنهج القاعدة، من الاختراق السروري لعقيدتها وسياستها، والتحوّل الاستراتيجي لخططها ومشاريعها وأهدافها، في التعامل مع المشايخ الرَّسميين لآل سعود وطواغيت الخليج، في طعنها بعقيدة ومنهج الدَّولة الذي زكّاه كبار قيادات القاعدة ومؤسّسها، فإن هذا كله إن كان موجها لجبهة النصرة، فكان عليه أن يوضح ذلك، وإن قصد أن الشيخ الظواهريّ قد أصبح عميلا لآل سلول وبقية ما ذكر، فوالله عيب عليّ إن حاولت حتى الردّ على ذلك، فهو كلام أسقط من أن يرد عليه، من عالم، أو طالب علم، أو عاميّ غرّ.

      لقد والله رددنا على العطويّ، لمّا تطاول وسبّ وخرج عن الأدب والعلم في تعامله مع رجال الدولة، ورددنا على المطيري والقنيبيّ حين تجاوزا في الخصومة، بل قد ساءلنا الشيخ الظواهري في مقالنا، وسأله الشيخ هاني السباعي في جل تسجيله بإذاعة المقريزي، ورأينا أنّ بعض التصرفات تحتاج إلى إيضاح ومراجعة، لكن بأدب ولياقة، رغم أن كاتب هذه السطور أكبر من د. الظواهري سناً، وقرينه في دخول معترك الحركة الإسلامية منذ أكثر من أربعة عقود، لكننا هنا لا نقر ولا نقف مكتوفي الأيدى أمام نفس التصرف من الدولة، فلسنا ممن يلهج بالحق ساعة، ويرضى عن الباطل أخرى. والأدب واللياقة أمرٌ لا يتعلمه الناس في المدارس، شرعية أو علمانية.

      اللهم هيئ الرشد وأبلغ الأمل وكف الأذى والمحن إنك أرحم الراحمين

      د طارق عبد الحليم

      25 جمادى الأولى 1435 – 26 مارس 2014


      [1]  https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1396365267303465&id=100007900150467

      [2]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72557